قرارات الحكومة الفرنسية تتعاظم وتتكالب، حتى صارت تخلط الحابل بالنابل، وبعدما كانت فرنسا أرض الهجرة ورافعة شعار ''الديمقراطية، المساواة، الأخوة''، صارت تحرم المهاجرين من مجانية العلاج بمستشفياتها، رغم أنف الجمعيات المناهضة لهذا القرار ورغم أنف الرافضين عموما، بحكم ثقل الميزانية الموجهة لهذه الخدمات.. أيعقل، أن لا تجد الحكومة الفرنسية بديلا يسد هذا الخلل، وتحرم دون سابق إنذار ملايين المحرومين والمواطنين الذين يقفون على عتبة الفقر في فرنسا من خدمة تعد اليوم من أهم الخدمات التي لا طالما تغنت بها فرنسا، فرسمت لنا عنها تلك الصورة المفصلة ل''جنة الخلد''، وكأن من سيدخلها ما عاش قبلا ألما ولا حرمانا قط .. البعض اعتبره تجاوزا سياسيا، ولكن الحكومة الفرنسية في حقيقة الواقع، ما فتئت تضغط بقراراتها الصادرة الواحدة تلوى الأخرى، على فئة المهاجرين، هذه الفئة التي يمثل الجزائريون فيها أكبر نسبة، فما يعادل مليوني جزائري يقيم حاليا بفرنسا، رقم ثقيل يحتاج إلى إعادة نظر سريعة من قبل الحكومة الفرنسية، وهذا ما تعمل فعلا على تعديله، بالضغط تارة والتأنيب والتخويف تارة أخرى. ما تصنعه حكومة ساركوزي بالمواطن الفرنسي ما عاد يحتمل، فجل الإحصائيات والأرقام والتحاليل ما عادت تنبئ بالخير، وما عاد يهم إن كانت سقطات الحكومة الفرنسية متعمدة لضرب الجزائريين، أم اعتباطية لحل ما تفاقم عليها من أزمات، حتى عاشت البلاد ما عاشته السنة الفارطة من مسيرة مليونية لنقابات العمال والطلبة. الوضع غير المبشر بالخير بفرنسا، يؤثر لا محال على الجزائريين والجزائر، بحكم تلك القرابة ''التاريخية'' التي تربط البلدين، ومن ثم بحكم كل ما تبقى من روابط اقتصادية وسياسية متتالية. وكلما تحركت الحكومة الفرنسية، يتصور أن تتحرك الجزائر وترد، معاملات فرنسا للجزائريين بمثل هذه التصرفات، يكاد لا يتعدى كونه رغبة قوية في الحصول على ردود فعل رسمية من الحكومة الجزائرية، استفزاز واضح، و''مع سبق الإصرار والترصد'' يعمل على إخراج الحكومة الجزائرية من صمتها ورزانتها، وهو ما يحدث فعلا مع آخر قرار صبياني اتخذته فرنسا للحد من عدد المهاجرين، بعدما لم تفلح معها على ما يبدو صرامتها في التعامل مع المهاجرين المسلمين بالدرجة الأولى ، إذ لا يعقل أن تحرم فرنسا أحدا من العلاج المجاني، ما لم يكن المسلمون في الواجهة، حتى يكونوا بالفعل كبش الفداء دون منازع.