مما لاحظه القاصي والداني ظاهرة إقبال الجزائريين غير المعهودة على معرض الكتاب الدولي الخامس عشر إقبالا لا يضاهيه إلا إقبال الجم الغفير على اقتناء كبش العيد أو السكر والزيت حين يحتكر سلعتها أصحاب الشكارة. ولعمري إنها لمن إحدى أجلى صور فهم الجزئريين لمتطلبات المرحلة التي تقتضي أن المتحكمين في مفاتيح العلم والثقافة هم الأجدر بالحياة وهم الأولى باستلام قيادة القاطرة، التي تنهز كل ذي لب وكل من له أثارة ومسكة عقل، منبهة إلى أن العصر الذي يغيب عن أهله التحكم في هذه المفاتيح فسيجاوزه الزمن وتطويه مراحل التاريخ التي محقت بين طياتها حضارات قامت ثم سقطت ودولا أينعت ثم طالها حكم التفسخ، فما لدول لم تهتم بالعلوم والمعارف، ولم تقم لها سوقا رائجة مثل الأسواق التي تشهدها كل البلاد بلا استثناء. غير أن مع كل فرحة ترحة ، ومع كل سعادة منغصات تشوبها، تمنع تمام الزهو والرضا، إذ أن الإقبال الذي ذكرناه آنفا على الكتب شراء و اقتناء والذي أثلج صدور أصحاب دور النشر ، فرح موالة أولاد جلال والجلفة بخرفانهم التي ساقوها للبيع في أزقة لاقلاسيار وأول ماي وباب الزوار وغيرها من مناطق العاصمة، ومكمن عدم الرضا هو سخط الكثيرين الذين لم يمكنهم الوقت من الاستغلال الأمثل لزيارة هذا المعرض وإشباع النهمة التطلعية ، فماذا يضير القائمين على الشأن الثقافي لو مددت فترة العرض شهرا أو شهرين، إذ أن لسان الحال يكاد يقول '' ماسلم حتى غادر '' أو أنه ''غادر قبل أن يسلم'' حتى.