تعرف هذه الأيام العديد من بيوت العائلات البليدية حركية و نشاط حثيثين تحسبا لشهر رمضان المعظم الذي هو على الأبواب و ذلك من خلال مباشرتها للعديد من التحضيرات. و تتجسد أساسا هذه التحضيرات في طلاء العديد من العائلات لبناياتها و تنظيف الغرف إلى جانب شرائها لأواني جديدة و تحضيرها لبعض المأكولات الخاصة و الملازمة لهذا الشهر الفضيل على غرار معجون الطماطم و الفلفل الحار المخلل و مختلف التوابل التي يتم شرائها و تنقيتها و طحنها حتى يتسنى لربات البيوت استخدامها في شهر رمضان بكل سهولة في مسعى منهن لربح الوقت. و لا تزال العديد من العائلات البليدية الأصيلة تحافظ على هذه التقاليد التي توارثتها أم عن جدة فتجدها تقوم بطلاء و تنظيف منازلها و تغيير ستارات نوافذ و أبواب غرفها و أفرشتها في نية منها الترحاب بهذا الشهر الفضيل و استقباله في أجواء من البهجة و الفرحة تلخصها جملة "الله يدخله علينا بالصحة و الهناء" التي يرددها الكثير من الناس. كما تعكف هذه الأيام ربات البيوت خاصة منهن النساء الكبيرات في السن اللائي لا زلن يحافظن على هذه العادات بتحضير و إعداد معجون الطماطم المستخلص من حبات هذه الأخيرة التي يتم تقطيعها و طهيها على بخار الماء فعصرها ثم تعبئتها في قنينات محكمة الغلق و وضعها بالثلاجة إلى جانب الفلفل (الدرسة) الذي يحضر هو الآخر ليوجد سهل الاستعمال بمختلف المأكولات و الأطباق التي تحضر خصيصا في شهر رمضان الكريم و كذا الفلفل الحار و غيرها من المواد الواسعة الاستهلاك و الطلب. من جهتها تشهد أسواق التوابل بالولاية عشية هذا الشهر انتعاشا وإقبالا ملحوظا على هذه المواد الاستهلاكية كقرفة العود و الفلفل الأسود و الأحمر و الكمون و الكروية لتي يتم اقتنائها من طرف ربات البيوت في شكل حبات ليتم و بعد تنقيتها و غسلها و شرحها لأشعة الشمس درسها أو طحنها و "ذلك للمحافظة على عبقها و رائحتها الزكية" وفق ما أكدته لنا إحدى السيدات التي وجدناه منهمكة في اقتناء بعض المواد الغذائية تحسبا لهذا الشهر. و استرسلت محدثتنا أنها اقتنت إلى جانب ذلك فاكهتي البرقوق و العنب المجفف لاستعمالهما في طبق "اللحم الحلو" الذي تفتتح به معظم العائلات البليدية شهر رمضان تيمنا منها بأن يدخل هذا الشهر الفضيل عليها بالحلاوة و الخير و البركة. كما أن المتجول هذه الأيام في شوارع و أزقة مدن البليدة يلاحظ جليا هذه الحركية و ذلك من خلال انتعاش سوق الأواني الذي وجد فيها الكثير من التجار فرصة سانحة للربح بعد أن لجأ العديد منهم إلى تغيير نشاط تجارتهم و جعلها تتماشى و طلبات السوق الحالية. يبقى القول في الأخير أن لشهر رمضان بمدينة البليدة طعم و نكهة خاصة تطبعه العادات و التقاليد الممارسة عند صيام الطفل لأول مرة مثلا و تبادل السهرات الرمضانية بين العائلات و ليلة النصف التي تلتم فيها العائلة الكبيرة بمنزل الوالدين و ليلة السابع و العشرين و غيرها من الليالي التي تحاول العائلات تعظيمها و إحيائها بالشكل الذي يليق بهذه المناسبة الدينية العظيمة كيف لا و بها "ليلة تعد خير من ألف شهر".