يتضح من خلال دراسة سياقات المجتمعات والأفراد أن المرء لا يخالف طبيعته التي شب وكبر عليها، وأن الخلائق التي تعودها المرء سنين عددا يندر وقد يستحيل أن يتصرف المرء بخلافها بعد انحناء الظهر، ويستوي في هذا الفعل القبيح والتصرف المليح، وقديما ضج أحد الأندلسيين الذي شهد فتنة بني الأصفر ومناكرهم التي أذاقوها أهل تلك البلاد فارتسمت في مخيلته صورة الآباء الذين ملكوا وقدروا فعفوا والذين دالت لهم الدولة بعد سقوط آخر دويلة في الأندلس فكادوا يبيدون العرب والمسلمين عن بكرة أبيهم فقال : ملكنا فكان العفو منا سجية فلما ملكتهم سال بالدم أبطح ولا عجب هذا التفاوت بيننا فكل إناء بالذي فيه ينضح وقد تطلب شططا إذا تصورت أن ينهج حاكم الفراعنة سبيل الحسن بن علي الذي تنازل عن حقه في الخلافة حقنا للدماء، وصونا للحقوق، وهو في ميعة الشباب وريعانه، فكيف بتشبث من أضحت الأيام في حقه معدودة تشبثا منكرا بالسلطة، مرددا مقولة الأول ''أنا ومن بعدي الطوفان''، وأن يشعلها داحس والغبراء، في سبيل أن يحقق مثل ابن المقفع في من أراد الوصول إلى تحقيق الأرب عبر إحداث الشغب، والتحريش بين الأخوين حتى يتسنى للص الدار أن يسطو على بقية ومتاع الشعب المنهك، ورحم الله آباءنا الذين تركوها حكمة ومثلا سائرا لما قالوا: أن ''خائن الدار مايتعس''.