مع هبوب نسائم الاحتفاء بالذكرى 178 للمبايعة الأولى للأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، لا يختلف اثنان على المضامين المعرفية والثقافية لمثل هذه الوقفات الحاثة لأهلها من أجل تشغيل مناظير امتداد هذه الأمة وجذورها العريقة. والوقوف عند هذه الشخصية الفذة التي جمعت بين جهاد السنان والبنان رسالة واضحة في أكثر من دلالة على أنموذج الإنسان الجزائري الذي يستغل نظرته ثلاثية الأبعاد العقلية والواقعية والعاطفية في صناعة موروث والدفع بدفة المجتمع إلى بر الأمان سياسيا وثقافيا واجتماعيا بعقلية ممانعة. تذكرت هذه المعاني في خضم مساندة بعض الفلسطينيين لحق العودة لما يسمى بيهود الجزائر نحو بلادهم أو هكذا زعموا، لكي يعامل اللاجئون الفلسطينيون بالمثل، رغم أن القاصي والداني يعرف من هم يهود الجزائر ومن منهم هاجر إلى أرض الميعاد بعد أن قدِم جلهم مع قوافل المعمرين المحتلين أو انخرط طرف كبير منهم في ''التبياع'' والكيد للجزائريين خدمة للاستعمار، والحمد لله أن كتب التاريخ طافحة بهذه المشاهد البشعة التي يندى لها الجبين، حتى أن شيكسبير لم يكن بدعا في نظرته لهم في تاجر البندقية ويمكن إضافة تجارة القمح ومروحة الداي وقانون كروميو وهلم جرا. هذه النظرة الممانِعة -إذا صح التعبير- والمتأصلة في الضمير الجمعي للجزائريين والتي لا تنسحب بطبيعة الحال على الاستثناءات، لا يمكن لأي كان أن يخترقها ما دامت عبارة ''يهودي'' شتيمة عندنا، ولا تذكر إلا مقرونة بألفاظ الغسل الأكبر المعنوي المتمثل في ''حاشاك''، ومن رأى في نفسه كرما حاتميا فليتصرف مع ذلك اليهودي بمعرفته، وإذا أراد أن يتكرم به علينا، فلن نقول له غير احتفظ به لنفسك ''حاشاك'' ما دمت ترى في مثل هذه التصرفات طريقا من طرق المقاومة.