كانت رغبتي أن أخصص لهذا العنوان عدة حلقات لما له من أهمية قصوى و بخاصة في عصرنا هذا، غير أن شهر رمضان الفضيل جعلني اختصرها في اثنين، اخصص الحلقة الأولى الى أجواء انعقاد الجامعة الصيفية الأفلانية و ما خلفه تنظيمها من صدى هنا و هنا، أما الموضوع الثاني فستكون فقراته عبارة عن معالجه أكاديمية لموضوع اللغة و الإنتاج الفكري و البناء الحضاري كمساهمة متواضعة في إثراء النقاش لمن لهم رأيا مخالفا و حجة في الاعتراض . ------------------------------------------------------------------------ أولا:صدى الجامعة الصيفية ------------------------------------------------------------------------ لا يختلف اثنان من أن ظاهرة الجامعات الصيفية بتنظيمها و أغراضها تعتبر ابتكارا غربيا سياسيا خالصا دأبت الأحزاب عليه هناك بيمينها و يسارها على عقدها قبل الدخول الاجتماعي في خريف كل سنة، وعادة صداها يتجاوز حدود الدولة المنظمة لأشغال التظاهرة نفسها إذا ما اقترنت بمواعيد انتخابية هامة، وقد تقتضي المناسبة أحيانا استضافة ممثلي بعض الأحزاب السياسية الأجنبية الصديقة أو القريبة في برامجها منها، في التصور و الإيديولوجية و المعالجة....الخ. وجد حزب جبهة التحرير الوطني نفسه منذ تأسيس التعددية السياسية و الحزبية مضطرا للسير في نفس الموكب أو الابتكار لما عسى أن يتحقق من منفعة على الحزب و المجتمع ككل، أما في عهد النظام الأحادي فقد عرف من قيادته المركزية إلى هياكله و منظماته الجماهيرية منهجا و تصورا مختلفا. إذ كان التصور و المعالجة تكاد تتم يوميا لمواضيع و اهتمامات المجتمع بل التداول فيها كان يمثل شغله الشاغل عبر الندوات و اللقاءات التي لا يكاد يمر يوم دون حدوثها، فكان التكوين السياسي الرفيع مضمونا لأغلب كوادر الحزب وعلى مختلف الأصعدة والبقية معروفة... جلب انتباهي بعد انتهاء أشغال الجامعة الصيفية- التي انعقدت في ولاية غير حارة وخلال أيام عادية غير حارة أيضا، لا حرارة طبيعية و لا حرارة مصطنعة عكس ما تكهن به محترفو سياسة الصالونات و المكاتب فخاب أملهم و نسى ذكرهم- مضمون ما تناولته بعض التعاليق و العناوين و الأعمدة التي ورد ذكرها في بعض الصحف التي تكتب باللغة الوطنية والتي تكتب باللغة الأجنبية) لغة ألعكري( كما تقول العامة، و العجيب العجاب أن مضامين هذا و ذاك لم تختلف في مسعاها ،و لو اختلفت في شكل مبناها،وللتوضيح اقترح على القارئ الكريم ملاحظة ذلك من خلال العنوا نيين الفرعيين التاليين : ------------------------------------------------------------------------ مستفيدو الثورة الزراعية و الوكلاء بالعمولة ------------------------------------------------------------------------ إن المنطق السليم للفكر و التفكير لا يتأثر بالشكل أو اللغة كوعاء للتعبير المجرد النزيه متى طفت الموضوعية و تخلصت المخلوقات من الأنانية و النرجسية و خيانة الضمير من المنظور الأخلاقي..... لا أتعجب عندما تتطابق الرؤى و الأهداف تحت عنوان ) النزول إلى جهنم (أو تحت العنوان الآخر) الحرب المعلنة على الفرنكوفونيين و العملاء( أو كما جاء في زعم و بهتان صاحب التعليق،وتعاليق أخرى اقل خبثا و فتنته من الأحسن تجاهلها لتفاهة تحاليلها وأسانيدها..... إن السيد الأمين العام للحزب لم يتفوه مطلقا بوصف الفرنكوفونيين كأعداء للحزب و الشعب الجزائري بسب لغة قلمهم كما ،لم ينعتهم بالعمالة مطلقا ذلك ما كانوا يتمنون ربما....إذا لماذا مثل هذا التفكير و هذا الشعور الغريب ؟ هل هو الشعور بعقدة الذنب؟ وبرواسب في النفس أصحابها مازالوا يعيشون في تعاسة و في صراع مع الذات و الواقع في أغلب الظن؟ ما تفضل به السيد الأمين العام للحزب بالنسبة لموضوع لغة التدريس في الجامعة جاء كحتمية للمناقشة الثرية التي تدور حول ما تقدمه الجامعة للمجتمع وهو استنتاج صائب علمي لا يختلف فيه اثنان، فالمراجع الأكاديمية في مختلف اللغات و في مقدمتها اللغة الفرنسية تؤكد بوضوح أن اللغات الأجنبية مهما كانت درجة غزارتها لا تكون أداة للابتكار و النهضة للشعوب التي لها لغاتها المخالفة....فاللغة الأجنبية تصلح لنقل و كسب المعرفة و العلوم بصفة عامة، وهذا الموضوع سيكون محل معالجة لاحقة إنشاء الله. كان من باب أولى على كاتب التعليق الذي نقله على الغير أو سمعه بنفسه ، و هذا ما اشك فيه كان له أن يتحرى و يتأكد أولا في ما قاله مسؤول قيادي في هرم السلطة فهو يعي لما يقول ويزن كلاماته حق وزنها،فهو رمز من رموز هذه الدولة. و من باب الديمقراطية و حرية الرأي الذي يبني و لا يهدم، ينفع و لا يضر من أن يتأكد من حقائق العلم و العلماء و يأتينا بما يعاكس أو يناقض ما هو مطروح، و حينها يكون هذا المعلق قد قام بمهمته كصحفي محترف له الفضل و التقدير في ما قدمه من خدمة للحقيقة و للمجتمع الذي يفترض انه فى خدمته بالكلمة الصادقة و الرأي المنير ...أما أن نستعمل مفردات جاهزة تجاوزها الزمن للفتنة و البلبلة و إثارة النعارات و دقدقة بعض العواطف المعطوفة و تدمي بعض الجروح التي لم تلتئم بعد... فالمستفيد بالتأكيد من هذا و ذاك ليس الشعب الجزائري و لا الوطنيين الذين ينظرون إلى اللغة الأجنبية كأداة ليس أكثر، وهم لظروف يمارسون بها وظائفهم في بعض الإدارات و المؤسسات و الجامعات وقد تكون هذه الأداة غدا هي لغة الصين أو الانجليزية أو الألمانية...أما الذين لا ينظرون إلا بعين) ألعكري( فقد وضعوا أنفسهم في مركز الوكيل بعمولة. أتعجب أكثر عندما يأتي بعض التعليق و لو اختلف شكل مبناه عن سابقه إلا انه لا يختلف عليه من حيث المسعى، و حينها يتحول العجب إلا حسرة عندما يصدر من الذين قرءوا في مدارس القرى الاشتراكية بالأمس أو من الذين تحصلوا على الشهادات بفضل الدروس الليلية المدعمة أو استفادوا من شهادات كانت مضبوطة في التخطيط مسبقا بمناسبة مخططات التنمية منذ منتصف الستينيات ..إن التاريخ تطوى صفحاته لكن لا تنسى أحداثه،إن بعض هؤلاء هم من كانوا نافخين في الكير منذ أحداث أكتوبر 88 تحت عنوان لمعان ثابت من ثوابت الهوية الوطنية، فانخرطوا في التهديم للاختيار الاشتراكي بالنسبة لتنظيم وعصرنةالاقتصاد الوطني للبلاد آنذاك وهذا تحت تأثير الانبهار لفكر عقائدي معروف رغم حججه الواهية ، بعضهم كان بانتماء حقيقي و البعض الآخر كان تحت تأثير فكر مزاجي و عاطفي بل وفى الغالب كان التقرب تملقا و تزلفا و لحاجة في نفس يعقوب لعل و عسى...ومن بداية التسعينيات ازداد طعنهم للسلطة الوطنية و لحزب جبهة التحرير الوطني و لكل ما يحمله برنامجها من قيم ومثل وما تحقق من ايجابيات و سلبيات، وراحوا يهرولون وراء مشروع ضبابي ظهر مع بداية التسعينيات مازالت آثاره تحصد أرواح أبناء الشعب الجزائري إلى يومنا هذا ، إنها الديمقراطية العرجاء التي كانوا و مازالوا يتغنون بها من حين إلى آخر و يتشدقون بما أفرزته في بداية التسعينيات من شرعية انتخابية بدون حياء أو صحوة ضمير ،إنها الديمقراطية العرجاء التي استعمل فيها الدين كمطية من طرف المتعطشين للتسلط و الذين وجدوا من هذه النماذج البشرية من يجر عربتهم نحو المجهول، فتنكروا للمكتسبات ولكل جميل في هذه البلاد المجاهدة الثورية، فكان تهجمهم على جبهة التحرير بالأمس زورا و كراهية، وما زالوا على غيهم مصرين إلى يومنا هذا ، لقد أخطأوا في الخصم و بمعاول هدمهم يكسرون أغصان الشجرة التي تظللهم وتظلل الشعب الجزائري وتزين صورة وطنهم هذا.................... ------------------------------------------------------------------------ غيروا الاتجاه يرحمكم الله ------------------------------------------------------------------------ و مع ذلك يبقى موضوع التعريب ابتكارا جبهويا أصيلا و لن تقوم له قائمة إلا بتنفيذ جبهوي وبمناضلين جبهويين ،ووطنيين مخلصين غير متملقين و غير انتهازيين يؤمنون بمكانة الثوابت الوطنية و أهميتها في بناء المشروع الجبهوي... إن نظرة الحزب إلى قضية لغة التدريس في الجامعة ليست نابعة من عاطفة ظرفية و لا من مصلحة فئوية نفعية، بل هي قناعة فكرية و سياسية أصولها ثابتة و مؤكدة علما و عملا لدى الشعوب الحية في عالمنا المعاصر،كما أنها ليست قضية فرد أو مسؤول بعينه،بل هي قضية الجميع، إن الظروف مواتية و الشروط تكاد تجتمع لمواصلة بناء ركائز المجتمع على أسس صحيحة أم التلاعب بالألفاظ و عمليه الدس المغيتة و المزايدات المفلسة فعمرها قصير و تأثيراتها تتبخر وتمحى مع أول استعمال مفيد للأوراق الصفراء التي كتبت فيها بمناسبة وزن السمك لدى الباعة المتجولين في أحسن الأحوال. ------------------------------------------------------------------------ حزب جبهة التحرير الوطني دليل دولة ------------------------------------------------------------------------ يبقى حزب جبهة التحرير الوطني عنوان الثورة و دليل الدولة الجزائرية، مادام المناهضون لمشروع المجتمع المقترح لا يعرفون من أفعال الحياة إلا فعل التهديم و ما داموا لا يؤسسون تفكيرهم على المنهج العلمي السليم ،لأن الفكر التنويري يقوم على بديهية بسيطة مفادها أنه قبل الشروع في تهديم بناء قائم، لا بد أن تكون شروط البناء الجديد جاهزة و متوفرة، من تصميم و إمكانيات و مواد...الخ فعندما يسود هذا المنطق عند مفكرينا و متعليمينا و ساستنا في حينها أهلا و سهلا بالبديل الذي يفترض فيه أن يكون أجمل و أحسن و أفضل من سابقه ما دام في خدمة الشعب الجزائري، و دون ذلك فالنقد و التجريح مضيعة للوقت و اعتداء على مسيرة مجتمع يصبو إلى الحق في الحياة و الحق في الأمن و الاستقرار و الحق في الكرامة و الحرية. هل لدى منكري انجازات جبهة التحرير من جواب عندما يتذكرون عدد طلاب الجامعة منذ طلوع شمس الاستقلال كما يقول البعض و عددهم اليوم ؟ وكم كان عدد الجامعات و مرافقها بالأمس و عددها اليوم،وكذا أماكن تواجدها التي كان بعضها صباح الاستقلال عبارة عن دوار منسي يفتقر إلى ابسط مقومات الحياة...من انجازات جبهة التحرير الوطني التي يجب على الدوام التذكير بها،تحقيق الاستقرار السياسي و الاجتماعي، فهذا رأي العام و الخاص و ليس بالإنجاز الذي يخجل منه مناضلوا و مناضلات حزب جبهة التحرير الوطني و يقصرون الحديث عنه في مجالسهم الخاصة كما يزعم البعض. و انه لو لا رمز من رموز جيش وحزب جبهة التحرير الوطني الذي اختار المصالحة الوطنية كاختيار أساسي في برامجه و التي أعادت إلى الشعب الجزائري نعمة الاستقرار و الأمن رغم ما يعترض هذا المسعى من حين إلى آخر من مكائد، لكان اشرف القوم قننا في أحسن الأحوال . إن تجند الشعب حول مشروع جبهة التحرير الوطني قد تحقق منه الكثير و بقى بعض منه معطل التنفيذ ليس خيانة أو تقصيرا، بل نتيجة ظروف قاهرة حالت دون الوصول إلى الغرض المنشود ولا داعي العودة إلى ما مضى، لسرد الأسباب. إن الكثير من الإنجازات التي تحققت ما كان لها أن تقوم لو لا سياسة الجبهة ، ويبقى موضوع التعريب رغم ما تم قطعه في شأنه من مراحل هامة بفضل رجال صادقين فيهم من التحق بربه، و منهم من ما زال على قيد الحياة بل و في نضاله مداوما ،فمن باب الإنصاف أن نقول أن ما تم انجازه أصبح يمثل حقا و يعتبر مكسبا سياسيا لا رجعة فيه وذكر صاحبه بالخير. ذلك لا ينفي حدوث بعض التخاذل منذ التسعينيات في تكملة المسار رغم صدور قانون اللغة العربية سنة 1991م و الذي تم تجميده لا حقا، وحينها ما غير المزايدون اليوم قيد أنملة من قرار التجميد لا بالقول و لا بالفعل، بل رأى بعض القوم منهم أن ظهور المهدي المنتظر أو التيار السياسي الذي كان يشيد السدود و يبني العمارات و يفتح الطرقات و يحقق المعجزات بالبلاغة و الدعاء أصبح في نظرهم البديل المفضل الذي يلبي انشغالاتهم و يحقق طموحاتهم و يخصب انجازاتهم الاقتصادية و التجارية و يرسل دعائم حضارة مبنية كلها على شطحات العقل المريض ،بقايا أنصار هذا المشروع ما زالوا يلومون الجبهة ، وينصبون أنفسهم من كبار مؤيدي التيار الوطني ومن مناضلي قضية الثوابت الوطنية وحماة الحرف العربي، مع العلم ما حرك واحد منهم المجتمع قط أو اقنع الرأي العام و حوله إلى قوة ضاغطة على السلطة لتنجز على الأقل ما تبقى من مشروع التعريب الذي يناصرونه، إن الأقلية المنظمة المناهضة للمشروع فعلت ما عجز عليه من يدعون أنهم لسان الأغلبية و التي نجدها قد تخندقت مع هذه الأقلية التي تعرف ماذا تضرب، وكيف تضرب، ومتى تضرب، أصبح يجمعهما ما كان يجب أن يفرقهما، في التقليل من انجازات الجبهة و التشكيك في مسعى الحزب و من تصور رموزه من قضية لسان التدريس في الجامعة بما أصده هذا وذاك من تعاليق فيما يخص كلمة السيد الأمين العام للحزب عندما تعرض أو تطرق إلى لغة التدريس في جامعاتنا ،إنما كان ذلك من اجل توصيف العلاج الذي يجب أن تتوصل إليه خلاصة أشغال النقاش في الجامعة الصيفية من جهة، و ذكر ذلك أيضا ليحي بعض الخشب...وللتذكير أيضا بان الوضع المجحف و المضر بمصلحة البلاد قد وصل إلى منتهاه عبثا بالحرف العربي، و تعسفا في كبح مواصلة انتشار التعريب ،و الإبقاء عليه عن قصد في حالة ركود ...إن المزايدات ،والاندفاع،و الديماغوجية،و الغوغائية، و السطحية في الطرح و المعالجة ،كلها آفات مضرة لأي مشروع كان حتى و لو كان الأنصار يمثلون 80% من مجموع السكان.....و للحديث بقية...