تنتظر الآلاف من النساء الجزائريات دورهن في الكشف الطبي بعد تطبيق قرار وزارة التضامن الاجتماعي القاضي باستدعاء الجزائريات اللواتي بلغ سنهن أربعين سنة فما فوق لإجراء الكشف الطبي ''الماموغرافي'' لدى أقرب مركز صحي وبالمجان. لكن الإجراء وإن كان عاما إلا أنه يخص شريحة النساء المؤمنات اجتماعيا، حسب وزارة العمل والضمان الاجتماعي التي أطلقت المبادرة بهدف الكشف المبكر عن سرطان الثدي الذي يقدر الأخصائيون بأنه السبب الأول لوفيات النساء بالجزائر. تشير إحصاءات وزارة الصحة إلى تسجيل 7000 حالة جديدة سنويا لسرطان الثدي في أوساط نساء الجزائر، وتتراوح الإصابات به بين 26 و28 ألف حالة لكل 100 ألف امرأة، وهوعدد كبير دفع بأخصائيي الصحة ببلادنا إلى دق ناقوس الخطر في أكثر من مناسبة، ذلك لأن قسم أورام الثدي يعج يوميا بمئات الحالات القادمة من كل أقطار الوطن في مختلف الحالات أغلبها تعتبر متأخرة، وحتى وإن لم تكن كذلك فإن اكتظاظ قوائم المواعيد يدفع المصابة إلى التأخر في الحصول على الرعاية الطبية، لأنه من الصعب جدا الحصول على سرير بالمركز لاستئصال الورم الخبيث، إلا بعد أن تنتشر الخلايا السرطانية وتستحيل محاصرة المرض. والحقيقة أن المشكل يكمن في قلة الإمكانات المتاحة وفي عدد الأسرة التي لم تعد تفي بالغرض لاستقبال أعداد المرضى الوافدين بصفة يومية من كل ولايات الوطن. كشف البروفيسور كمال بوزيد عن تسجيل 3216 حالة سرطان على مستوى مركز بيير وماري كوري في سنة ,2007 منها 1254 حالة سرطان للثدي، حيث يحتل هذا الأخير المرتبة الأولى في مجموع السرطانات التي تصيب المرأة. وأكد بوزيد رئيس مصلحة أورام السرطان بالمركز على أنه لم يتم التوصل بعد إلى الأسباب الحقيقية لسرطان الثدي بالجزائر، إلا أن نسبة 10 بالمئة من مجموع الإصابات وراثية وأن آليات العلاج مجانية وتوازي ما يحظى به المرضى في الدول المتقدمة. مشيرا إلى أن الجزائر تحظى بأجهزة جد متطورة إلا أنها تحتاج إلى تحكم أكثر، خاصة فيما يتعلق بالكشف المبكر للورم، وخاصة أنها تحصي سنويا تزايدا في عدد الإصابات. ففي حالة الكشف المبكر عن سرطان الثدي، فإنه يتم علاجه في 65 بالمائة من الحالات مع زيادة في أمل الحياة بخمس سنوات ويُكلف علاجه 400 ألف دينار لكل امرأة وتموت ثلاث مريضات من أربع قبل إتمام العلاج. وتشتكي أغلب الوافدات على المركز من عناء السفر بعد إجراء الجراحة ومتابعة جلسات العلاج الكيميائي، خاصة مع ما ينجر عنها من توعك صحي يصيب المريضات أحيانا بالإرهاق وبنوبات من الصداع الشديد والقيء.. إنها معاناة حقيقية لربات أسر هجرن بيوتهن وأسرهن مدة قد تصل إلى شهور ليمكثن بالعاصمة بجوار المركز الذي يثقن في أخصائييه، هذا بالنسبة لمن وجدن مأوى لأحد أقاربهم بالعاصمة. لذلك تجد معاناة المريضات في الغالب مزدوجة ولكن ينطبق على أغلبهن المثل القائل ''إذا عمت خفت''، لذلك تجد المريضات يتبادلن أطراف الحديث عن تجربة المرض وعن ظروف الحياة وغالبا ما تنشأ في هذا المركز الصداقات التي تجمعها الظروف المتشابهة. لكن إذا ما حدث مكروه لإحدى المريضات وإذا ما حدث وأن فارقت الحياة، وهو أمر مألوف فالكثيرات لا يمهلهن القدر حتى إنهاء العلاج ليفارقن الحياة، ساعتها تلاحظ حالة من الإحباط تصاب بها بقية المريضات. إقبال غير مسبوق على كشف ''الماموغرافي'' بشكل غير مسبوق، صار إقبال النساء على مراكز الكشف ''الماموغرافي'' في الفترة الماضية ملفتا للانتباه، خاصة في أوساط النساء المثقفات وذوات المستوى التعليمي العالي. حيث يعمل أطباء النساء الخواص والعامون على دعوة شريحة النساء اللواتي بلغن سن الخامسة والأربعين بإجراء كشف''الماموغرافي'' بشكل وقائي إلى جانب المسح الرحمي الذي يجرى دوريا من طرف من يتمتعن بالوعي الكافي، إلا أن الفرق أن الكشف على عنق الرحم يخص المتزوجات فقط، بينما الكشف عن سرطان الثدي يخص شريحة العازبات والمتزوجات على حد سواء، وأحيانا يخص الشريحة الأولى أكثر من غيرها بسبب الاضطرابات الهرمونية التي تظهر في شكل أورام 80 بالمائة منها حسب الأطباء المختصين حميدة والأخرى خبيثة للأسف. نورة ''48 سنة'' موظفة في بنك: ''أقوم بإجراء فحص ''الماموغرافي'' كل سنتين وهذا بطلب من طبيب النساء المختص الذي أتابع عنده تماما كما أجري المسح الرحمي كل سنة. وهذا حسب تعليماته كإجراء وقائي. وأعتقد أن كل امرأة تتمتع بالوعي الكافي عليها بهذه الإجراءات الوقائية فليس هناك أغلى من الصحة، خاصة أننا نعلم بأن الكشف المبكر في أي حالة حتى ولو كان في حالات الإصابة بالسرطان أمل العلاج فيها يكون تقريبا مضمونا مع التقدم في العلاج الذي نعيشه اليوم، ولدينا الخيار حتى في العلاج هنا أو السفر إلى الخارج. أما إذا كان المرض في مراحله الأخيرة فحظوظ العلاج تقل كثيرا، يكفي أن نستوعب هذه الحقيقة الطبية حتى لا نهمل أنفسنا. وأعتقد أن المبادرة التي قامت بها وزارة العمل والضمان الاجتماعي جاءت في وقتها إن لم نقل أنها متأخرة، خاصة أن سرطان الثدي عافانا الله وإياكم أحدث ثورة مرضية في أوساط النساء الجزائريات في العشرية الأخيرة''. أما سعاد.م وهي إطار في إحدى مؤسسات الدولة فقالت: ''أعتقد أن إلزامية الكشف المبكر كان يجب أن تمس كل الجزائريات من سن الأربعين فما فوق وليس فقط شريحة المؤمنات اجتماعيا، لأن المرض الخبيث لا يختار شرائحه، بل بالعكس كثيرا ما نجده ينتشر لدى الفئات المعوزة والمهمشة اجتماعيا ولدى الريفيات والماكثات في البيوت، لأن المرض كثيرا ما يرتبط بالضغوط والحالة الاجتماعية. ومقابل هذه الشريحة من النساء اللواتي يتمتعن بالوعي، نجد فئة أخرى من النساء اللواتي يعانين من الوساوس المرضية والمخاوف التي تستنفذ صحتهن النفسية وقد تنعكس حتى على حالتهن الجسدية. وأمثال هؤلاء السيدة حنان ''43 سنة'' التي تروي تجربتها المرة مع هذه الوساوس: ''ليس هناك من شيء أخشاه في هذه الدنيا أكثر من سرطان الثدي، المرض الخبيث الذي قلب حياتي رأسا على عقب دون أن يصيبني. وقد بدأت حكايتي مع هذه المخاوف بعد أن أصيبت به خالتي رحمها الله. وبعدها بأربع سنوات لحقت بها شقيقتي الكبرى رحمها الله بعد رحلة مضنية مع السرطان الخبيث، وكذلك بعد أن نبهتني طبيبة العائلة بأن هذا النوع بالذات من السرطانات وراثي وطلبت مني إجراء الفحوص دوريا بعد أن سجلت عائلتنا حالتي وفاة بذات المرض. ومن ساعتها وأنا لا أتردد على زيارة مختلف الأطباء وأحاول إجراء فحص ''الماموغرافي'' لي ولبناتي اللواتي لا يتجاوزن سن ال21 و17 سنة، وهو ما ليس جيدا للصحة أيضا. وبين الكشف والآخر تنتابني الوساوس مجددا. إلى درجة أن إحدى الطبيبات قالت لي صراحة ''روحي ترقي خير لك''.