لفظت الألعاب الأولمبية أنفاسها الأخيرة يوم الأحد الفارط لتكرّس معها انطباعا تقليديا قاتما عن العرب، فحواه أنهم مغلوبون حضاريا ومنبطحون سياسيا ومتخلّفون اقتصاديا ومقهورون اجتماعيا ومذلٌون رياضيا، والأكثر من ذلك أن الخلاص من هذا الداء العضال بات أمرا مستعصيا ولم يبق سوى تجريب آخر العقاقير ممثلا في الكي. تصوّروا أن بلدا يتطلب الإستعانة بنظّارات مكبّرة لضبطه على الخريطة من شاكلة جامايكا. هذه البقعة المجهرية المتواجدة بالكارايبي والتي يقارب عدد سكانها حجم الشباب البطال الذي يرتاد مقاهي مفترق الطرق بالكاليتوس!، ناهيك عن فقره من ناحية الموارد الطبيعية، بقعة اقترن اسمها بأمير ''المنبوذين'' موسيقار الريغي ''بوب مارلي'' وفاكهة الموز وقليل من معدن ''البوكسيت'' لا أكثر ولا أقل، يشارك في محفل بكين الأولمبي ويحصد غلّة 6 ميداليات ذهبية و3 فضيات وبرونزيتين، ويحضر العرب الموعد ذاته معزّزين بجيش عرمرم من الرياضيين ويكتفون بذهبيتين يتيمتين و3 فضيات ومثلها من البرونز، رغم أن هذه الأمة أتخمت بالنعم والخيرات، والأدهى والأمر من هذا أن ما اكتنزه العرب من ميداليات طوال مشاركاتهم في الأولمبياد بدءا من دورة أمستردام 1928 لا يعادل ما جمعه الروس في دورة واحدة، حيث التقط ''الأعراب'' لحد الآن 22 ذهبية و21 فضية و40 برونزية، في حين استحوذ ''الدب القطبي'' في محفل الصين فقط على 23 ذهبية و21 فضية و28 برونزية! فأين الخلل؟ وما تفسير هذه البيانات؟ في الدول التي تسمي نفسها ظلما ''السائرة في طريق النمو'' مثل البلدان العربية، غالبا ما يتجسد مبدأ ''الرجل الخطأ في المكان الخطأ''، فلا تتعجب لما ترى أن ''ثورا'' يترأس اتحادية التنس، أو أن''مقاولا'' يشرف على لجنة انتقاء الرياضيين المخوّل لهم المشاركة في المحافل الكبرى (المشاركة لم تعد تقتصر على التصفيات فحسب خاصة في الرياضات الفردية)، أو ''عارضة أزياء'' وظفت لأغراض ليست خافية في منصب المنسّق الإعلامي الرياضي، رغم أن ''الدمية باربي'' هذه لا تفرّق بين كرة لعبة الريغبي وبين ثمرة البطيخ الشامي! ويمكن للمرء أن يستغني عن هذا بقراءة القصيدة التحفة للشاعر العظيم أحمد مطر ''أوطاني علب كبريت'' هذا إن مازال هناك من يقرأ الشعر. وفي البلدان المتهالكة مثل العرب، دائما ما تشكل المحطات الرياضية الكبرى بالنسبة للإنتهازيين ومرضى النفوس الذين اندسّوا في مختلف هيئات هذا القطاع موعدا لإشباع نزواتهم الحيوانية، فدورة للأولمبياد مرادفة عندهم للطعام الوفير والدفئ الممتع والجواري الحسان وغنائم أخرى.. فهل عرفتم الآن لماذا يتساوى أو يقل عدد الرياضيين عن عدد ما يرافقهم ممن يسمون ب''إطارات الوفد''؟ وما تزال الرياضة في وطننا الفسيح بعيدة عن مقاصدها سواء البدنية منها أو الذهنية، فالرياضي يقبل على مزاولة اللعبة الفلانية ليس لإشباع ميل فطري، أو تحقيق لهواية معينة، بل ينخرط فيها اتقاء لواقع اجتماعي مرير ومستقبل أسود مرهون، ولاحظوا تصريحات الرياضيين العرب المتوجين عقب إنجازاتهم فهي لا تخرج عن نطاق إهداء المأثرة للأمير الفلاني والوزير العلاني والوالي ''س'' وعمدة البلدية ''عين''... ومن نوادر ''الأعراب'' في طبعتها الجديدة والمنقحة، أن رئيس بلد عربي قام هذه الأيام بتشكيل لجنة تقصِّ في النتائج السلبية التي تورّط فيها رياضيوه، مع أن لفظ ''لجنة'' في العالم الثالث مرادف لقبر ما يتوجب التحقيق بشأنه، ولكن يظهر بأن الرجل - وهذا احتمال شبه مؤكد - سيقوم باستدعاء ''العميل رقم ''13 الممثل محمد صبحي، لكن هذا الأخير سيفشل، وهنا يلجأ لما يعرف ب ''المخطط باء'' من خلال توجيه النداء ل ''النّمس بوند'' الممثل هاني رمزي، لكن الضابط ''شريف النّمس'' هذا سيؤول لنفس مآل زميله الأول، بسبب خروجه عن النص وبدل التحرّي الجاد ينحرف ليقع في شباك ''النعجة دولّي'' الممثلة دولّي شاهين، وهنا سيرغم صاحبنا على لعب آخر أوراقه من خلال توظيف ''الجوكير'' الممتاز ''شاهد مشافش حاجة'' الممثل عادل إمام، ولأن هذا الأخير إسم على مسمى، فلا يعلّق كبير الآمال لمعرفة سبب نكبة رياضيي هذا البلد في موعد الصين، وعليه لا بديل من تناسي المهزلة وإنشاد الأغنية الشهيرة ''صباح الخير لندن'' انتظارا لأولمبياد العاصمة البريطانية المرتقب تنظيمه عام ,2012 وانتهى ''الفرطاس من حك الراس''، وكل أولمبياد والعرب يأكلون من الخبز الأسود.