تمتزج اللغة المستعملة في أوساط الشباب الجزائري، في الآونة الأخيرة، بالعديد من المصطلحات التي دخلت قاموسهم الكلامي اليومي وصارت متداولة فيما بينهم وأضحت تشكل رموزا للتواصل والتعبير عن عدة مفاهيم وأشياء، وباتت بمثابة لغة خاصة بهم يلجأون إليها عندما يرغبون في الحديث. وبناء على ذلك أصبح الشارع الجزائري مليئا بمثل تلك الكلمات السرية التي تحتاج للتقرب من هؤلاء الشباب من أجل معرفة معانيها الخفية التي لا يفهمها سواهم. عكس ما كان متداولا في وقت سابق من لغة سليمة وأساليب أحاديث تمتاز بالدقة والتعبير الجيد التي توحي بوجود مستوى التحكم في الكلام، أصبح هذا الأخير في مجتمعنا الجزائري يفتقر للنوعية الجيدة في المصطلحات المستعملة في أوساط شبابنا الذين صاروا يبحثون عن إدخال التطور حتى في سياق حديثهم مع بعضهم البعض وهذا تماشيا مع التقدم الذي يشهدونه في كل المجالات، ولذلك لم يعد من المناسب لهم الاحتفاظ بلغتهم القديمة التي يجدونها بعيدة عن التطور الحاصل. كما تعتبر بعض المصطلحات التي يقومون باستخدامها حكرا عليهم لوحدهم حيث لا نسمعها إلا وهم يتبادلون أطراف الأحاديث فيما بينهم، ويستحيل علينا معرفة ما يقولونه إلا إذا شرحوا لنا الدلالات الموجودة خلف تلك الرموز والكلمات السرية التي يتهامسون بها حتى تبقى خاصة بهم فقط. كما يمكن اعتبار هذه اللغة الجديدة للشباب الجزائري مجرد طريقة يتبعونها بهدف التكتم عن الحديث الذي يجري بينهم كأصدقاء خاصة إذا كان لأغراض سلبية كالسب والشتم أو بهدف التحرش الجنسي. فالكثير من الكلمات المشفرة صارت تستهلك من طرف هؤلاء بشكل كبير لدرجة أن غالبية مستمعيها أصحبوا يتذمرون منها خاصة الشابات اللواتي صرن عرضة في الشوارع للعديد من الرموز التي جعل منها مبتكروها وسيلة للتسلية وتحويل ما يدور في خواطرهم الذي عجزوا عن قوله بلغة صحيحة إلى تلك اللغة الهجينة التي ليست لها علاقة بالأبجدية وتعد غريبة عن مجتمعنا الجزائري، وتسللت إلى الخطاب الشباني من خلال الاحتكاك مع بعضهم البعض وكذلك بدافع الاقتداء وإشباع روح الفضول باستعمال البعض منها في كلامهم، فنجد معظمهم بفعل التقليد ومعاشرتهم لأصدقائهم صاروا يدخلون تلك المصطلحات في لغتهم التي يستعملونها في حياتهم اليومية. ''شبرڤ''.. ''شريكي''.. ''أنت حابس''.. ''فور وبزور''.. ''زلة''.. وغيرها! لا شك أن كل واحد منا عند مروره عبر الشارع، إلا ويشد سماعه بعض الكلمات الدخيلة التي صار شبابنا يتمسكون بها ويتخذون منها لغة تميزهم عن غيرهم ولم يعد بوسعنا تحاشيها نظرا لانتقال العدوى بين كل الشباب، حيث أينما حللنا بمكان ما إلا ونطق أحدهم بإحدى تلك المصطلحات سواء أثناء الأحاديث التي تجري بينهم أو التي توجه لأشخاص آخرين. ومن ضمن هذه اللغة المبتكرة من طرف هؤلاء نجد العديد من المعاني التي ترمز إما لوصف هيئة أو سلوك أو عقلية أحد يعرفونه أو من عامة الناس، حيث يقومون بترصد ما يقوله وما يفعله أو حتى الملابس التي يرتديها، معتمدين في ذلك على دقة ملاحظتهم أثناء تواجدهم في الشارع فيطلقوا العنان للسانهم للتعبير عما يجول في أذهانهم، مستعملين تلك الشفرات والكلمات المبهمة التي لا تخلو جملهم المركبة منها. فعلى سبيل المثال يطلق العديد منهم كلمة ''شبرق'' على الشخص الذي لا يجدون فيه المواصفات التي يحبذونها، خاصة من ناحية اتباع الموضة في تنسيق الألوان وأنواع الملابس وكذلك على جميع الأشخاص الذين يعدون غرباء عن العاصمة وجاءوا من مناطق أخرى. ومن المصطلحات المستعملة كذلك نجد ''شريكي'' فهذه الأخيرة صارت تستخدم على نطاق واسع بين كل الأصدقاء وأولاد الحومة سواء أثناء تبادل التحايا بينهم أو لمناداة بعضهم البعض، أما كلمة ''أنت حابس'' فمعظمهم يلجأ إليها للتعبير عن سوء فهم شخص ما لظاهرة أو موقف معين وبأنه لا يفكر جيدا وغير قادر على الاستيعاب، وهو نفس الحال لكلمة ''فور وبزور'' التي يوردونها بكثرة في أحاديثهم الشبانية عند استحسانهم لقضية أو سلوك أو مشهد يعجبهم ويثير اهتمامهم. والملفت للانتباه أن هؤلاء الشبان وفي غمرة تدقيقهم لكل تصرفات ومظاهر المارة في الشارع الجزائري، لا يدعون الفتيات يفلتن من اللغة التي يحبذونها، فما أن تمر عليهن واحدة حتى يسمعنها بعضا من كلماتهم الشعرية النابعة من محيطهم والتي أدخلوها بمجهودهم الشخصي إلى قاموس اللغة الخاص بهم، ونذكر منها كلمة ''زلة'' للدلالة على جمالها وأناقتها أو ''كافية'' إذا كانت لا تثير إعجابهم ولا تلبس ما يروق لهم أي أنهم يصدرون أحكاما مسبقة وفقا لما يرونه على الأشخاص الذين يصادفونهم في حياتهم اليومية. فإذا صادف وإن التقوا بمواقف حسنة يستخدمون كلماتهم الجيدة وإذا شاهدوا أمورا سيئة لم تنل رضاهم فإنهم يشهرون لغتهم الهجينة ويباشرون في قذف مجموع تلك المصطلحات المشفرة للتعبير عن استيائهم والتي لا يرغبون في أن تفهم من طرف الغير. وفي هذا الشأن يؤكد لنا الشاب ''محمد'' أن الشباب الجزائري يميل إلى مثل هذه المصطلحات، حيث يجدون فيها لغة خاصة تجعلهم ينفردون بميزة استعمالها، كما أنهم يتوصلون من خلالها إلى تجسيد أفكارهم وكل المفاهيم العالقة في أذهانهم إلى كلمات عامية تتمتع بالشعبية وهي مستقاة من المحيط الذي يعيشون فيه. كما يضيف لنا أيضا أنها تستهويهم وتمنحهم شعورا بالمتعة والرجولة خاصة عندما يجتمعون مع بعضهم وسط ''الحومة'' ويتبادلون عملية تصريف تلك الكلمات ويتعلمون الجديدة منها أو حتى من أجل قضاء أوقات فراغهم، فيفضلون النزول إلى الشارع رفقة أصدقائهم ويبدأون في رحلة التعليقات الجيدة والسيئة. وحتى الهواتف والسيارات لم تسلم منها! والجدير بالذكر أن سلسلة المصطلحات التي بات يستخدمها شبابنا اليوم امتدت من مجرد إطلاقها على مظاهر وتصرفات الآخرين إلى تسمية أشياء نظرا لوجود علاقات تشابه ومقاربة بينها وبين أشياء أخرى، وهو ما صرنا نسمعه كل يوم في أحاديثهم لدرجة تأثرنا بهم واستعمالها نحن أيضا في كلامنا. فالكثير منهم يطلقون اسم ''ڤرلو'' على أحد أنواع الهواتف النقالة الخاص ب''موتورولا'' وهذا بسبب شكله الصغير الذي يشبه إلى حد ما تلك الحشرة الصغيرة، هذا بالإضافة إلى أنواع السيارات، حيث هناك من يرى تطابقا بين القبعة أو ''الكاسكيطا'' وبين سيارة ''ميقان'' وكذلك شكل البنية أو ''الدبزة'' لتشبيه سيارة ''كليو''. وفي هذا الصدد يضيف لنا ''رضا'' بأن استعمالهم لمثل هذه الكلمات لم يأت من محظ الصدفة وإنما بعد ملاحظتهم لوجود صلات ذات ترابط ونقاط مشتركة بين العديد من الأمور والأشياء لدرجة اتخاذها أسماء لها واقترانها بها على الدوام، وهو ما ينطبق على الهواتف والسيارات وغيرها. كما يضيف في ذات السياق أن مثل هذه اللغة المتبادلة في أوساطهم تشمل كل ما يصادفهم في طريقهم، فأي شيء قد ينسبون له كلمة معينة وهي مسألة ليست بالجديدة فقد سبق أن أطلقوا منذ زمن مصطلح ''دفرة'' للدلالة على قطعة 10 دج، وكذلك ''مسكة'' على ورقة 1000 دج. هكذا إذن يمضي الشباب في مجتمعنا الجزائري يومياته في ابتكار لغات أخرى تمكنهم من نقل كل ما يشغل بالهم، فحتى لا يشعروا بالملل من استعمال تراكيب ومفردات قديمة دأبوا عليها منذ تواجدهم في الحياة، تجدهم يفتشون عن الجديدة منها التي تبعد عنهم الروتين وتخلق لهم نفسا مغايرا وهذا في ظل التعليقات الجيدة والسيئة التي يرون فيها مصدرا للتسلية.