للصراع النفسي صور ونماذج، منها ما ينطبق على الأفراد كأفراد ومنها ما ينطبق عليهم كوظائف أو مهام، كتلك الحالات الموجودة في مجتمعاتنا العربية مع الأسف، حين نجد الحديث عن التغيير في غياب صورة التجديد . استسمح النواعم، قبل أن اضرب مثلا ،حينما نرى الفتاة المراهقة وهي تلامس طور البلوغ، تهتم ايما اهتمام ببشرتها، وتغيير تسريحة شعرها، ولون ملابسها، وتلميع حذاءها، وتلوين أهداب عينيها ،واختيار عبارات التخاطب ونغماته ...الخ، فيبدو لنا ذلك أمرا عاديا ،خاصة في نظر من تعودوا رؤيتها من اهلها وأصدقائها، لكن الجميع يتقزز إذا ما صدرت منها تصرفات صبيانية، فلم التناقض؟ الحقيقة أن المسألة متعلقة بالفتاة ذاتها، حيث أحست بضرورة التغيير فغيرت ما بدا لها، زينها، ملابسها ونطقها، كي تنال استحسان الآخر، لكنها تغيرت مظهريا ولم تتجدد كليا ما خلق تفاوتا بين الجسد وروابط العلاقات وضيع من القيمة الإنسانية للفتاة في نظر محيطها، لأن الجمال لا يعني فقط أحمر الشفاه أو المشط أو أدوات التجميل الأخرى لكنه شيء أخر ينبع من المشاعر والنظرة الايجابية للحياة عامة، فطريق الجمال يمر عبر الحيوية والتفاؤل والهدوء، ما يجعل المظهر الخارجي انعكاسا للصورة الداخلية للنفس. وقد يصعب على الفتاة الخروج من هذا الصراع، بين رغباتها المعلنة، والضمير الاجتماعي وواقع الحال، لأن النفس عادة ترفض تغيير ما ألفته. لكنها تصير قادرة، إذا وفقط إذا أدركت وأدركنا أن في كل يوم من حياتنا يجري علينا تغير، مراحلنا العمرية، كنا صغارا رضعا ثم صرنا أطفالا ففتيانا وفتيات.. الخ، وإذا أيقنا أن أوراق الشجر تتغير فتتجدد لتتجدد معها الشجرة شكلا ومظهرا وعطاء. وهكذا مجتمعاتنا العربية، تغيير نظام بنظام آخر، وأشخاص بأشخاص آخرين، وإيديولوجية بأخرى، وتتحدث عن النهضة والمعرفة وتحويل التكنولوجيا.. الخ من التسميات. تقيم المباني، وتزين الطرقات، تقيم مصانع وتستورد صناعات ، لكن التغيير المادي دون السلوكيات يصنع ما يعرف في علم الاجتماع بالتخلف الشامل، وسواد اشتراكية شكلية أو رأسمالية هجينة، بشعة، قمعية، لا ترى في الليبيرالية إلا وجهها الاقتصادي والتراكم المادي، فتستلمه وتشوهه. بدل أن تكون تنافسية تحترم السوق وقوانينه وتخدم الوطن الإنسان. ومن عوائق التحول نحو الديمقراطية والتجديد كون الأنظمة العربية، الجمهوري منها والجماهيري، الاشتراكي، والرأسمالي، الديني واللائكي، جميعها متفقة على اختيار النهج التسلطي. فالخطاب السياسي العربي اليوم يحيلنا إلى مستوى الأفكار ويبعدنا عن الممارسة، ما يجعل غياب الديمقراطية أمرا واقعا وليست مجرد حكم قيمي يمس الأشخاص وحسب. والمفارقة العجيبة أن الإنسان أي يخشى دوما من مرور الثواني، حفاظا منه على أيامه ولحظات عمره وسعادته وحق عياله، و لكن المسؤول في عالمنا العربي، يتجاهل قيمة الوقت وهو يعلم أن كتمان الغيظ يحول الإنسان إلى قنبلة فتاكة تنفجر في وجه ضاغطها، والصورة أمامنا في تونس ورئيسها، وفي مصر وما يعرفه شارعها، والمنتظر في الأردن في اليمن في السودان....الخ، وهي هزات لا يمكن تفسير بغير غياب الديمقراطية، وحقوق الإنسان. ليست النهضة الاقتصادية وحدها أو الفكرية، أو الاجتماعية التي تحقق الاستقرار، وليست هي دليل التغيير، فمهما كثرت الثروات، و مهما تطور الاقتصاد، وتعددت المباني، يبقى التغيير عقيما ما لم تتحقق معه مجموعة من العوامل والسلوكيات، تجدد المفاهيم و تضع حدا لجور نفوس أصحابها وتظهر حقوق الإنسان، ذلك لما للعنصر البشري ومدى تأثيره على سير النشاطات ورفع الكفاءة الإنتاجية في كل المجالات، أمور تحقق سعادة الأفراد واستقرار المجتمعات، وهو ما تفتقده أمتنا. ودليلنا أن الإنسان العربي أينما وجد اليوم، مدمن على الخوف!، ملاحق بالقمع!، جائع لا يجد لقمة العيش!، مكمم لا يستطيع التعبير عن نفسه!، مغلول لا يستطيع تحريك رأسه وقدميه!، مقهور في وطنه مهان خارجه، ما جعل الأمة تنزلق نحو الحضيض. هو التغيير بلا تجديد، وبين التغيير الذي يتغنى به أشباه الساسة، ويفبركه بعض الحكام، والتجديد المنشود ضاعت الآمال.