كعادته خرج مغازلا، بكلمات منسوجة على وتر الرقة والحنان، تحدث أوباما مع العالم الإسلامي في عيده الأكبر، بكلمات ساحرة معبرة، تلفظ بها، كانت كالرسائل والشفرات، فيها من الدقة ما فيها ومن المعاني ما فيها أيضا، حاول النيل بها من الرأي العام للأمة الإسلامية على وجه التحديد، قد يرى البعض فيها ''فأل'' خير على هذه الأمة في حين يراها الآخر منا استخفافا بحالنا نحن المسلمين، وإن لم نكن نحن خيرا لأنفسنا فكيف ننتظر من غيرنا أن يرأف بحالنا. طبعا، أوباما الذي لم تفته الفرصة لتوجيه تهانيه للعالم الإسلامي، تحدث عن شعائر المسلمين، وراح يؤكد أن الديانات السماوية الثلاثة تتفق وتشترك عند نفس القيم والمبادئ السامية والراقية التي يدعو إليها دين الإسلام الحنيف بالذات، حتى أن مسلمي الولاياتالمتحدةالأمريكية والجالية المسلمة هناك، تلقوا جميعا وباسم الشعب الأمريكي أجمع من خلال خطاب أوباما، تهاني العيد، وراحت قصابات ''الحلال'' هناك تفتح أبوابها للناحرين، وسط أكبر منطقة سكنية على الإطلاق ''واشنطن''، المتتبع لاحتفالات المسلمين بعيد الأضحى المبارك بقلب القارة الأمريكية، يشعر للوهلة الأولى ب'' النقص'' ويستحي من هذا الشعب الأمريكي الذي يعي في قرارة نفسه، المثال الذي يقول '' تنتهي حريتي حيث تبدأ حرية الآخر''، ويعتقد الواحد منا أن ما من إخاء وسلام، وما من أمان قد يلقاه الواحد منا إلا وهو بين أحضان أمريكا، بلد الحرية والديموقراطية. لكن الحقيقة والواقع المعاش يقران بغير ذلك تماما، ولعل آخر تقرير أمني وطني نشر بحر الأسبوع الفارط بكندا والذي حذر من مواقف المسلمين المقيمين هناك لخير دليل، مخاوف الكنديين تثير في نفس المسلمين الشعور بالدونية والانعزال على الذات، ومن ثم الرغبة في الانطواء والبحث عن سبل أخرى للتعبير عن ذاتهم، عكس ما يسعى أوباما رئيس الدولة العظمى إلى محاولة نكران وجوده، التقرير الكندي حذر من أن إسلاميين يسعون لإقامة ''مجتمع مواز'' في كندا قد يتسبب في تقويض الديموقراطية والتعددية الثقافية فيها ويكون ''محفزا لأعمال عنف''. ألهذه الدرجة ينظر للإسلام والمسلمين؟؟، لماذا هذه النظرة السيئة التي رسمتها إدارة بوش وتواصل إدارة أوباما ''رغم محاولة نكرانه ذلك'' في ترسيخها بكافة السبل، التقرير الذي رفعت عنه السرية مؤخرا وحصلت عليه صحيفة ''ناشونال بوست'' قال إن بعض الإسلاميين يدعون المسلمين المقيمين في دول غربية الى عزل أنفسهم والالتزام بالشريعة الإسلامية فقط، ونتساءل ما المقصود ب ''الشريعة الإسلامية ''فقط''، هذه الكلمة التي رصدها التقرير، وهل كان يعتقد معدو هذا التقرير أنه بإمكان المسلمين اعتناق غير دينهم، ديانة أخرى مثلا، ما الذي يسعى إليه التقرير في حقيقة الأمر لا يتعدى كونه محاولة للتشويش على راحة وسلامة وكذا أمن المسلمين المقيمين بكندا لا أقل ولا أكثر، تقرير الهدف منه إزعاج الأقليات، وعلى رأس التحديد المسلمين، ومنعهم من مزاولة حقوقهم في أمان، وهم الذين كتبت أقدراهم العيش في غربة عن أوطانهم. فالتقرير الذي نشر على الموقع الالكتروني للصحيفة راح إلى حد التحذير من أنه ''حتى بدون تعبير علني عن استخدام العنف، فان تشكيل جماعات معزولة يمكن أن يؤدي إلى بروز مجموعات محدودة ذات انفتاح محتمل أمام دعوات مؤيدة للعنف''، بل وراح يصف الوضع بالخطير نظرا لرغبة هؤلاء المسلمين ''إقامة دولة خلافة إسلامية''، الأمر الذي أهدشني، أضحكني وآلمني، ووضعني أمام الصورة الفعلية للمجتمع الغربي، الحقيقة المرة التي يرغب أوباما في إخفائها عنا نحن المسلمين في عيدنا الأضحى، عن أي خلافة إسلامية يتحدث التقرير، وعن أي سذاجة، خلافة إسلامية راحت مع ذهاب الأمة العباسية والأموية وما تبعها، فكيف لبضع مسلمين مشتتين فوق أرض الله، تغربوا عن أوطانهم لغاية واضحة، بإمكانهم بناء أمة وخلافة إسلامية تقوض تماسك الدولة الكندية وقدراتها، ألهذه الدرجة يعتقدون أن المسلمين ''خطر'' عليهم وبإمكانهم ''ألحاق الضرر'' بهم؟؟، لن ننكر أن ما من مجتمع يخلو من المتشددين، المرضى والمحبين للدماء، لكن أن يوصف المسلمون وحدهم دون غيرهم بذلك، فهذا الذي ظل ولا يزال يعمق فارق الهوة التي ما فتئت تزيد حجما بيننا كمسلمين وبين الديانات الأخرى، وإن كان الجميع يعلم أن حقيقة الإسلام دين التواصل والحوار والتسامح.