بعد عناء شديد عثر سي محمد.ع صاحب ال52 سنة على جريدة ''الحوار'' -حسب قوله- ليروي قصة لم تعهدها ولاية الجلفة من قبل، لكنها حدثت في مجتمع محافظ لا زال يتغنى بالعروشية والأصالة البدوية، وما أن رآنا حتى شرع دون تردد في سرد قصة حياته الزوجية بعدما نجا من عواقب الطبيعة وزمهرير الشتاء والسيول الجارفة المصحوبة بالبرد القارس الذي تعرفه الجلفة على غرار المناطق الباردة جدا بين مرتفعات الهضاب العليا. قال تحت زفرات التنهد الطويل المحشرج بالسعال ونبضات قلبه الخافق على أبنائه، تضايقه وبكلمات متقطعة يحاصرها الألم الموجع ''أرجوكم أن تسمعوني فلم أجد سوى منبر جريدتكم ''الحوار'' التي تهتم بالشؤون الاجتماعية أكثر حسبما سمعت عنها''. بدأ يروي تسلسل أحداث قصته قائلا: ''إني ضحيت بكل شيء من أجل عائلتي لكنني في الأخير فقدت زوجتي وأبنائي -كان يهمس ساخطا- لم يعد لحياتي معنى إذا لم أعد إلى البيت.. لم أكن أتوقع مجيء هذا اليوم الذي ترميني فيه أم أولادي باسم الحضانة ويناصرها القانون إلى الشارع.. أريد أن أضم أبنائي إلى صدري فلهيب الأبوة يؤرقني وطال الزمان.. حكاية حب وتساهل لكن... يتنهد ويسترجع أنفاسه مسترسلا: كانت حكايتي شبه مغامرة فقبل أن أذهب إلى ليبيا، خطبت فتاة وكانت وقتها تدرس في السنة الثالثة ثانوي، سألني أبوها عما إذا كنت سأتركها تكمل دراستها أم لا؟ فسررت بذلك وتركتها تواصل دراستها، لكن قدرها لم يسعفها في شهادة البكالوريا، وبعد عودتي من ليبيا، أقمنا حفل الزفاف وبدأنا حياة جديدة كان ذلك سنة ,1980 ولم أقتنع بها كزوجة فقط فقد حققت لها حلم التكوين بمعهد المعلمين لنتعاون ماديا في بناء أسرة جديدة.. وكنت وقتذاك أعمل في مصنع للمشروبات الغازية. مرت الأيام الهنيئة السعيدة في وسط عائلي مع الأهل إلى أن بدأت المشاكل الأولى تزور بيتنا فقد وقع شجار داخلي بينها وبين عائلتي، لم يتحمل أبي فقام بطردنا من بيته لنجد أنفسنا عند أهلها.. لم تمض أيام حتى أجرت سكنا لمدة سنتين إلى أن منحني رئيس البلدية سنة 1983 سكنا يشبه المخيم عبارة عن (براكة جدرانها من حطب) كان سكنا مؤقتا إلى غاية استفادتي من سكن لائق.. واختفى رئيس البلدية ليحل محله آخر لم يسمح لي حتى بترميمها. واستفدت منها فيما بعد لأحولها باسم الزوجة لأنها أم العيال وهي موظفة باسم قانون التنازل عن أملاك الموظفين وقتذاك ثم بعت سيارتي لأقوم بدفع مبلغ اشترط مع الملف، وبعد أن أصبح السكن باسمها تغيرت اتجاه الحياة ومعها تغيرت هذه الزوجة. أصبحت تسخر مني فتقول لأولادي: أنظروا أبوكم متسخ.. كنت أعمل ميكانيكيا.. وكنت أغسل ملابسي بنفسي.. أصبحت تسخر من صلاتي.. من كلامي.. من حركاتي.. كانت تحرمني أحيانا حتى من الأكل بحجة أنه لا يوجد شيء في البيت.. كنت أنام جائعا وأحيانا أذهب إلى المطعم.. كانت تغلق الباب في وجه إخوتي وترفض زيارتهم، كانت ترفض كل أقاربي.. الزوجة تفرض دكتاتوريتها تطور الأمر إلى غاية قيامها بطردي أنا شخصيا رب العائلة، خصصت غرفة أنام وأطبخ بداخلها، بعد مدة قصيرة قامت بتهديدي بالقتل إن لم أخرج من البيت.. سكنت المستودع مدة 9 أشهر.. في شهر رمضان أردت أن أتناول وجبة الإفطار مع أولادي وبمجرد أن رأتني داخل البيت قامت برمي القدر المملوء بالشربة على ملابسي.. عشت أياما قاسية في المستودع.. قامت بالتعاون مع ابني البالغ 27 سنة بهدم جدار المستودع.. جمعت أغراضي وغادرت البيت والمستودع رافضا أي مواجهة خوفا من أن تكبر المشكلة.. ذهبت لأشتكي عند القضاة لكنهم قالوا ما دام السكن باسم الزوجة ليس بإمكاني فعل شيء.. توسلت إليها بكل الطرق، لكنها لم ترحمني بل اتهمتني بارتكاب أفعال لا أخلاقية.. قامت هذا العام بإيقاف ابنتي عن الدراسة لتقوم بأعمال البيت.. ولم تتوقف عند هذا الحد فقد طردت ابني البالغ من العمر 24 سنة لأنه كان يتعاطف معي.. مكث ابني مدة 3 أشهر عند صديق له. وهكذا حولت الأسرة إلى عصابة متحالفة ضدي.. لم أطلب منها شيئا سوى العودة إلى عملي لأعيش في المستودع وأصرف على أولادي.. لماذا يصل بي الأمر إلى أن أنام في الشارع؟ وهل تقبل الدولة بأن ينام أمثالي في الشوارع؟ أليس لنا حق في أن نعيش كغيرنا؟ الحلم الغريب قريب سي محمد كان في حالة يرثى لها، يحمل رسائل تهديد من زوجته منذ كان ينام في المستودع وأخرى من ابنته تطلب نقودا أو أكلا: ''بابا إشريلي دجاجة محمرة''. هكذا هو الآن يعيش بين شوارع الجلفة أب متزوج وأبناؤه على عتبة تكوين أسر فتية حلمه أن تكتحل عيناه برؤيتهم ويسترجع ذكرياته أولها نعيم وآخرها لا زال يكتوي بنارها.. فهل سيقضي سي محمد شيخوخته مغتربا أمام منزل أبنائه والعبرات تحاصر أجفانه أم سيجتمع الشمل مجددا بعدما فرق الشيطان؟