عرف صالون الجزائر الدولي للكتاب، قبل ساعات قليلة من اختتام فعالياته، إقبالا كبيرا انتبه إليه العارضون والمتتبعون، الذين أجمعوا قبل بدايته على أن الكتاب الديني سيكون، ككل طبعة، على رأس المبيعات.. لكننا وقفنا هذه المرة على حقيقة أخرى هي أن الرواية أيضا وجدت مكانها في قائمة الكتب أكثر مبيعا في ”سيلا 15” بداية جولتنا لاستطلاع الأمر، كانت مع دار ”الآداب” اللبنانية التي حضرت هذا العام وهي تحمل معها عددا من العناوين الروائية لأسماء جزائرية وأخرى عربية، مع حرصها على الرهان على أعمال روائية لأسماء جزائرية، على غرار أحلام مستغانمي هذه الظاهرة الأدبية الجزائرية المغتربة، التي واصلت أسرها لمختلف الفئات العمرية الذين جاؤوا خصيصا لجناح منشورات ”دار الآداب” اللبنانية، لاقتناء سلسلة أعمالها الأدبية بدءا من ثلاثيتها الشهيرة ”ذاكرة الجسد”، ”فوضى الحواس”، ”عابر سرير”، وصولاً إلى”نسيان.كوم”. ورغم أن أسعار هذه الأعمال لا تقل عن 500 دج للعمل الواحد إلا أن الإقبال عليها كان بكثرة، حيث وقفنا طوال فترة المعرض على مدى هوس الجزائريين بهذه الأعمال. وفي هذا الصدد أكدت صاحبة الدار، رنا إدريس، أن الإقبال كان كبيرا على رواية ”ذاكرة الجسد” مثلا، رغم أنها لمست عدم الرضا بين الزوار على المسلسل. وغير بعيد عن مستغانمي، وفي ذات الجناح، استقطبت أعمال الروائي الجزائري واسيني الأعرج، شغف القراء الجزائريين، الذين ورغم غلاء أعماله وخاصة روايته الموسومة ب”أنثى السراب”، التي فاق سعرها ال1000 دج، إلا أن العديد من الطلبة الجامعيين والنخبة المثقفة كانوا حاضرين في المعرض لأخذ أعماله التي عرضتها الدار في جناحها، وهي ذات الملاحظة التي سجلناها في حفل توقيع الشاعرة ربيعة جلطي، في أول عمل روائي لها ”الذروة”، حيث غصّ جناح الآداب بالقراء الذين توافدوا من كل حدب وصوب لأخذ هذا العمل الذي كان سعره لا يقل عن 550 دج. وتوضح رنا إدريس أيضا، أن الإقبال على الرواية يعرف هذه السنة إقبالا موصفته بالممتاز على عكس الطبعات الماضية، وتعتقد أنه يعود إلى ظهور جيل جديد من الشباب الحريص على التعرف على الكتابات العربية بشكل خاص، حيث أوضحت أن الرواية عرفت رواجا أكبر من كتب الشعر وحتى الدراسات الأدبية والأكاديمية، خاصة أنها ترى أن الأسعار كانت مقبولة. من جانبه، أكد القائم على جناح ”دار الفارابي”، التي نفذت العديد من أعمالها الروائية قبل انتهاء أيام الصالون، أن الزوار الذين وقفوا أمام جناح ”الفارابي”، جاؤوا إلى المعرض بعقلية العارف بخبايا الأعمال الروائية الصادرة حديثاً. ويضيف المتحدث أن الدار، رغم سعر الروايات التي تعرضها والتي لم تقل عن 900 دج، إلا أن الزوار اقتنوا العديد من الأعمال الروائية منها، لكتاب جزائريين وآخرين عرب، بالإضافة إلى بعض الأعمال العالمية المترجمة إلى العربية. جناح ”شركة المطبوعات” البيروتية، استقطب أيضا العديد من المثقفين الجزائريين الذين اقتنوا العديد من الأعمال الروائية العالمية المترجمة إلى العربية، وخاصة أعمال الروائي العالمي باولو كويلو الذي تعد الدار الوكيل الحصري لأعماله المترجمة إلى العربية، حيث أكد لنا ممثل الدار أن العديد من أعمال كويلو الشهيرة كرواية ”أحد عشر دقيقة”، وروايات ”المكتوب”، ”بريدا”، ”الخيميائي”، ”الجبل الخامس” و”فيورينكا تقرر أن تموت”، شهدت استقطاب الجمهور الجزائري الذي اقتنى هذه الأعمال رغم أن سعر المؤلف الواحد لا يقل عن 1200 دج. وفي رده على سؤالنا حول أسباب غلاء أعمال الدار بشكل عام وأعمال الروائي البرازيلي كويلو، قال المتحدث إن الترجمة العربية لهذه الأعمال هي الترجمة الأصلية، بالإضافة إلى كون هذه الأعمال تأتي في طبعة جدّ أنيقة، وهذا ما يشكل الفرق بيننا وبين الآخرين -يضيف المتحدث. الروائي بشير مفتي وممثل دار ”الإختلاف”، كان له رأي آخر؛ حيث اعتبر أن أسعار الكتب الروائية في دور النشر العربية مرتفع جدا، وهو ما يستوجب حسبه ميزانية مستقلة لشراء العناوين التي يرغب بها القارئ. أما عن تقييمه لرواج الرواية بالمقارنة مع باقي الكتب التي شاركت بها الدار، في الفلسفة والدراسات النقدية وغيرها، فقد أكد بشير على وجود نوع من التوازن بينها، موضحا أن العناوين الثلاثة الجديدة لهذه السنة، ويتعلق الأمر ب”القاهرة الصغيرة” للروائي عمارة لخوص، وروايته الشخصية ”دمية النار ” و”هلابيل” لسمير قسيمي، تعرف إقبالا متواضعا على الرغم من أن سعرها لا يتجاوز 400 دينار، مضيفا أن أغلب الزوار يكتفون بالفرجة. ومع ذلك فهو لا ينكر أن الإقبال على الرواية يعرف هذه السنة تحسنا ملحوظا بالمقارنة مع الطبعات الماضية، والتي يمكن القول إنها باتت تنافس الدراسات الأدبية والكتب الجامعية. دار ”الشروق العربي” السورية، ارتأت هذه السنة التركيز على موسوعات الأطفال، وهو ما دفعها إلى اقتصار حضورها في الرواية لهذه السنة على جلب عدد من روائع القصص العالمية المترجمة إلى العربية، على غرار أعمال أغاثا كريستي ومرغريت ميتشل وإيميلي برونتي، والأكثر من ذلك وضع تخفيضات تصل إلى 20 بالمائة لدفع القراء على الشراء. إلا أن ممثل الدار لم ينكر أن الرواية نجحت في خلق قاعدة لها وهو ما لمسه في تعامله مع القراء سواء في المكتبات أو المعارض الأخرى التي شارك بها، والتي مكنتها من دخول اهتمامات الجمهور، وهو ما اتضح جليا من الإقبال على الرواية. أما ممثل دار ”المركز الثقافي العربي” المغربية المهتمة بالدراسات الأكاديمية والجامعية، إلى جانب طرح عدد من العناوين الروائية، على غرار ترجمة أعمال ستيفاني ماير في أعمالها ”قمر جديد، خسوف، بزوغ الفجر”، إلى جانب أعمال أخرى لأسماء عربية، على غرار عبد الله العروي والطاهر بن جلون، فيرى ممثل الدار، بالنظر إلى تجربته مع الكتاب أن الرواية بشكل خاص تتمتع عن غيرها من الكتب بكونها تطلب على أساس النصيحة أو شهرة أسماء أصحابها، حيث أعطى المثال برواية ”ذاكرة الجسد” التي يؤكد أن الكثيرين جاؤوا للبحث عنها، وبالتالي فهو يجدد التأكيد على رواج الرواية. أما ممثل دار ”الوسام العربي” الجزائرية، فقد أكد أن العنوان الأكثر مبيعا في الدار هو ”كراف الخطايا” في جزئيه الأول والثاني للكاتب عبد الله عيسى لحيلح. أما عن الإقبال على الرواية فهو يرى، عكس غيره، أن العناوين المعروضة بالجناح وهي لأسماء جزائرية فقط لا تلقى اقبلا كبيرا، فيما يعرف التركيز على الدراسات الأكاديمية والجامعية . ورغم عودة الرواية إلى عرشها، استطاعت كتب اللغة العربية، واللسانيات والنقد والبلاغة، أن تأخذ نصيبها من اهتمام الزائر أيضا، حيث شهدت الأجنحة التي تقدم هذا النوع من الأعمال، مثل جناح دار” عالم الكتب الحديثة” القادمة من الأردن، نفاذ العديد من الإصدارات، وفي حديث جمعنا مع ممثل الدار بالمعرض، أكد لنا أن الإقبال كان غير طبيعي على هذا النوع من الكتب رغم سوء الأحوال الجوية، التي شهدتها أيام الصالون. الجزائري ينفتح أكثر على اللغات الأجنبية في سياق آخر، سجلت كتب تعلم اللغات، إقبالا فريدا من نوعه في مختلف أروقة الصالون، وخاصة الأجنحة التي تعرض هذا النوع من الكتب، حيث تهافت القارئ الجزائري على اقتناء الكتب التي تعلم اللغات الأجنبية أو بمعنى أصح، تلك التي تبتدئ بمصطلح ”كيف تتعلم اللغة ال...في 3 أشهر فقط”، و”دليلك اللغوي إلى..”، و”المرشد إلى..”، حيث أصبحت تشكل اللغات الأجنبية وخاصة الانجليزية، الاسبانية، والايطالية، المرجعية اللغوية القادمة للجيل الجديد من الشباب الجزائري الذين أسرتهم هذه الكتب التي شهدت هذه السنة طبع العديد من الإصدارات الجديدة بحلة أنيقة وإضافات لم تشهدها هذه الأعمال في الطبعات الفارطة، ورغم غلاء تلك الكتب التي لا يقل سعرها عن 500 دج للكتاب الواحد من الحجم المتوسط، إلا أن العديد منها نفذ من أجنحة المعرض، وهو ما سجلناه لدى دار ”الحديث للكتاب” العالمية، والتي تمتلك فروعا لها في العديد من دول العالم العربي والغربي، ودار”الفكر” السورية، حيث نفذت جميع طبعات اللغة الإنجليزية والإسبانية التي أحضرتها إلى الصالون، وهو ما أكده لنا ممثل الدار بالصالون الدولي للكتاب في دورته الحالية، مؤكدا أنه سبق لهم أن شاركوا في الطبعات الفارطة من معرض الكتاب هذا، ولكنهم لم يشاهدوا هذا الإقبال الكبير من قبل زوار المعرض على اقتناء كتب اللغات العالمية، حيث كان في السابق يقتصر اهتمام الجزائريين وخاصة فئة الطلبة والباحثين على اللغة الفرنسية والإنجليزية فقط. كما أوضح محدثنا إلى أن الاهتمام المتزايد على اقتناء هذا النوع من الكتب لم يكن خاصا بفئة الطلبة فقط بل تعدى ذلك إلى ربات البيوت وجميع الفئات العمرية، وهذه خطوة جديدة في سياسة زوار معرض الجزائر للكتاب. كتب الدين.. التجارة الرائجة فرضت مرة أخرى كتب الدين نفسها على القارئ الجزائري، حيث سجلنا نفاد العديد من الإصدارات التي تتناول الفقه، والدين، والسنة النبوية الشريفة، لدرجة أن بعض دور النشر أصبحت أجنحتها فارغة من جراء بيع أعمالها بالجملة، للعديد من الإخوة. ومن الكتب التي عرفت إقبالا واسعا من قبل الزوار، كتاب”لا تحزن”، ”شرح وتفسير القرآن”، وغيرها من الإصدارات التي تركت رفوف أجنحة ”سيلا 15” فارغة. إذا شبعت البطن تقول للرأس إقرأ..! من الملاحظات التي وقفنا عليها في الطبعة الحالية، الإهتمام الكبير من قبل مختلف الناشرين الجزائريين على طبع كتب الطبخ بمختلف أنواعها، حيث وجدت ربات البيوت، فرصتهن لاقتناء عدد معتبر من الكتب التي تقدم أشهر الأكلات المحلية والعالمية، لذلك فقد عمدت أغلب دور النشر الوطنية على تخصيص جزء كبير من أجنحتها لعرض هذا النوع من الإصدارات. ولعل الإقبال الكبير الذي شهدته تلك الدور، جعلها تسارع منذ الأيام الأولى للمعرض على تخفيض أسعار الكتاب الواحد الذي لم يتعدى ال 100 دج. ومن الملاحظات التي سجلناها أيضا لدى وقوفنا على تلك الأجنحة أن الإقبال على تلك الكتب لم يكن من قبل الفتيات وربات البيوت فقط، بل حتى الرجال وخاصة الذين يقطنون بالعاصمة لوحدهم، حيث تعد فرصة اقتناء كتاب الطبخ الوصفة المفيدة لهم التي تغنيهم عن الأكل في المطاعم. هذه الجولة البسيطة بين أجنحة سيلا 15، مكنتنا على الأقل من جسّ نبض القارئ الجزائري الذي أثبت أنه منفتح على كل الثقافات وكل الكتب، ناسفا بذلك مقولة غياب المقروئية.