فئات غير تكفيرية تمتهن إسقاط " الأفكار المعتدلة " تحت لواء " مداهنة السلطة " على رغم أن الباحث بدأ نشاطه الفكري متطوعاً، إلا أنه لكثرة ما يتردد من تهم "مجاملة السلطة"، عند الحديث عن موضوعات الغلو والعنف، لدى بعض طلبة العلم، احتاج إلى طرح تساؤلات، يستبق بها، من يحاولون إسقاط الأفكار قبل مناقشتها، بدعوى اتحادها مع نهج السلطة، في كتابه " النذير " ، الذي خص " الشروق " به حصرياً ! * وأشار إلى أنه لاحظ فترة انشغاله بمكافحة الفكر التكفيري، أنه يتبادر إلى ذهن بعض الناس "أن النقد لأخطاء أولئك الأشخاص أو تلك الجماعات في بعض الجوانب العلمية أو العملية إنما هو انحياز للأنظمة والحكومات بغير حق، ومداهنة لها، ويخوضون في النوايا والمرادات القلبية التي لا يطلع عليها إلا علام الغيوب، الأمر الذي يصرف بعض أولئك عن النظر في حقيقة ذلك النقد، والتأمل في أدلته، وتهيئة النفس لقبوله متى ما ظهر صوابه، وهي تهم تأتي تصريحاً تارة، وتلميحاً أخرى". * وأكد أن دور العلماء إن كان الاعتذار عن "الأنظمة" بغير وجه حق، إلا أن وظيفتهم كذلك "ليست القيام بالثورات العسكرية والعمليات الانتحارية وإثارة الفتن والقلاقل وإثارة الرعب في نفوس الناس والتخطيط السري للانقلابات وزعزعة الأمن ونشر الفوضى". وفي ما يلي نص حوار معه . * على أن موضوع الحوار، هو صدور كتاب جديد لك يتناول مسألة الغلو والتكفير، إلا أننا في البدء نرغب سؤالك عما خص "الجزائر" في هذه القضية، وهي إحدى الدول الإسلامية التي نالها نصيبها من العنف، خصوصاً قبل "المصالحة"؟ * العنف الذي يستمد قواعده من الفهم الخاطئ للدين، عبر الثورة على الحكام، تحت أعذار كثيرة، تضررت منه دول وشعوب إسلامية عدة، فأهلك الحرث بسبب ذلك والنسل، وكانت الجزائر واحدة من تلك الدول. والحقيقة أن علماء السعودية، خصوصاً الكبار منهم مثل الشيخ عبد العزيز بن باز، ومحمد بن عثيمين كانوا سباقين في دعوة حملة السلاح في الجزائر إلى لزوم جماعة المسلمين، وترك حمل السلاح، وتجنب سفك دماء المسلمين، وعدم الخروج على ولاتهم، حتى وإن وجدوا منهم ما لا يرتضون، فمنهج أهل السنة والجماعة في عدم الترخيص في الخروج على الحكام، منشور في كتبهم مبثوثا. والأيام أثبتت فيما بعد أن ما دعا إليه العلماء الربانيون في بداية الأمر، هو الحق، والدليل على ذلك أن الكثير ممن كانوا يعارضون أقوالهم، عادوا يقررونها، بعد أن تبين لهم الحق. كما أن الذين ركبوا أهواءهم واحتكموا إلى السلاح، حتى اليوم لم نجد أي نتيجة حميدة، تذكر لهم، فتشكر . ولذلك كان من المهم محاسبة النفس، والعودة إلى نصوص الكتاب والسنة، وعلماء الأمة الراسخين، الذين يبينون شرع الله . * ولكن في الآونة الأخيرة، تم إقرار عقد مصالحة في الجزائر، قللت من العنف، فكيف ترى هذا النهج؟ * نحن تابعنا التطورات التي قامت في الجزائر، ولا شك أن الوفاق والعودة إلى تحكيم الشرع والعقل هو الأقوم، والله أمرنا بأن لا نتبع الهوى، وأن نرد ما اشتبه علينا إلى الله والرسول وإلى أولي الأمر منا. والواقع الجزائري على الأرض يصدق قول الله جل وعلا بأن "الصلح خير". ومهم أن يؤسس هذا الصلح على قواعد متينة، ويتم تعاهده بالإصلاح والحوار، والإرشاد والتوجيه. فأكثر ما يدفع الناس إلى الضلال هو الجهل بمنهج الإسلام في التغيير، وفي الحكم والسياسة، مع أنها جميعاً مقررة في الشريعة، مفصلة من جانب علماء الإسلام الربانيين. * قبل فترة قصيرة أيضاً دعا مجموعة من المسلحين السابقين، زملاءهم الذين لم يزالوا في " الجبال " إلى النزول للمجتمع وترك حمل السلاح؟ * هذه دعوة نباركها، ونثمنها، ونرى أنه سيكون لمن يأخذ بها له مستقبل مشرق، فالمضي على الخطأ خطأ أكبر من الخطأ. ولو جلس حملة السلاح مع العلماء وأهل الرأي والفكر، لبان لهم أن شرع الله ليس كما رأوه، وأنهم إن كان يريدون الإصلاح فسيجدون له أبواباً غير حمل السلاح، وسفك دماء المسلمين، وتفريق كلمتهم . * ألا يوجد أخطاء ومخالفات وذنوب حقيقية للحكومات والأنظمة القائمة في العالم الإسلامي؟ أم أن الأخطاء والمخالفات فقط هي أخطاء الشباب المسلم وأخطاء الجماعات الإسلامية؟ * لا شك في وجود الأخطاء والذنوب الكبيرة والصغيرة من قبل الحكومات، وإذا كان الفرد بطبيعته خطاء أي كثير الأخطاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، فالحكومات وهي مؤسسات تتضمن مئات الأفراد لا شك أن أخطاءها ستكون أكثر وأظهر، هذا إذا افترضنا حسن النية وهو الأصل في جميع الأفراد القائمين على تلك الحكومات، فكيف إذا وجد فيها من ليس كذلك وهذا لا يخل منه عصر من العصور .ثم إن الحكومات ليست على مستوى واحد من إقامة العدل ورعاية الشريعة، وهي تختلف كاختلاف الأفراد أنفسهم، فليس من جعل دستوره الشريعة الإسلامية ومنهجه المحافظة على شعائر الدين كمن قصر فيها أو أقصاها1ثم إن معالجة هذه الانحرافات إنما تكون وفق منهج الأنبياء في الدعوة والإصلاح، كما قال تعالى عن شعيب عليه السلام (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) هود 88، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد عاش الأنبياء عليهم السلام في مجتمعات شركية فسلكوا سبل الإصلاح من أبوابها بالدعوة والتعليم والتبليغ والنصح كما قال تعالى عن صالح عليه السلام (وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) الأعراف79، فإن استجابوا فذلك غاية ما ينشده المصلحون وإن لم يستجيبوا فقد برئت ذمة الناصح وليعلم أنما يتبعون أهواءهم كما قال تعالى (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) القصص50، وما عليه أن يكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ولن تغلب مشيئته مشيئة الله إذا شاء أن لا يهتدوا . * إن سلوك منهج التغيير بالعنف والتخريب وسفك الدماء والخروج على الجماعة والطاعة وإثارة الفتن ليس من منهج الإصلاح في شيء وإفساده أكثر من إصلاحه، ووقوع أصحابه في أنواع من الظلم أغلب من إقامتهم للعدل الذي ينشدونه، فضلا أن كثيرا من هذه الثورات مصيرها المحتوم هو الفشل كما هو معلوم وواقع . * أما الجزء الثاني من السؤال فكما أن الحكومات ليست منزهة عن الخطأ وليست معصومة منه وليست على درجة واحدة في أخطائها، فكذلك الشباب والجماعات الإسلامية ليسوا منزهين عن الخطأ ولا معصومين من الوقوع فيه، وليست أخطاؤهم على درجة واحدة أيضا، ولا ينبغي للمسلم أن يبرئ نفسه ويتهم الآخرين والله تعالى يقول ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ) * ويثبت لنا التاريخ وتؤكد لنا التجارب والأحداث القديمة والجديدة أن الانحراف عن منهج الأنبياء عليهم السلام في الإصلاح والتغيير والاشتغال عنه بالتفكير والتدبير للقفز إلى زمام السلطات بعيدا عن تعبيد الناس لرب العلمين لا يحقق إصلاحا ولا يثمر تمكينا وإنما يثير الفتن ويكبد الناس الخسائر في دينهم ودنياهم ويزيد من الشر والفساد . * هل وظيفة العلماء هي الاعتذار للحكومات والأنظمة القائمة؟ * وظيفة العلماء والدعاة هي تعليم الناس الخير، وعلى رأسه توحيد الله تعالى وتحذيرهم من الشر وعلى رأسه الشرك به تعالى، ودعوتهم إلى الفضيلة واتباع المرسلين، وليست وظيفة العلماء القيام بالثورات العسكرية والعمليات الانتحارية وإثارة الفتن والقلاقل وإثارة الرعب في نفوس الناس والتخطيط السري للانقلابات وزعزعة الأمن ونشر الفوضى * إن العلماء هم ورثة الرسل والأنبياء لا يسألون الناس أجرا ولا يحسدونهم على دنيا وإنما هم دعاة هدى ومصابيح دجى يسعون في تعليم الناس الخير وينهونهم عن الشر، وما يريدون إلا الإصلاح للأفراد والمجتمعات والدول، وليس صحيحا أنهم يعتذرون لأخطاء الحكومات أو لأخطاء الأفراد والجماعات بغير حق، وإنما يصدقون مع الجميع وينصحون للجميع حكاما ومحكومين، لأن منهجهم يقوم على الإصلاح والنصيحة، كما جاء في الحديث (الدين النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله، قال لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم). * والتاريخ زاخر بمواقف العلماء الناصحين والأئمة الصادقين قديما وحديثا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح في ذلك للعامة والخاصة بالأسلوب المناسب والطرق الصحيحة، دون أن يخرجوا بذلك عن حدود الشرع فيثيرون الفتن ويوقظوها في الناس. وكما أن الأخطاء والمخالفات والذنوب يناصح أصحابها النصيحة العامة والخاصة بالأسلوب المناسب حسب المقام بما يحقق المصالح ويقلل المفاسد فكذلك يناصح ويحتسب على من أخطأ في المعالجة وخالف الشريعة في الاحتساب، لأن ذلك انحراف عن الصواب وداخل في عداد المنكرات كما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى . * وإذا بذل المسلم ما عليه في حدود استطاعته ونصح للآخرين، فلا عليه إن لم يقوموا بوظيفتهم وواجباتهم سواء كانوا من الحكام أم من سائر الناس ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها . * قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ومن كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه والدعاء للأمة، ومحبة الخير وفعل ما يقدر عليه من الخير، لم يكلف ما عجز عنه) . * هل انحصرت جميع أسباب الغلو في مخالفات الشباب والشبهات الشرعية لديهم، ألا يوجد أسباب أخرى دفعت بعض الشباب إلى الغلو غير الشبهات الشرعية؟ * لا، لم تنحصر جميع أسباب الغلو في مخالفات بعض الشباب وليس السبب الوحيد في غلو بعض الشباب هي الشبهات الشرعية، بل أسباب الغلو كثيرة جدا، منها أسباب مباشرة ورئيسة، ومنها أسباب غير مباشرة وثانوية، فهناك الأسباب التربوية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، لكن لا شك أن الشبهات الشرعية لها أثر في نسبة ذلك الغلو للسبب الديني، لعدم تصريح من يتبنى العنف بالأسباب الأخرى مع وجودها بلا شك، والجواب المقنع عن الشبهات التي يحتج بها الغلاة أمر واجب في دعوة أصحابها للرجوع إلى الحق والتصحيح، وفي تحصين الشباب من تلقف هذه الشبهات والاغترار بها، وكذلك هو دفاع عن دين الإسلام أن ينسب إليه ما ليس منه فيستغل أعداء الإسلام هذه المخالفات في تشويه صورة الإسلام نفسه كما هو حاصل في كثير من وسائل الإعلام. * ولا يجوز بحال أن يسوغ التكفير والتدمير بذريعة وجود تقصير في بعض الجوانب الاجتماعية أو الاقتصادية فلا علاقة بين هذا وهذا، فالتقصير يعالج بالنصح والتوجيه والإصلاح بوسائله الشرعية، وهل يرضى عاقل أن يدمر بيته ويحرق بسبب وجود بعض جوانب القصور فيه، والبيعة الشرعية لولاة الأمر بالسمع والطاعة ليست مقيدة أو معلقة بعدم وجود تقصير في جانب من الجوانب، بل تكاثرت النصوص في وجوب السمع والطاعة وإن حصلت الأثرة ووقع شيء من الظلم والنقص في حقوق الناس تقديما للمصلحة العامة في استقرار حياة الناس وإغلاق أبواب الفتن على المصلحة الخاصة . * عشرة أصول ل " التحصين " من " الغواية .. تمنح القدرة على " المواجهة الذاتية " * بين الفصول التي اعتنى بها الباحث في كتابه، فصل أشار فيه إلى "الأصول الشرعية في مواجهة الشبهات"، وهو الفصل الذي يعني بالدرجة الأولى كل المهتمين بالتحصين الذاتي، لأنفسهم أو لذويهم، في وقت، كثرت فيه الشبهات بأنواعها، وكذا الفتن. * وبدأه الباحث بتعريف الشبهة، وأنها "مأخوذة من الاشتباه وهو الالتباس، واشتبهت الأمور وتشابهت: التبست فلم تتميز ولم تظهر. والشبهة قد تكون في الدليل وقد تكون في المدلول، فالشبهة في الدليل: هي ما يخيل للناظر أنه حجة وليس كذلك، والشبهة في المدلول: هي ما لم يتيقن كونه حراما أو حلالا. وسميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق وتشبه الأدلة الصحيحة، ففيها شيء من النصوص والفتاوى المقتطعة من سياقها وواقعها، فيظن الظان أنها أدلة لشبهها بها، وحقيقتها ليست كذلك، لعدم موافقتها لأصول الاستدلال عند أهل العلم، وذلك لأن أصحابها عمدوا إلى تحريفها واقتطاعها عن بقية نصوص الشريعة وعن مقاصدها وقواعدها، فضربوا أدلة الشريعة ببعضها كما هي طريقة أهل الأهواء " . أما أبرز تلك الأصول، فهي : * * تحريم القول على الله بلا علم: الخوض في الشريعة من غير علم من أعظم الذنوب والموبقات وقد قرنه الله تعالى بالشرك به، كما في قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف33 . * * وجوب الرد في مسائل الشريعة إلى أهل العلم المعتبرين: أهل العلم هم ورثة الأنبياء الذين أمر الله تعالى بسؤالهم والرد إليهم في مسائل الشريعة كما في قوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر) النحل 43، قال القرطبي رحمه الله: (لم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها وأنهم المراد بقول الله عز وجل : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) النحل 43 * * تحريم الافتئات في مسائل السياسة والقضايا العامة على اختصاصات ولاة الأمر: القضايا العامة هي المسائل المتعلقة بعموم الناس ومنها مسائل السياسة وأخصها مسائل الحرب والسلم، وهي مسائل عظيمة جدا جاءت الشريعة بحفظ نظامها ورعاية أحكامها بالسياسة الشريعة لتعلقها بحياة الناس ومصالحهم الدينية والدنيوية، ولذلك أوجبت الشريعة إقامة الولاية وتنصيب الأئمة، فلا قيام للدين ولا للدنيا إلا بولاية ولا ولاية إلا بتنصيب قائد يتولى هذه الولاية ويقودها مهما اختلفت تسميته (خليفة أو إمام أو سلطان أو أمير أو ملك أو رئيس أو غير ذلك)، ولهذا القائد بهذا الاعتبار أي باعتباره وليا لأمر المسلمين اختصاصات وصلاحيات ليست لغيره من سائر الناس، وطاعته فيها بالمعروف واجبة على جميع من تحت ولايته كما جاءت النصوص من الكتاب والسنة بذلك، ولذا جاء في الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة ولا إمارة إلا بسمع وطاعة ) . * * الحذر من أهل الأهواء والشبهات ومواقعهم: الواجب على المسلم أن لا يعرض نفسه للفتن والشبهات وأن لا يقترب من حماها، فإنه إن اقترب من حماها وقع فيها كما في الحديث ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه)، وهذه قاعدة عامة نافعة في وقاية النفس من مظان الخطر، دل عليها قول الله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) الأنعام 68، * وقد انتشرت الشبهات حول القرآن والسنة والعقيدة الإسلامية، والشبهات المتعلقة بالغلو والتطرف أو الإرجاء والتفريط، خاصة بعد ما ظهرت وسائل الاتصال والمعلومات الحديثة كالفضائيات والإنترنت، وتعددت المواقع التي تروج للشبهات المختلفة، فالواجب على المسلم الذي لم يتأهل بالعلم الشرعي ولم يتمكن فيه أن يتجنب الدخول على مواقع الشبهات فيعرض نفسه وعقله للخطر لعدم قدرته على تمييز الأدلة الشرعية، وما وقع كثير من الناس في حبال الشبهات إلا حينما حملهم الفضول على الدخول إلى مواقعها والاطلاع عليها، فلم يفطنوا لأنفسهم إلا وقد تورطوا بحبالها ووقعوا في شراكها وتعسر عليهم الخروج منها . * * وجوب رد المتشابهات إلى المحكمات: وهذه قاعدة نافعة وأصل عظيم، يقي المؤمن بها نفسه من الشبهات ويميز بها الأمور الملتبسات، يقول تعالى (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ) آل عمران7 . * * وجوب الجمع بين النصوص وخطورة اجتزائها عن بعضها أو ضرب بعضها ببعض: الشريعة الإسلامية شريعة كاملة، جاءت لتفصل الحق من الباطل، وتبين الهدى من الضلال، وتحقق مصالح الناس في دينهم ودنياهم، ونصوصها متكاملة مع بعضها البعض، لا يعتورها النقص والخلل، ولا يدخلها التناقض والاضطراب، أحكامها عدل وحق، وهي موافقة للعقل الصريح، والفطرة السليمة، والمصلحة البشرية، ذلك لأنها وحي من الله تعالى أحسن الحاكمين، قال تعالى: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) يونس109 وقال تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) النساء82 . * إذا تقرر ذلك فالواجب على المسلم أن يحذر من الانتقائية في النصوص، بمعنى أن يأخذ منها ما يوافق هواه ويرد مالا يوافقه. ومن ذلك الجمع بين النصوص المتعلقة بالولاء والبراء مع النصوص التي فيها الإذن بالتعامل مع غير المسلمين بالبر والإحسان وفهمها وفق الحالات التي ذكرها العلماء في تفسيرها وعدم مضاربتها ببعضها، وكذلك النصوص المتعلقة بالأمر بالقتال والنصوص الأخرى التي تدل على ضوابط هذا القتال أو تدل على مشروعية العهد والسلم ونحوها من النصوص التي يشكل فهمها على بعض الناس ولا يستطيع الجمع بينها بوجه صحيح فتكون سببا في انحرافه عن الحق والعياذ بالله . * * النظر في المآلات وعواقب التصرفات: بنيت الشريعة الإسلامية على قاعدة تحصيل المصالح ودرء المفاسد حتى عد علماء الإسلام هذه القاعدة أعظم قواعد الشريعة وأولاها مراعاة، وأدلة الشريعة التي تؤكد أصل اعتبار المآلات والنظر في عواقب التصرفات في الشريعة الإسلامية كثيرة جدا كما في قوله تعالى (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) الأنعام . * قلت: ولو اعتبر كثير من الشباب هذا الأصل الشرعي وتأملوا في نتائج تصرفات الغلاة ومآلات أعمالهم وما تسببت فيه من مفاسد لا يمكن حصرها على أنفسهم وعلى أسرهم وعلى المسلمين والعمل الإسلامي بعامة لعلموا مخالفتهم للشريعة وبعدهم عن فقه مقاصدها. * الفقه في التعامل مع الفتن والنوازل: النوازل: هِي الأمور الكبار التي تنزل بالأمة، وقورنت بالفتن؛ لأن النوازل الكبار يقع فيها الاختلاف بين العلماء وبين الناس، ويكثر الخوض فيها بالعواطف والحماسات، وقد وضع العلماء أصولا علمية في التعامل مع النوازل والفتن والأزمات تحمي المسلم بإذن الله من الزلل فيها، نذكر بعضا من ذلك على سبيل الإيجاز والاختصار: "الرد إلى أهل العلم الراسخين في مسائل الشريعة. التأني والرفق والحلم وعدم العجلة. التزام جماعة المسلمين وإمامهم والحذر من الفرقة والاختلاف. التزام العدل والإنصاف: التزام الأدلة الشرعية ومنهج أهل العلم في الاستدلال على المسائل الشرعية"، مشيراً إلى مصادر معينة، ربما تدفع بعض الناس إلى الوقع في الفتنة، وبين أكثرها انتشاراً في العقد الماضي والحالي "الأحاديث الضعيفة والموضوعة إلى جانب الرؤى والمنامات والكرامات والإشاعات". * ومضى في سرد الأسباب المعينة على تجاوز الفتن بأمان وأضاف من بينها "الحذر من العجلة في تنزيل أحاديث الفتن وأشراط الساعة على أحداث بعينها لأن وقوعها من الغيب الذي لا يستطيع الإنسان الجزم به لكثرة تشابه الأحداث والنوازل، وهذا لا يعني عدم الإيمان بأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم سيقع . الاشتغال بالعبادة والعمل الصالح عن الخوض في الفتن . الاستعاذة بالله تعالى من الفتن ". * روى ل " الشروق " نماذج من غلاة حاورهم فعادوا بعد تحريرهم من شبه شتى * المرسال : كتابي راجعه إرهابيون سابقون .. وسماه وزير " الشؤون الإسلامية " * روى المدير العام للتوعية العلمية والفكرية في وزارة الشؤون الإسلامية الدكتور ماجد المرسال، تجاربه مع غلاة حاورهم فعادوا بعد تحريرهم من شبه شتى، وهي نماذج لم ينشرها في بحثه المثير للجدل الذي أخرجه حديثاً، وتوج به تجربته الغنية في محاورة المتطرفين في السجون والشبكة المعلوماتية " الانترنت " . * وحكى المرسال ل "الشروق" قصة كتابه "النذير"، الذي خصها بعرضه قبل طرحه للنشر. وقال: "من بداية الأحداث في السعودية والجميع يتحدث عن شبهات الغلاة وأنها سبب رئيس من أسباب نشأة الغلو والعنف في المملكة وكانت هناك جهود طيبة ومحاولات للرد على الشبهات من جهات كثيرة لكن على بعضها ملحوظات مهمة جعلتها غير مؤثرة. من أبرز هذه الملحوظات أن بعض هذه الردود عامة في تحريم تكفير المسلم أو قتله بغير حق أو قتل المعاهدين بغير حق، فإذا قرأه الغلاة قالوا نحن لا نخالف في ذلك ونرى أن تكفير المسلم أو قتله أو قتل المعاهد بغير حق حرام ولا يجوز، لكننا نكفر ونقتل بحق ثم يذكرون لك الشبهات التفصيلية المتعلقة بالنواقض والتي لا يقنع فيها الكلام في التأصيل العام والردود العامة دون مناقشة المسائل التفصيلية " . * ووثق أن "بعض الردود تتفق مع الغلاة في تقرير أصولهم المتطرفة وتؤصل تكفير الحكومات ووجوب مقاتلة الكفار لكن تخالف الغلاة في التوقيت، وأن اختيار التوقيت لا يوافق قاعدة المصالح والمفاسد، وهناك ردود أخرى ترد بأسلوب مثير في استهداف بعض الرموز العلمية أو الدعوية أو حتى الجهادية ووصفهم بأبشع الأوصاف ويغفلون عن المناقشة العلمية للشبهات مما يجعلهم يرسخون الشبهات أكثر ويدفعون أصحابها إلى التمسك بها بسبب الإستفزاز " . * وأضاف "شرعت في جمع الشبهات والرد عليها بتوجيه من معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ قبل خمس سنوات وبلغت إحدى وثلاثين شبهة مؤثرة في نشأة الفكر المغالي. ومنهجي في الرد تضمن العرض الموضوعي الموجز للشبهة دون أي إخلال أو تشويه لها ثم تفكيكها وبيان ما فيها من الخطأ بالأدلة الشرعية والعقلية والواقعية وتأصيل المسائل تأصيلا علميا واضحا وأكثرت النقولات عن العلماء على صحة ما جاء من ردود وتأصيلات شرعية. وافتتحت الكتاب بفصل عنونت له ب( تساؤلات مشروعة) لأن هذه التساؤلات لا تأتي غالبا من الغلاة، وإنما من المتعاطفين معهم الذي يرون أن مجرد الرد على الشبهات هو مداهنة للحكومات ويدخلون في النيات والمقاصد ونحو ذلك " . * أما أطرف من راجع الكتاب فقال عنهم "كثير من العلماء والمختصين ذكرت بعضهم في مقدمته بل عرضته على بعض الشباب الذين تم الافراج عنهم في قضايا الفكر المتطرف وذكروا أن هذه الشبهات فعلا هي التي أوقعتهم في التطرف وأن الردود مقنعة جدا، وذكروا بعض الملحوظات أخذت بالاعتبار ومنها طلبهم زيادة الأدلة والتفصيل في بعض المسائل المتعلقة بالجهاد وفعلت ذلك " . أما أبرز النماذج الذي استوقفته في جهده في المناصحة، الذي أسهم في إثراء كتابه، فكان بينها، كما روى . * يتوب عن العمليات الانتحارية * حصل ذات مرة أن قابلت أحد الموقوفين ممن لهم باع طويل في نشر أفكار القاعدة والمشاركة في أعمالها خارج المملكة في عدد من الدول وتربطه علاقة شخصية بقيادات التنظيم والمنظرين له من أمثال أبي محمد المقدسي، وذكر لي أنه يبغضني في الله وأنه يقرأ لي من خلال ما ينشر لي في وسائل الإعلام، وسألته عن ملحوظاته على ما أذكر، فقال إنه غير صحيح وأن الأدلة الشرعية تخالفه، وذكر مثالا على ذلك العمليات الاستشهادية، وقال إنها جائزة بالاجماع وأنت تقرر تحريمها وأنه لا يحرمها إلا مداهن للنظام مخذل للمجاهدين، فقلت ابن باز وابن عثيمين يريان تحريمها، فقال إنهما ممن أضلوا الناس في هذا الباب وخالفوا الاجماع وداهنوا النظام، فسألته هل اطلع على كتابات المنظرين للقاعدة كأبي محمد المقدسي، فأجاب بالاثبات وأنه اطلع عليها بل درسها وشرحها في معسكرات القاعدة في أفغانستان، فقلت ما رأيه في العمليات الاستشهادية؟ فقال إنه يرى جوازها فقلت له وإن أثبت لك أنه يرى تحريمها وأن ليست من الوسائل المشروعة للقتال إلا استثناء وأنه أنكر على الزرقاوي توسعه فيها في العراق؟ فطلب إثبات ذلك من كتب المقدسي وحينما تم اثبت ذلك من كتب المقدسي تفاجأ وتراجع عن رأيه مما يدل على تعصب وهوى . * تراجع بعد إطلاعه على تحفظات المملكة الدولية ! * ومرة تمت مناصحة أحد الموقوفين وذكر أنه لن يتراجع عن قوله لأنه قابل بعض المناصحين ولم يقنعوه، وكان يقول أن ولي أمري الملا محمد عمر وأن قيادة المملكة كافرة خارجة عن ملة الإسلام لا بيعة لها ولا سمع ولا طاعة، وكانت شبهته في الانضمام للمنظمات الدولية، وحينما بحثنا معه المنظمات الدولية وتكييف وضعها في التشريع الإسلامي وأنها إنما هي نوع من المعاهدات، وبينا له التحفظات السعودية على ما يخالف الشريعة بالتفصيل عجب من تضليل كتب الغلاة وتجاهلهم لهذا التأصيل ولتحفظات المملكة، وأعلن توبته ورجوعه عن مذهب الغلاة وأن ولي أمره هو خادم الحرمين الشريفين . * تنازل عن " الخلافة " بعد نقاش * آخر كان يرى عدم جواز صحة تعدد الدول الإسلامية وأنه لا بد من إقامة خلافة واحدة، فذكرت له كلام العلماء في ذلك، وأنها إذا حصل تعدد الولايات صحت ولاية كل سلطان في بلده، فكأنه لم يقتنع كثيرا، فقلت له إن قادة تنظيم القاعدة يرون صحة إمارة البغدادي في العراق وصحة إمارة ملا عمر في أفغانستان، وأن كل واحدة مستقلة عن الأخرى، وأنهم لما سئلوا عن ذلك قال بصحة تعدد الولايات إذا وقع، فاقتنع تماما وتراجع . * تأخر عليه المهدي المنتظر فتوسوس ! * وآخر تمت مناصحته كان يرى أن المهدي سيخرج في السابع عشر من رمضان عام 1425ه ويرى أنه سيقوم بإسقاط النظام، يقول فسجنت قبل رمضان بأشهر وبقيت أنتظر السابع عشر من رمضان وأتحسس الأخبار كلما سمعت صوتا ظننت أنه خبر بخروجه حتى انتهى رمضان ولم يتغير شيء، مما ولد لديه بعض الشكوك بعد ذلك في صحة أحاديث المهدي كردة فعل وأصابته بعض الوساوس والشكوك في بعض أصول الشريعة . * أقر بخطأ موقفه بواسطة حديث " ثقيف " * ذكرت لأحدهم ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم لثقيف في الطائف وإيذاءهم له، وأنه لما رجع عرض ملك الجبال مع جبرائيل أن يطبق عليهم الجبلين العظيمين بمكة، فقلت للموقوف ماذا لو كنت معه ماذا ستقول في حق من آذوا نبيا وليس رجلا مسلما فحسب؟ فقال أقول لملك الجبال لا يكفي أن تطبق عليهم جبلين خشية نجاة بعضهم من الجانبين وإنما أطبق عليهم أربعة أو ستة حتى لا ينجو منهم أحد. قلت له هل ترى أن موقفك أصوب من موقف النبي صلى الله عليه وسلم الذي عفا عنهم ورجا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا، فأقر أن موقفه موقف عاطفي لا موقف شرعي . وبذلك حكم عليه بالبطلان . * الشيخ ماجد المرسال .. شاب امتهن تفكيك " الأدمغة المفخخة " ! * ماجد المرسال، كان هذا الاسم مثلَ أي داعية سعودي شاباً مغموراً، مشغولاً بهموم تبصير الناس بفروض الدين، وخطب الجمعة وإمامة الناس في الصلوات المكتوبة في العاصمة السعودية الرياض، سنوات مضت . * لكن نجم المرسال بزغ بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) التي غربلت المجتمعات العربية والإسلامية، وغيرتها رأساً على عقب، خصوصاً مجتمعاً مثل السعودية، عُرف في ذلك الوقت بالكثير من الآراء الدينية والمذهبية الضيقة، خصوصاً فيما اتصل بالعلاقة مع الآخر الأجنبي. * في غضون ذلك وبعد تعرض السعودية لهجمة غربية شرسة، لأسباب عدة، منها المنطقي والمفتعل في نظر المراقبين، ظهرت على السطح، أسماء شريحة من الشباب المتسلحين بالعلم الشرعي، وفهم عميق للواقع، وكان في طليعتهم الداعية ماجد المرسال، الذي أخذ على عاتقه تصحيح الأفكار الخاطئة لدى شريحة من شبان بلاده، المتأثرين بخطاب تنظيم القاعدة ورموزها الذين أصبحوا نجوماً بعد يوم أيلول الأسود . * بدأ المرسال نشاطه الذي أظهره إلى الساحة متطوعاً في جهد سماه هو ومجموعة ممن كانوا معه "حملة السكينة"، فجعلوا يتعقبون الفكر التكفيري والإرهابي عبر الانترنت، يحاورون أربابه، ويقارعونهم بالحجة، حتى تمكنوا من تصحيح أفكار كثر، وإقناع آخرين بعدم الإنضمام للأنشطة الإرهابية المسلحة داخل السعودية أو خارجها . * هذا النشاط، لقى صدى اجتماعياً واسعاً، خصوصاً بعد ظهور المرسال في وسائل إعلام عدة، بنظرة مختلفة عما اعتاد عليه الناس، فكان شخصاً هادئاً محاوراً، غير منحاز للسلطة أو لأي تيار، بالقدر الذي يحاور من أمامه عبر القواعد المتبعة على هذا الصعيد منذ قرون المناظرات الأولى، التي يتفق الناس فيها على مرجعية، ثم يتداولون النقاش، بلا فوقية أو مزايدة أو إملاء أحدهما على الآخر . * وهكذا اكتسب المرسال ثقة عدد من الشبان الذين يهمّون بالذهاب إلى العراق للمشاركة في المقاومة أو ما يسمونه "الجهاد"، وكذلك إلى أفغانستان وربما إلى لبنان أحيانا. وأصبح مستشاراً محايداً موثوقاً به. وفي مرات عدة كما يقول ل"الشروق" نجح في إقناعهم للعدول عن عزيمتهم تلك، وفي أحيان أخرى يفشل، لكنه ظل يحصد الأنصار، حتى غدا منهجه اليوم هو السائد بين المتحاورين مع المتطرفين فكرياً . * تطور مهم، حدث في حياة المرسال الذي أصبح دكتوراً في الشريعة وعلومها من إحدى جامعات بلاده العريقة، وذلك عندما أنشأت وزارة الداخلية ما سمي فيما بعد ب"برنامج المناصحة"، فكان المرسال بين أوائل من فعّلوا هذا البرنامج بالتردد على السجون، ومحاورة المحتجزين فيها ممن تقبض عليهم السلطة بتهم الإرهاب، أو اعتناق الأفكار الموصلة إليه، أو نحو ذلك، وهنالك وجد المرسال الواقع أمامه أمرّ مما توقع، فقد كان يحاور عبر النت أشخاصاً افتراضيين وآخرين مجهولين في المساجد والأحياء، أما اليوم فبدأ يحاور "غلاة" بأعيانهم وجهاً لوجه. وله في ذلك تجربة مثيرة وملهمة، روى ل " الشروق " طرفاً منها . * تلك التجربة أغنت فيما بعد مخزون المرسال الفكري، واستثمرها في كتاب جديد سماه " النذير " ، حصد فيه كل شبه التكفيريين والغلاة، ثم من بعد ذلك، صاغ الرد العلمي الشرعي غير العاطفي عليها . * وللأهمية التي اكتسبها الداعية الشاب، استقطبته وزارة الشؤون الدينية في بلاده، ليصبح مؤخراً، مديراً عاماً لإدارة التوعية الفكرية والعلمية فيها، ومستشاراً للوزير الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، الذي كان المرسال يوماً من الأيام أحد تلام * ذته النجباء. كانت تلك قصة الشاب الذي أصبح رقماً صعباً في "مكافحة الإرهاب" فكريا، ليس على مستوى بلاده فقط، وإنما على مستوى العالم أجمع، إذ تجاوز نشاطه السعودية إلى مواقع عالمية وعربية وإسلامية ناظر فيها أعتى منظري الفكر التكفيري.