أكد وزير الثقافة السوري السابق الدكتور محمود السيد على ضرورة اعتماد ممثلي الدول العربية في المحافل الدولية على اللغة العربية في إلقاء كلماتهم ومداخلاتهم مادامت اللغة العربية معتمدة من بين اللغات الرسمية في هيئة الأممالمتحدة ومنظماتها، متحدثا عن تفاصيل أخرى تطلعون عليها في هذا الحوار الذي خص به جريدة ''الحوار''. حدثنا عن واقع الترجمة والتعريب في سوريا؟ إن سورية بعد أن تحررت من الاحتلال التركي اعتمدت اللغة العربية الفصيحة لغة للتدريس في التعليم ما قبل الجامعي وفي التعليم الجامعي، حيث كانت كليتا الحقوق والطب نواة الجامعة السورية، ثم اتسعت الكليات وتكاملت الاختصاصات وأصبح التعليم في جميع ميادين المعرفة باللغة العربية الفصيحة. وعندما خضعت سورية للانتداب الفرنسي حاول الفرنسيون استبعاد اللغة العربية وفرض اللغة الفرنسية مكانها، إلا أن جهودهم باءت بالإخفاق وظلت سورية متمسكة بلغتها العربية الفصيحة في جميع مراحل التعليم وفي الإدارة. وفي سنة 1952 صدر قانون ينص على حماية اللغة العربية وعلى سيرورتها في جميع مرافق الحياة وظلت اللغة العربية تتبوأ مكانتها ويحرص الجميع على سيرورتها وانتشارها، كما أصدر الرئيس الراحل حافظ الأسد مرسوما يقضي بتدريس اللغة العربية متطلبا جامعيا في جميع الكليات الجامعية، والى جانب ذلك أصدر الرئيس بشار الأسد قرارا جمهوريا بتشكيل لجنة لتمكين اللغة العربية من مهمتها، بوضع خطة عمل وطنية لتمكين اللغة العربية ومتابعة تنفيذ الخطة، ولقد أشرفت أنا شخصيا على رئاسة هذه اللجنة. وتتضمن الخطة التي وضعت مسوغات وضع الخطة والواقع اللغوي وسبل المواجهة والإجراءات العاجلة. ورغم افتتاح جامعات خاصة في سورية والتي تزيد عن 10 جامعات، إلا أن التدريس في هذه الجامعات باللغة العربية الفصيحة في ضوء قرار مجلس التعليم العالي الذي صدر مؤخرا. بما أنكم أشرفتم على رئاسة لجنة تمكين اللغة العربية، حدثنا عن أهم النشاطات التي قامت بها هذه اللجنة؟ لقد قامت لجنة تمكين اللغة العربية في سورية بنشاطات وفعاليات متعددة في جميع المجالات، وشكلت لجانا لها أيضا في وزارات الدولة المعنية على غرار وزارة التعليم العالي، وزارة الثقافة، وزارة التربية، وزارة الإعلام. كما قامت لجنة التمكين بتشكيل لجان فرعية في المحافظات ومن أعضائها مدير التربية، مدير الثقافة، مدير السياحة، ممثل عن نقابة المعلمين، ممثل عن فرع كتاب العرب وممثل عن المنظمات الشعبية. ويرأس هذه اللجان المحافظ أو الذي ينوبه. ولقد قامت هذه اللجان في الوزارات وفي المحافظات بتنفيذ كثير من الفعاليات المتعلقة بتمكين اللغة العربية. كيف ذلك هل من تفا صيل؟ مثلا قامت وزارة التعليم العالي بالتعميم على أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات باستخدام اللغة العربية في شرح الدروس وفي مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه، كما قامت بالضبط اللغوي والتدقيق اللغوي للكتب الجامعية، وعملت وزارة التربية على الضبط بالشكل والعناية بالمكتبات المدرسية، وكذلك إجراء مسابقات حول كتابة القصة، الشعر، الخطابة و الكتابة المسرحية للطلاب بين صفوف المدرسة الواحدة ثم بين المدارس في المحافظات ثم على نطاق القطر بكامله. كما قامت وزارة الاقتصاد بإجراء مسح للشوارع في المدن لوضع التسميات العربية على واجهات المحلات التجارية وعدم السماح لأي محل تجاري بأن يستخدم التسميات الأجنبية إلا إذا كان فرعا لشركة عالمية، وفي هذه الحالة تكتب الكلمة بالعربية أولا وتحتها الكلمة الأجنبية. أما وزارة الأوقاف ففرضت على خطباء المساجد أن يقدموا خطبتهم باللغة العربية الفصيحة وأن لا يستخدموا العامية الدارجة، وقامت هي الأخرى بإجراء مسابقات للذين يعينون في الوظائف لبيان مدى كفايتهم اللغوية قبل التعيين. ما هي المساهمات التي يقوم بها مجمع اللغة العربية بدمشق والمركز العربي للتعريب والتأليف والترجمة والنشر في مجال التعريب؟ مجمع اللغة العربية في دمشق يسهم في وضع المصطلحات في مختلف ميادين المعرفة، كما يسهم في الحيلولة دون انتشار العامية وذلك بالتعاون مع الجامعات بهذا الخصوص. أما المركز العربي للتعريب والتأليف والترجمة والنشر في دمشق فهو تابع للمنظمة العربية التربية والثقافة والعلوم، ويعنى بترجمة أمهات الكتب في مختلف ميادين المعرفة خاصة في المجالات العلمية والطبية والهندسية، وان الكتب التي يصدرها المركز تسد بعض حاجات الكليات العلمية في الجامعات. كيف يمكن مواجهة خطر العولمة الذي يهدد ثقافة ولغة الأمة العربية، وما هي السبل أو الطرق الأنجع للنهوض باللغة العربية؟ سبل مواجهة خطر العولمة تكمن في تنمية الاعتزاز باللغة العربية، ذلك لأن ثمة تشويها لتاريخ الأمة وتعتيما عليه وثمة اتهاما للغة العربية بأنها غير مواكبة لروح العصر عصر العلم والتقانة وهذه الحجج التي يزرعها أعداء الأمة في نفوس أبناء الأمة العربية لقيت استجابة من بعض أبنائها، فإذا هم يشككون في تراث أمتهم ويعملون في الوقت نفسه على اعتماد اللغة الأجنبية مكان اللغة العربية وهذا ما نلاحظه في دول المغرب العربي أو في دول الخليج العربي. لذلك، فإن من سبل مواجهة العولمة التمسك بهوية الأمة وثقافتها واللغة هي حاملة هذه الثقافة، كما يجب الابتعاد عن المناهج الأجنبية في التدريس والاستعانة بالأطر العربية. إلى جانب ذلك يجب اتخاذ الإجراءات العملية للحؤول دون استشراء الآثار السلبية للعولمة من حيث الاعتماد على أبناء الأمة في الوظائف والأعمال في جميع مرافق التنمية، وإذا كان ثمة عمالة أجنبية فينبغي أن تتعلم اللغة العربية وأن لا يسمح لها بالعمل على الأرض العربية، خاصة في دول الخليج، إلا إذاكانت متمكنة من اللغة العربية أو خضعت لدورات الاتقان، إذ إننا نلاحظ الخادمات العاملات في البيوت في دول الخليج يسهمن في التأثيرات السلبية لأطفال الأسر هناك عندما لا يتحدثن باللغة العربية. ومن الإجراءات العملية أيضا أن تعقد المؤتمرات على الأرض العربية باللغة العربية وليس باللغة الانجليزية، وإذا كان ثمة أجانب فيمكن اعتماد اللغة الأجنبية إلى جانب اللغة العربية. أما أن نتخلى عنها في هذه المؤتمرات فهذه ثغرة كبيرة وخطأ جسيم، ويجب أن يعتمد ممثلو الدول العربية في المحافل الدولية على اللغة العربية في إلقاء كلماتهم ومداخلاتهم مادامت لغة الضاد معتمدة بين اللغات الرسمية في هيئة الأممالمتحدة ومنظماتها كاليونسكو واليونيساف ومنظمة الصحة العالمية، ولا يمكننا أن ننسى لمواجهة الآثار السلبية للعولمة وضع سياسة لغوية على نطاق الوطن العربي وتخطيط لغوي يوضع في ضوئها، ولابد أيضا من إصدار تشريعات قانونية لحماية اللغة العربية والدفاع عنها لأن للغة حدودا كحدود الوطن لا يترك لكل عابث أن ينال منه أو لأي دخيل أن يعتدي عليه. ما هي معيقات التعريب في الوطن العربي في رأيكم ؟ أكبر معيق يعاني منه التعريب في الوطن العربي هو عدم وجود إرادة سياسية وقرار سياسي، ذلك لأن ثمة مؤتمرات وندوات عقدت على الساحة القومية تناولت موضوع التعريب منذ ما يزيد عن 60 عاما، ونذكر على سبيل المثال المؤتمر الذي عقد بدمشق سنة 1981 حيث اجتمع وزراء التعليم العالي بوزراء الصحة العرب وأجمعوا في التوصيات على الانتهاء من عملية التعريب في الجامعات العربية عام ,2000 والتدريس في جميع الجامعات العربية باللغة العربية، وقد أصبحنا الآن في 2010 ولم تنفذ هذه التوصيات بل على العكس وجدنا تراجعا في التعريب، ولهذا فإن القرار السياسي هو الوحيد القادر على تنفيذ عملية التعريب، لذا فالعائق الأول في عدم نجاح التعريب هو عدم صدور قرارات سياسية ملزمة على النحو الذي قامت به الدول الأخرى ككوريا والفيتنام وغيرها من الدول. هناك من يفضل اللغة الأجنبية بحجة قلة المراجع وأمهات الكتب باللغة العربية، خاصة في مجال الطب ما تعليقكم على هذا؟ هذه الحجج في غير محلها ذلك لأن الكتب متوفرة، والدليل على ذلك أن الجامعات السورية تعتمد منذ قرن تقريبا على التدريس باللغة العربية الفصيحة، والكتب متوفرة في مختلف التخصصات، ولقد أفادت التجربة السودانية في التعريب من الكتب التي ألفتها الجامعات السورية وهذا يعني أن الكتب ليست حجة. ما رأيكم في التوصيات التي تتمخض عن هذه المؤتمرات والندوات لكنها تبقى حبرا على ورق دون تطبيق فعلي؟ من وجهة نظري ليست العبرة في كثرة المؤتمرات والتوصيات التي تصدر عنها، ولكن العبرة في التنفيذ. ولذلك أرى أن تقتصر التوصيات على توصيات عملية قليلة تكون قابلة للتنفيذ حسب الإمكانات.