لقد أجريت لي عدة عمليات، ومنعني الطبيب من الصيام، وصمت بعد العمليات بسنتين وتعبت من ذلك الصيام، وأنا رجل عاقل، فهل يصح لي أن أتصدق بدل الصيام؟ وهل يصح لي أن أعطي نقوداً لبعض الضعفاء والمحتاجين نظير إفطاري في نهار رمضان؟ الجواب: أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض، لقوله تعالى: ''شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر'' البقرة:185 فبالنص والإجماع يجوز الفطر للمريض، ولكن ما المرض المبيح للفطر، إنه المرض الذي يزيده الصوم، أو يؤخر الشفاء على صاحبه، أو يجعله يتجشم مشقة شديدة، بحيث لا يستطيع أن يقوم بعمله الذي يتعيش منه ويرتزق منه، فمثل هذا المرض هو الذي يبيح الفطر، فيل للإمام أحمد: متى يفطر المريض ؟ قال: إذا لم يستطع. قيل له: مثل الحمى ؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى ؟ وذلك، أن الأمراض تختلف، فمنها مالا أثر للصوم فيه، كوجع الضرس وجرح الإصبع والدمل الصغير وما شابهها، ومنها ما يكون الصوم علاجاً له، كمعظم أمراض البطن، من التخمة، والإسهال، وغيرها فلا يجوز الفطر لهذه الأمراض، لأن الصوم لا يضر صاحبها بل ينفعه، ولكن المبيح للفطر ما يخاف منه الضرر. والسليم الذي يخشى المرض بالصيام، يباح له الفطر أيضاً كالمريض الذي يخاف زيادة المرض بالصيام. وذلك كله يعرف بأحد أمرين: إما بالتجربة الشخصية. وإما بإخبار طبيب مسلم موثوق به، في فنه وطبه، وموثوق به في دينه وأمانته، فإذا أخبره طبيب مسلم بأن الصوم يضره، فله أن يفطر، وإذا أبيح الفطر للمريض ولكنه تحمل وصام مع هذا فقد فعل مكروهاً في الدين لما فيه من الإضرار بنفسه، وتركه تخفيف ربه وقبول رخصته، وإن كان الصوم صحيحاً في نفسه، فإن تحقق ضرره بالصيام وأصر عليه فقد ارتكب محرماً، فإن الله غني عن تعذيبه نفسه. قال تعالى: ''ولا تقتلوا أنفسكم. إن الله كان بكم رحيماً'' النساء:29. بقي شيء من سؤال السائل وهو: هل يجوز له أن يتصدق بدل الأيام التي أفطرها وهو مريض ؟ فنقول له: المرض نوعان: مرض مؤقت يرجى الشفاء منه وهذا لا يجوز فيه فدية ولا صدقة، بل لابد من قضائه كما قال تعالى: ''فعدة من أيام أخر'' فإذا أفطر شهراً فعليه شهر وإذا أفطر يوماً فعليه يوم، فإذا أفطر أياماً فعليه أن يقضي مثلها حين يأتيه الله بالصحة وتتاح له فرصة القضاء.. هذا هو المرض المؤقت. أما المرض المزمن فحكم صاحبه كحكم الشيخ الكبير والمرأة العجوز إذا كان المرض لا يرجى أن يزول عنه. ويعرف ذلك بالتجربة أو بإخبار الأطباء فعليه الفدية: إطعام مسكين. وعند بعض الأئمة - كأبي حنيفة - يجوز له أن يدفع القيمة نقوداً إلى من يرى من الضعفاء والفقراء والمحتاجين .