هذه رسالة في كيف نستقبل رمضان وكيف نستثمر أوقاته في طاعة الله والقيام له عز وجل، نسأل الله أن يتقبل منا صالح الأعمال، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.أخي الحبيب.. أيام تمر وساعات تُقضى وفي النهاية يأتي الأجل المحتوم! فما لنا لا نقف مع أنفسنا وخاصة قبل دخول موسم الطاعة وفرصة العمر، أيام قلائل ويأتي شهر رمضان! وما أدراك ما رمضان؟ شهر أوله رحمة وإحسان، وأوسطه عفو من الله وغفران، وآخره فكاك وعتق من الجحيم والنيران... شهر رمضان: يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم- :' 'رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه'' وفي رواية ''خاب وخسر كل من أدرك رمضان ولم يُغفر له ذنبه ''. فما هو استعدادنا لرمضان؟ لقد استعد أهل الفن بالفوازير والأفلام، واستعد أهل الترف بألوان الطعام، فما هو استعداد من يريد سُكنى الجنان مع خير الأنام؟! يا باغي الخير أقبل. الوصية الأولى (التوبة) أول ما ينبغي علينا فعله: توبة نصوح وندم شديد على ما مضى من الذنوب والأوزار. فيا أخي المسلم، ويا أختي المسلمة. * هل أحسست يوماً أن الأرض قد ضاقت عليك بما رحُبت وضاقت عليك نفسك .. وانتابك الهم والحزن والعجز والكسل، فلم تدر أين المفر؟ * هل ساءت علاقتك بمن حولك من أقاربك وأصحابك وأهلك وجيرانك؟ * هل تشعر بعدم البركة في حياتك أو في مالك أو في وقتك أو في تدبير معيشتك؟ * هل لاحظت ما يصيبنا هذه الأيام أفراداً وجماعات- من مصائب وكوارث، وأمراض وطواعين، وزلازل وفيضانات، وكربات وابتلاءات؟ مهلاً يا صاحب الذنب الثقيل هذه بعض آثار الذنوب والمعاصي. فالمعاصي ماتزال بصاحبها حتى تضيق صدره ويقسو قلبه، ويعظم همه، ويزداد حزنه وتتضاعف حيرته، ويتمنى أن يموت فراراً من عذاب الدنيا وضنكها، فكيف بعذاب الآخرة؟! انتبه يا صاحب الذنب الثقيل فالمعاصي تزيل النعم وتجلب النقم وتسود الوجه وتظلم القلب وتوهن البدن وتنقص الرزق! يا صاحب الذنب الثقيل.. أبشر فقد تاب قاتل النفس! وتاب شارب الخمر! وتاب فاعل كذا وكذا. أتيأس من رحمة ربك؟ فإن ربك واسع المغفرة. ''قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الزمر'': 35 فما بينك وبين أن تتوب إلا أن تترك الذنوب.. فعلام تدخل النار؟ يا صاحب الذنب الثقيل .. أبشر وأقبل ... ها هو رمضان يلوح ويقترب، وأعناق المذنبين تشرئب، وها هي التوبة معروضة ومواسم الطاعات مشهودة، فلئن كنت قد أتعبتك المعاصي وأثقلتك الذنوب فاعلم أن لك رباً يريدك أن تتوب { وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً }[النساء:110]. وفي الحديث: « يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي ». أما الوصية الثانية (تعلم أحكام رمضان) عند بداية الشهر تعلّم ما لابد منه من فقه الصيام، وأحكامه وآدابه، والعبادات المرتبطة برمضان من اعتكاف وعمرة وزكاة فطر وغيرها لقوله -صلى الله عليه وسلم- :« طلب العلم فريضة على كل مسلم ». الوصية الثالثة (العزم والهمة العالية) عقد النية والعزم الصادق والهمة العالية على صلاح القول والعمل والاجتهاد في الطاعة والذكر وتعمير رمضان بالأعمال الصالحة، وإعطاء الصيام والقيام حقه، قال تعالى { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ }[محمد:21] الوصية الرابعة (أيام معدودات) استحضار أن رمضان كما وصفه الله عز وجل أيام معدودات، سرعان ما يولّي، فهو موسم فاضل ولكنه سريع الرحيل، واستحضار أن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة تذهب أيضاً، يبقى الأجر وانشراح الصدر، فإن فرّط الإنسان ذهبت ساعات لهوه وغفلته، وبقيت تباعها وأوزارها! وعن قريب وبعد غد نلتقي في العيد -إن شاء الله- وقد مرّ رمضان كالبرق، فاز من فاز وخسر من خسر!... الوصية الخامسة (استلهام المواعظ والعبر من ذلك الشهر المبارك) فتتذكر بصيامه الظمأ يوم القيامة، وما أشبه الدنيا بنهار رمضان والآخرة بساعة الإفطار، وما أجمل الفرحة عند الإفطار، وما أحلاها عند أخذ الكتاب باليمين وصدق -صلى الله عليه والسلم- القائل :« للصائم فرحتان، فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه ». الوصية السادسة (للقائمين الذين يرجون رحمة رب العالمين) احرص على الاجتهاد في القيام وإياك أن تمل من طول القيام، ساعات قصيرة وينتهي رمضان، فاز فيه من فاز وخسر فيه من خسر، وكم من إمام بحثت عنه لقصر صلاته باعد بينك وبين الجنة وأنت لا تدري، فلا تبخل على نفسك الخير، فهذا من علامات الحرمان، قال -صلى الله عليه وسلم- :''من قام رمضان إيمناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ». وقال أبو ذر -رضي الله عنه- :''قمنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح (أي الفجر)''. الوصية السابعة (قراءة القرآن في شهر القرآن) وأما القرآن فلا تتركه من يدك إن استطعت فالصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة فقد كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليالٍ وبعضهم في كل سبع وبعضهم في كل عشر، وكان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومُجالسة أهل العلم ويُقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكذا سفيان الثوري وكان الأسود يقرأه كله في ليلتين وكان للشافعي ستون ختمة في رمضان... الوصية الثامنة (الاعتكاف وليلة القدر) احرص على الاعتكاف والاجتهاد في العشر الأواخر تحرياً لليلة القدر. قال الإمام الزهري :''عجباً للمسلمين تركوا الاعتكاف مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله -عز وجل-''. الوصية التاسعة (الأذكار) الاجتهاد في حفظ الأذكار والأدعية المطلقة منها والمقيدة وخاصة المتعلقة برمضان، استدعاء للخشوع وحضور القلب، واغتناماً لأوقات إجابة الدعاء في رمضان، والاستعانة على ذلك بدعاء :''اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتكز. الوصية العاشرة (احذر الذنوب) احذر نفسي وإياك من صغائر الذنوب في رمضان، لأن العصيان في هذا ليس كسائر الشهور وذلك لحرمته ومكانته بين الشهور! وكيف تتقرب إلى الله بترك المباح ثم تنظر إلى الحرام، وتتكلم بالحرام، وتستمع إلى الحرام؟!