تشير آخر الإحصاءات في الجزائر إلى تسجيل 9000 حالة إصابة بسرطان الثدي، وهو أمر يستدعي دق ناقوس الخطر نظرا لعدم اكتراث المرأة الجزائرية بصحتها وبإجراء الفحوص الدورية وإهمالها في كثير من الأحيان تلقي العلاج في حالات مرضها أو حتى رفضها التوجه عند الطبيب. وما يزيد من حدة هذا الوضع هووقوع معظم السيدات الماكثات في البيت في فخ انشغالهن بالأعمال المنزلية ورعاية شؤون أولادهن لتكون النتائج في النهاية سلبية ويدفعن إثرها الثمن غاليا يصل إلى حد مفارقة الحياة. الموت المرتقب أو الإصابة بمرض مزمن يصعب علاجه نظرا لوصوله إلى المرحلة الأخيرة خاصة ما تعلق منه بسرطان الثدي عند المرأة، هي الجمل التي يمكن أن تقع على مسامع النساء اللواتي يتوجهن متأخرات إلى العيادات الطبية والمستشفيات عند شعورهن بألم حاد فقط، حيث تمنعهن كثرة المشاغل وضيق الوقت من القيام بذلك عندما كن بصحة جيدة. وإذا ما دققنا التأمل في أسباب ارتفاع حصيلة المصابات بسرطان الثدي أو غيرها من الأمراض الخطيرة والمستعصية التي يستحيل الشفاء منها، وجدنا أغلب ضحاياه هن النساء اللواتي لم يبالين يوما باستشارة الطبيب خاصة من كن لا يمارسن مهنة خارج البيت، حيث يربطن حياتهن بالقيام بمختلف الشؤون المنزلية ويحاربن الزمن من طلوع النهار إلى غاية الليل عساهن يتممن أعمالهن في الوقت المحدد، أي أنهن يتحولن إلى شبه آلات تتحكم فيهن عقارب الساعة وتجعل منهن منافسات لها. غسل الملابس.. تنظيف البيت.. الاعتناء بالأولاد والطبخ.. إلا زيارة الطبيب تقع المرأة الماكثة في البيت في إشكالية التسابق مع الزمن من أجل أن تتمكن من إنجاز ما ينتظرها من أعمال عالقة كلها تحتاج إلى مجهود، حيث تبدأ رحلتها منذ الساعة السابعة صباحا بالاستيقاظ مع الأولاد قصد تحضيرهم للذهاب إلى المدرسة عن طريق إعداد فطور الصباح لهم ومساعدتهم على ارتداء ملابسهم خاصة من كان لديها أطفال صغار كلهم يعتمدون عليها في رعاية أمورهم. ولا ينحصر الاعتناء بهم هنا فقط بل مرافقتهم إلى باب المدرسة خوفا عليهم من تعرضهم لحوادث المرور أو مساعدتهم على حمل محافظهم نظرا لثقل وزنها الذي أضحى يهدد صحتهم، وما أن تعود تلك المرأة إلى البيت حتى تنطلق في سلسلة من الأعمال الواحد تلو الآخر بدءا من غسل الملابس، تنظيف غرف البيت ومسح البلاط حيث تحاول جاهدة إكمال ذلك بسرعة، ثم تتفرغ بعد ذلك إلى المطبخ لتعد الغذاء وتعمل على أن يكون جاهزا مع موعد قدوم الأولاد من المدرسة، إلا أنه ما يلاحظ بين كل هذه المشاغل التي تحرص تلك المرأة الماكثة في البيت على منحها كل وقتها يغيب أمر مهم هو عدم توجهها إلى الطبيب من أجل إجراء الفحوص الدورية ولاسيما ما تعلق منها بالكشف المبكر عن سرطان الثدي الذي بات يتربص بحياة العديد من النساء. ولأنهن يهملن صحتهن ولا يمنحن لأنفسهن القدر الكافي من الرعاية فإنهن يقعن في معظم الأحيان ضحايا للإصابة به وهو ما يرجع بالدرجة الأولى إلى إعطائهن الأولوية لإنجاز شؤون المنزل متناسيات بذلك ضرورة استشارة الطبيب ولو مرة واحدة في السنة كطريقة لتجنيبهن معاناة قد تكون نتائجها وخيمة. فإذا كن يبدين اهتماما بالغا بالأولاد والبيت حتى لا ينقصهم شيء، فالنهاية ستكون حتما أشد سوءا لو تبين أنهن مصابات بسرطان الثدي أو مرض آخر فتاك، وبالتالي فعدم اكتراثهن بمعالجة أنفسهن بسبب انشغالهن بإكمال الأعمال من شأنه أن يكلف حياتهن غاليا. وبالتالي فإن تعرضهن للوفاة يعد أمرا واردا قد يزيد من شقاء أهل البيت الذين كن يتعبن من أجلهم وعرضن حياتهن للخطر من أجل أن لا ينقصهم أي شيء خاصة اللواتي يتركن أطفالا صغارا خلفهن. وإذا ما سألنا النساء الماكثات في البيت عن سبب عدم قيامهن بالفحص الطبي الدوري تجد أغلب إجابتهن تشير إلى عدم امتلاكهن لمن يتكفل بالأولاد في حال توجههن إلى المستشفى مثلا، إلا أنها تبريرات في مجملها تبقى غير مقنعة خاصة أننا نرى العديد من مثيلات تلك النسوة يجدن الحلول مناسبة فورا عندما تكن مدعوات لحضور حفل زفاف أو مناسبة عائلية. وهنا يمكن القول إن الانشغال بالشؤون المنزلية لا يعتبر سببا وجيها لإهمال المرأة صحتها بل ذلك نتيجة افتقارها للوعي بضرورة التشخيص المبكر تفاديا للوصول إلى نهاية لا يحبذها الجميع ويمكن تجنبها بالوقاية التي تعد خيرا من العلاج.