ثمن الشاعر السوري حسن بعيثي المجهودات الحثيثة التي تبذلها هيئة الثقافة والتراث بأبوظبي من أجل إعطاء الدعم الكافي للمثقف العربي، داعيا الجهات الثقافية العربية إلى أن تحذوحذو هذه التجربة الرائعة والمتمثلة في برنامجها الثقافي التي تقلد فيه أحسن شاعر عربي لقب أمير الشعراء. عن جديده الشعري وعن مرجعية عدم مشاركة المثقف العربي فيما يجري على الساحة العربية، وقضايا أخرى يحدثنا حسن في هذا اللقاء الذي جمعه بجريدة ''الحوار''. أنت تمثل الجيل الثالث الذي حمل لقب أمير الشعراء، ماذا أضاف هذا البرنامج لجيل الشعراء الشباب؟ لا أحد يدعي أن لقب أمير الشعراء هو لقب نهائي لأحد والمسابقة كانت تكرم أحمد شوقي عند اختياره لقبه كاسم للبرنامج، من جهة أخرى فإن هذه المؤسسة تعطي لقبا بشكل سنوي فهو يرتبط بالموسم الذي يفوز فيه الشاعر، فأنا مثلا أمير شعراء الموسم الثالث، فالبرنامج يكرس لقب امير الشعراء كحالة ابداعية للشعر وللثقافة، وهذا البرنامج يعد من أكبر الخطوات التي ساهمت في انعاش حركة الشعر العربي وفي تحويل المثقفين والشعراء العرب إلى أسرة واحدة، ولاسيما منهم فئة الشعراء العرب الشباب الذين كانوا إلى حد بعيد مغمورين ولم يسمع بهم أحد، ويمتلكون تجارب شعرية متميزة وجديرة بالطرح والدراسة والمناقشة اصبحوا الآن وبفضل هذا البرمانج معروفين لدى الجميع. أنا مثلا حضرت إلى الجزائر بفضل هذا البرنامج، كما تعرفنا على شعراء جزائريين من خلال نفس البرنامج، هذا الأخير يقوم بدور إعلامي بالدرجة الأولى. تشرفي بهذا اللقب هو قبل كل شيء تكريم للشاعر الكبير وأمير الشعراء أحمد شوقي، وكذا كل الشعراء الذين سبقوني إلى حمل هذا اللقب والشعراء الذين سيتوّجون به من بعدي. ألم يتملكك الغرور وأنت تلقب بأمير الشعراء؟ أبدا هذا الأمر غير وارد من الأساس، ما أريد أن أوضحه في هذا المقام أن لقب أمير الشعراء هو ليس لقبا نهائيا أو محتكرا من طرف شاعر معين، أو هو لقب حقيقي أو أنه يجب أن نتعامل معه على أنه الواقع، القضية أبعد من هذا، مثلا حين ينشر اسمي على صفحات الجرائد، ويكتب أسفله حسن بعيثي أمير الشعراء، كنت أطلب منهم أن يعوضوا العبارة السابقة بالعبارة التالية - حسن بعيثي الفائز بلقب أمير الشعراء- لأني في الحقيقة فزت في مسابقة تحمل اسم أمير الشعراء، فلا أحد ممن تقدموا للمسابقة يريد أن ينصب أميرا، لأنه لو كان الأمر كذلك لهلك الشعر والشاعر معا، وما كان البرنامج يكرر كل عام، بل يتوقف عند عتبة الطبعة الأولى وكفى ويختار أميرا للشعراء وانتهى الأمر، بل هو برنامج متواصل ومستمر. وهذا اللقب سيذهب إلى مستحقيه وفق ما تراه اللجنة القائمة على اختيار أميرا للشعراء. وفي نظري أن هذا البرنامج من أهم الخطوات التي يجب أن تستفيد منها كل الدول العربية، لأن الشباب من الشعراء أصبحوا معروفين وأصدقاء متواصلين فيما بينهم بفضل هذه المسابقة. شخصيا فقد أتاحت لي هذه الفرصة التعرف على العديد من الشعراء من مختلف أصقاع الوطن العربي، وهو ما أعتبره إنجازا ثقافيا حقيقي لم يسبق له مثيل في تاريخ الثقافة العربية الذي تقدمت به هيئة التراث أبوظبي، لقب أمير الشعراء ليس حكرا على أحد وعلى الفائز به أن لا تأخذه العزة بالنفس. المثقف العربي اختار الاعتكاف في برجه العاجي بعيدا عن الأحداث التي تمس مجتمعه، لما يرجع ذلك برأيك؟ في اعتقادي أن المثقف العربي ليس معزولا تماما عما يجري على الساحة العربية، وإنما يختلف ذلك من قطر لآخر، وإذا حدث ذلك فربما لأن المثقف العربي ذلك الانسان الذي يحسن قراءة الواقع وقراءة الحياة أكثر من سواه، وعبر عن عدم رضاه ما يجري على ساحة وطنه من أحداث مختلفة، وأظن أن عدم رضاه هو سبب هذه العزلة، مع إهمال بصراحة من طرف المؤسسات الرسمية، ليس هناك رعاية حقيقية للمثقف، لذا قلت إن برنامج أمير الشعراء هو إنجاز لأنه فتح أبوابا واسعة أمام الشعراء الشباب وقدم دعما ماديا لهم، حتى يعيش في بحبوحة اقتصادية، هذا يعني أنه على المؤسسات الثقافية العربية أن تتبنى مثقفين حقيقيين وتقدم لهم الدعم الكافي حتى يتسنى لهم أن يشاركوا في صنع القرار. هل صحيح أن جذوة الشعر العربي الحديث فقدت مكانتها؟ أنا على عكس ما يحاول أن يصوره بعض النقاد، الشعر الآن هو بألف خير فمثلا في العصر الحديث من الشعراء الذين عايشناهم هناك عشرات الأسماء الذين يمكن أن نعتبرهم من فحول الشعر والذين يعيشون في وجدان الأمة، في كل المراحل التي مرت عليها الأجيال. هذا ليس فقط على مستوى الأسماء الكبيرة والمعروفة بل حتى الجيل الصاعد من الشعراء الذين يحاولون قدر المستطاع أن يبرزوا قوتهم الشعرية للتأثير بشكل إيجابي في كيان هذه الأمة من خلال نظمهم الشعرية التي لها وقع على وجدان الإنسان العربي مثل نزار قباني، محمود درويش، ممدوح عدوان ونازك الملائكة، كل هذه الأسماء وعشرات الأسماء الأخرى تعيش في ضمير الإنسان في العالم العربي. أظن أن الاعتقاد السائد بأن جدوة الشعر قد خابت أو ما شابه ذلك هوظن ليس في محله، لأننا لو سلمنا بالحكم السابق فإننا نجزم أن الشعر القديم ظهر خلال 50 عاما، مثلا نتحدث عن الشعراء القدامى هذا يعني أننا نتحدث عن ألف وأربعمائة عام، وحين نوزع هذه الأسماء على العصور التي مر بها تاريخ الشعر العربي نجد أن هذا العصر ليس أقل همة ولا فحولة. وما يمكن أن نؤكده هنا أن الشعر العربي عرف انحطاطا في الحقبة العثمانية الذين استوطنوا الأوطان العربية، حيث ظهرت أسماء شعرية ليست بذلك البريق الذي تميز به أبو العلاء المعري، والمتنبي، والفرزدق وإيليا أبوماضي وغيرهم، ما أريد توضيحه أننا لسنا في عصر خاب فيه الشعر ومن ظن ذلك عليه قراءة التاريخ جيدا. الشاعر اليوم أضحى يتلاعب باللغة أكثر من أن يحاول إيصال الفكرة إلى المتلقي، ما تعليقك على ذلك؟ القدرة على التلاعب باللغة يمكن أن تخدم الكثير من الشعراء، لكن في اعتقادي الشخصي أن النص الذي يثبت نفسه عبر الزمن ويتصف بمواصفات الحياة هو النص القائم على التجربة بمختلف مستوياتها الشعورية و المعرفية والفكرية و الوجدانية وحتى النضالية، ولكن الآن تحول الشعر من مخاطبة المشاعر السطحية للإنسان من تحريك سطح الماء إلى تحريك الأعماق، أصبح يخاطب ما هو المطروح على ساحة العصر الحديث، ربما هي مسألة الرؤية التي كانت غائبة في الكثير من العصور السابقة، على الرغم من أن الشعر في ذلك الوقت توغل في وجدان المجتمع بصورة كبيرة، ولكن كان يخاطب المشاعر السطحية البسيطة بمعنى آخر ليس بالضرورة أن أحمل طبلا وأطيل الصراخ لكي أهز أعماق الناس، يمكن أن تكون جملة شعرية هادئة وهامسة ورقيقة تهذب أغوار الفرد وتجعله يقترب من إنسانياته بشكل مثير مما سبق، هذه التجربة الحديثة أعتقد هي التي يجب أن يلتفت إليها النقاد، وأخص بالذكر هؤلاء النقاد الذين تقدموا في السن لأنه كما هو معروف أن هذه سنة الكون، علينا أن ندرك أن الجيل السابق لا يستطيع استيعاب معطيات الفكر الراهن ولا يستطيع التعامل معها بحيادية، وأن هذه المعطيات لابد أن تفهم بحذافيرها لأنها هي التي تكرس في النهاية، وهي التي ستشمل الجيل القديم، وأنا هنا لا أقصد الجيل القديم من حيث السن فقط، إنما أعني القديم من حيث الرؤية والفكر. ما هي آخر إنجازات حسن في مجال الشعر؟ لدي مجموعة مطبوعة بعنوان ''قطرات'' وهناك مجموعة شعرية تطبع بهيئة الثقافة والتراث بابوظبي بأكاديمية الشعر بعنوان ''كلما كذب السراب'' وهناك مجموعة ثالثة أنا بصدد تحضيرها.