مع اقتراب حلول شهر رمضان المعظم تعمد الكثير من الأسر الجزائرية إلى القيام بتحضيرات مكثفة خاصة بهذا الشهر الكريم، من تنظيف وطلاء وغسل الصوف والزرابي وشراء أوانٍ جديدة وكل هذا نابع من عداتنا وتقاليدنا العريقة. ونحن في هذه الأيام الطيبة بدأ العد التنازلي للدخول إلى شهر عظيم، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار يستعد الناس روحيا وماديا تعبيرا عن فرحهم وابتهاجهم به. عادات وتقاليد لا تزال حية لاستقبال الشهر الكريم وفي هذا الصدد انتقلنا إلى أحد الأحياء المتواجدة بالعاصمة وهو حي القصبة الذي ينبعث منه عبق قدوم الشهر العظيم، حيث نشم رائحة التوابل المتنوعة وبعض الأواني المصنوعة من النحاس والتي يكثر بيعها في هذا الشهر العظيم وهناك استقبلتنا السيدة ''تماني'' وهي سيدة في مقتبل العمر، حيث رحبت بنا في بيتها المتواضع. بلهجتها العاصمية حدثتنا عن كيفية استقبالها لشهر رمضان المعظم، حيث تقول ''إن شهر رمضان هو شهر المحبة والتسامح والكرم والتوبة فكيف لا نعطيه حقه ونعبر عن فرحتنا به، لذلك ففي كل سنة ومع اقتراب هذا الشهر أول ما يقوم به زوجي هو طلاء المنزل حتى يزداد ضياء وهي عادتنا منذ القدم، غير أنه قديما كنا نستخدم الجير فقط لتبييض كافة أرجاء المنزل نظرا لظروفنا المادية المحدودة أما اليوم وفي وقتنا الحالي فأصبحت هناك أنواع وتشكيلة متنوعة من الطلاءات وأصبحت كل غرفة تصبغ على حدة، إضافة إلى استعمال المبرق وهناك من يستعمل أوراق الطلاء، كما أنه استعملت أساليب جديدة في الطلاء ''كالموشتي'' وزخرفة السقف بأشكال وألوان مختلفة تتماشى مع الموضة والعصر''. وتضيف السيدة تماني أنه سابقا كان رجال البيت الاب والابن يقومون بالطلاء، أما اليوم فمعظم الاسر تلجأ إلى الصباغين لانهم مختصون في الطلاء ويوفرون علينا التعب والمشقة. إضافة إلى كل هذا لازلت أتذكر صورة أمي وجدتي وعماتي حين كن يجتمعن لغسل الصوف والافرشة والزرابي دون كلل أو ملل، رغم مشقة العمل وتطلبه لجهد كبير ووقت كثير، لكنهن يسعدن بالقيام بهذا العمل لاستقبال شهر رمضان بحلة جديدة وبنظافة كاملة. تقول السيدة تماني ''غير أن في أيامنا هذه اختلفت وتغيرت كل هذه العادات فأصبحت النسوة وربات البيوت يلجأن إلي مستودعات غسل السيارات حيث أصبحت توفر خدمة غسل الزرابي والافرشة وتوفر بذلك الجهد والتعب المبذول حيال ذلك، كذلك فيما يخص ''التطراح'' فقد استغنت العديد من النسوة عن هذه العادة التي تميزت بها جداتنا منذ القدم فقد عمرت الكثير من النساء إلى اللجوء للطراحين خاصة الرجال الذين تميزوا في هذا المجال، وبما أنني عايشت الحقبة القديمة وألفت عادات جداتي لم أستطع التخلي عنها لانني ألمس فيها لذة ولمسة تذكرني بحلاوة رمضان وما عاشيته قديما، رغم ما يتوفر في وقت الحالي من رخاء وقلة تعب''. كما تضيف تماني أنها لا تنسى أبدا شراء الاواني الفخارية خاصة القدر الخاص بطهي الشربة ''وأنا في كل سنة، تقول، وقبل قدوم الشهر لا أعتمد على القدر القديم بل أجدده، كما أشتري بعض التوابل التي أستعملها في بعض المأكولات التقليدية كالطواجن العاصمية فقبل ذلك أقوم بتصفيتها وتنقيتها ثم أقوم برحيها بالطريقة التقليدية، حيث أحتفظ برحى أمي -رحمها الله- فهي تستخدم خصيصا لرحي التوابل بطريقة جيدة. فرحتي بقدوم شهر الكرم والتوبة يجعلني أحضر له أجمل الحلل من العادات الحسنة التي عرف بها المجتمع الجزائري تلك التحضيرات التي تقوم بها خاصة النساء، حيث يقمن بشراء بعض الأفرشة الجديدة والسدول الجميلة فيخطنها ويزين بها النوافذ والاسرة والغرف الخاصة بالضيوف، لذلك فقد تقربنا من السيدة ''فوطمة'' حيث كانت في سوق باب الواد تريد شراء ما تسميه ''الشورة''، تقول ''أريد شراء أحسن وأجمل شورة'' لفرشها في غرفة الضيوف، حيث تكثر السهرات بعد الفطور في شهر رمضان وأريد أن أزين الغرف فعند قدوم الضيوف يجب أن يجدوا بيتي جميلا ومزينا، فهذه عادة في عائلتنا كلما قدم شهر رمضان المعظم. كما أشتري بعض الأواني الجديدة حتى أشعر بتجديد وقع في بيتي في هذا الشهر''. استغلال التجار وارتفاع أثمان السلع يجعلني أشتريها قبل دخول شهر رمضان لقد عرف هذا الشهر المعظم بشهر التوبة والرحمة والغفران، ولكن هذا المعاني لا يتشعر بها بعض التجار الذين يستغلون حلول هذا الشهر، حيث تكثر المشربات وخاصة أن بعض الاشخاص في شهر الصيام يبالغون في الشراء حتى وإن كانت الاثمان باهظة، لذلك فالبعض منهم من ذوي الدخل المحدود فكروا في شراء بعض اللوازم قبل قدوم الشهر المعظم وتجميدها كبعض الخضر، وتخليل بعض المملحات وتخزين بعض المكسرات وغيرها، إضافة إلى شراء بعض اللحوم الحمراء والبيضاء وتجميدها في المبرد. انتقلنا إلى سوق ''علي ملاح'' بأول ماي، حيث تحدثنا مع السيد عبد القادر وهو يحمل قفة محملة بأنواع الخضر قال ''لقد اشتريت الكثير من الخضر كالفلفل والطماطم والبصل والثوم وغيرها لأحتفظ بها إلى غاية حلول شهر رمضان لانني على يقين بأن هذه الاسعار ستتضاعف، فقد تعودنا على ذلك منذ سنين طويلة، ونظرا لان دخلي محدود فعلي أن أشتري كل اللوازم حتى لا أشعر بثقل جيبي وحتى أتفرغ للعبادة والصلاة وما يرضي الله وليس التفكير فقط فيما يشبع بطني وبطن أولادي''. ''أصنع الحلويات تحضيرا لشهر رمضان لأن الوقت لا يسمح بذلك أثناء الصيام'' كثير من النساء الجزائريات تحبذن تحضير الحلويات المعسلة على غرار قلب اللوز والزلابية، المقروط والمحنشة وغيرها، وكل هذا يكون قبل حلول الشهر المعظم بأيام قلائل، لذلك انتقلنا إلى بيت السيدة'' دليلة'' بأول ماي حيث رحبت بنا وقالت إنها قد حضرت بعض الحلويات مسبقا ''لأن الوقت للطهي في أيام الصوم ضيق ولا نستطيع صنع الحلوى وإنما نتفرغ لطهي المأكولات وصنع الخبز كالمطلوع، وكل هذا لا يكون إلا في الفترة المسائية، لذلك فأنا صنعت حلوى المقروط والمحنشة والدزيريات والصامصة ووضعتها في علب داخل المبرد حتى تبقى على حالها إلى غاية قدوم شهر رمضان المعظم لأقدمها مع الشاي في سهرات رمضان، كما قمت بتخليل بعض الخضر كالخيار والفلفل الحار والزيتون وهذه المملحات يجبذها طبعا الصائمين وهي مزينة على مائدة رمضان، فأبنائي يحبون أكل الشربة والبوراك وهذه المملحات، لذلك فأنا في كل سنة أشتريها مقدما وأضعها في أوانٍ خاصة بها وأضيف لها الخل والليمون والملح''. الدقيق أهم مادة أشتريها قبل حلول الشهر المعظم هناك الكثير من العائلات الجزائرية من تحبد صنع أنواع الخبز لوحدها ولا تعتمد على شرائها من الخبازين كالمطلوع، فهم يعتبرونه مادة أساسية توضع على الاطباق فوق مائة الفطور، لذلك فإن البعض يشترون أكياسا كبيرة من الدقيق ''سميد'' ويتبعها خميرة الخبز حتى تقوم ربة البيت بصنع الخبز بهاتين المادتين. وفي هذا الصدد تقول السيدة''زينب'' ''لقد اشتريت 50 كلغ من السميد ذي النوعية الرفيعة مع خميرة الخبز لأقوم بطهي المطلوع في شهر رمضان، ذلك لان زوجي وأولادي لا يحبذون أكل الخبز المصنوع عند الخباز فيوميا أقوم بعجن المطلوع وهذا لا يكون إلا في هذا الشهر المعظم، أما سائر أيام السنة فلا يهمهم الامر، لذلك فأنا في شهر رمضان أكون منشغلة كل الانشغال داخل المطبخ بين طهي وقلي وعجن''. شهر رمضان يجلب معه خيرات كثيرة إن شهر رمضان هو شهر الرحمة والغفران والبركة، حيث إن الله تعالى يبارك هذا الشهر فيحضر رمضان خيرات كثيرة من مأكولات ومشروبات وحلويات وغيرها، حيث تكون المائدة مزينة بشتى الخيرات، ويزيد على ذلك الصفاء الروحي والرابطة الوجدانية التي تربط العبد بربه فيصبح متفرغا للعبادات والصدقات وصفاء الذهن، فرمضان ليس للاكل والشرب والسهر بل هو تذكير الغني بأخيه الفقير وفرصة للمسلم ليغفر الله ذنوبه وفرصة لتلاقي الأسر وربط صلة الرحم.