يرتبط رمضان ارتباطا وثيقا مع أصالة هذا البلد وعمقه الحضاري ، وكانت لهذه المظاهر التراثيّة بصماتها الواضحة على هذا الشهر الفضيل ، وتبدأ هذه العادات منذ اللحظة التي يتحرّى الناس فيها رؤية الهلال قبيل رمضان ، وفي الغالب تُعتمد رؤية أهل الساحل أكثر من غيرهم من أهل الجبال . وهناك عادة اجتماعية كانت موجودة إلى عهد قريب ، وهي أنه إذا أُعلن عن غد أنه رمضان ، يقوم الأطفال بأخذ أكوام من الرماد ويجعلونه على أسطح المنازل على هيئة أوعية دائرية ، ثم يصبون فيها الجاز ويشعلونها ، وقد اندثرت هذه العادة في المدن ولازال البعض يمارسها في القرى. وعند التأكد التام من دخول شهر رمضان يهنّيء الناس بعضهم البعض على قدوم هذا الشهر ، وفي الغالب يتبادل الناس هذه التحايا في أول نهار من رمضان . في الصباح الرمضاني لا تكاد تجد أحدا مستيقظاً ، تكون الشوارع خالية والمحلات مقفلة ، سوى محلات قليلة جدا يلجأ الناس إليها عند الحاجة الملحّة ، ويتأخّر الدوام الحكومي إلى الساعة التاسعة أو العاشرة صباحا . وأما عند الظهر فيلاحظ على المساجد امتلاؤها ، حيث يقبل الجميع إلى الصلاة ، وبعد الصلاة يظل أغلب الناس في المساجد يقرؤون القرآن ويذكرون الله تعالى ، ويصطحب الناس معهم أولادهم كي يشاركوهم في هذا الأجر . ولطول هذه الجلسة يلجأ بعضهم إلى اصطحاب ما يُسمّى '' الحبوة '' وهي حزام عريض يقوم الشخص بوضعه على محيط جسده بحيث يضمّ إليه قدميه ، ومثل هذا يساعده على الجلوس في وضعية الاحتباء لساعات طويلة دون أن يشعر بالتعب ، وتُستخدم '' الحبوة '' بكثرة في جنوب اليمن . أما بالنسبة لأهل الشمال فيأتون بالمخدّات التي يضعونها خلف ظهورهم أو المتّكأ وينطقونها هناك '' المتْكى '' ، ويظل الجميع في هذا الجوّ الإيماني حتى يصلّي الناس صلاة العصر . بعد صلاة العصر تكون هناك كلمة إيمانية قصيرة يلقيها إمام الحيّ أو أحد الدعاة المتواجدين ، ثم يكمل البعض جلوسه في المسجد ، بينما يخرج الآخرون لقضاء حوائجهم وتجهيز لوازم الإفطار . وعندما يقترب أذان المغرب، يستعدّ الناس للإفطار بحيث يأتي كل واحد منهم بشيء من إفطاره إلى المسجد ليجتمعوا هناك ويفطروا معاً ، مما يزيد في تعميق أواصر التقارب بينهم ، كما أنه مواساةٌ للفقراء الذين لا يجدون ما يفطرون عليه. يقوم الناس بفرش مائدة طويلة تّتسع للمتواجدين في المسجد ويضعون فيها الأطعمة والمشروبات المختلفة ، بحيث يجتمع المصلّون على هيئة صفوفٍ ويكون الأكل جماعيّا ، وأهم ما يميّز هذه المائدة أكلةٌ تُسمّى ب'' الشفوت '' وهي من أكلات أهل الوسط والجنوب ، كذلك هناك التمر والماء و'' الحلبة '' المخلوطة بالخل ، والمرق والشوربة والسمبوسة ، ولا بد من وجود '' السحاوق '' وهو مسحوق الطماطم مع الفلفل ، ومن خلال ما سبق نلاحظ أن عناصر هذه المائدة خفيفة على المعدة ، ولذلك فإن الوقت بين الأذان والإقامة يكون قصيرا بحيث لا يتجاوز السبع دقائق . وبعد الصلاة يرجع الناس إلى أهاليهم كي يتناولوا الإفطار الحقيقي ، وبالطبع فإن عناصر المائدة تكون أكثر دسامةً وتنوّعاً ، حيث يقدّم فيها : '' اللحوح '' واللبن ، و '' الشفوت '' وشوربة '' العتر ''، ويُضاف إلى ما سبق مرق اللحم أو الدجاج، وقد يأكلون '' العصيدة '' وإن كان هذا نادراً بسبب ثقل هذه الوجبة على المعدة . ومن المشروبات المشهورة في شمال البلاد مشروب '' القديد '' ، وهو المشمش الذي يجفّف بالشمس حتى يصبح يابساً ، ثم يوضح بين الماء نصف يومٍ مع السكّر ، وينبغي شربه في نفس اليوم الذي يجهز فيه ؛ لأنه إذا تُرك فترةً طويلة يتخمّر ويصبح فاسداً. وللحلويّات في المائدة نصيب ، فبالإضافة إلى المهلّبية والتي يسمّونها هناك المحلّبية ? والجيلي ، توجد هناك أكلة شعبية لذيذة اسمها '' الروّاني ''، وهي نوع من أنواع الكيك بالبيض والدقيق ، ويُضاف إليها ماء السكّر . أما أهالي الجنوب فيوجد في بعض مناطقها كحضرموت وغيرها من يأكلون الأرز على الإفطار بالرغم من كونها وجبةً ثقيلة ، وحينها يأكلون الأرز مع اللحم '' المضبي '' أو '' المندي '' أو '' المضغوط '' أو '' الحنيذ '' ، كذلك يأكلونه مع '' المقدّد '' أو '' اللخم '' وهي أسماك مجفّفة ويكون طعمها مالحاً ، وفي أنحاء عدن و شبوة ويريم يأكلون اللحم أو الدجاج مع الصالونة . وبعد الانتهاء من الإفطار ، يرى البعض أن يقوم بشرب الشاي أو القهوة ريثما يحين وقت الصلاة ، وقد يأكلون '' القلاّء '' ، وهي عبارة عن فول صغير محمّص ، فهو إذاً بمثابة المكسّرات ثم يقوم الجميع بالتجهّز للصلاة ، ويلاحظ أن وقت الإقامة يُؤخّر نصف ساعة مراعاة لأحوال الناس ، ويصلّي الناس أحد عشر ركعة وبعضهم يصلّي إحدى وعشرين ركعة ، وبعد كل أربعة ركعات يأتي أحد المصلّين ويقوم بتطييب بقية المصلين ، وقد يضعون الماء المبخّر في المسجد . فإذا انتهت الصلاة في المسجد ، ينفضّ الناس إلى أعمالهم أو بيوتهم ، ويقوم الأغلب في الذهاب إلى ما يُسمّى بمجالس القات ، وهي تكتّلات شعبية يجتمع فيها أهل اليمن بأطيافه المختلفة لأكل القات ، وعادة ما يصاحب هذه الجسات النارجيلة ويسمونها '' المدع '' والدخان وغيرها من المظاهر السيئة ، وفي أثناء هذه الجلسات تدور نقاشات ساخنة حول قضايا مختلفة ، وقد يصاحب هذه الجلسات مشاهدة التلفاز أو اللعب ب '' الكيرم '' أو '' البطّة''.