خلال هذه الأيام الخالدات التي يخط ساعاتها ودقائقها جماهير شعبية ارتقت من وضع الغثائية، غثائية ''بنحبك يا ريس'' إلى وضع الفعالية والمطالبة بالمشاركة في صناعة قرارات الوجهة والمصير، بعيدا عن الديمقراطية التشاركية في عملية الحب المعروفة طقوسها للعام والخاص على طريقة فيلم ''التجربة الدنمركية''. هذا الوضع الشعبوي الذي ضرب طقسا خرافيا عشعش في الضمير الجمعي للشعوب العربية منذ قرون اختصر علاقة الحاكم بالمحكوم كعلاقة العشيق بعشيقته في إطار القانون و''على خلق!''، اقتباسا منهم لتخلف فقهي جذّر لمفهوم مقزم ومستحقر ومستهجن لمؤسسة الزواج فيما أعرف وتعرفون، والظاهر في حال نجاح زلزال جماهير ميدان التحرير وكل القطر المصري أنه سينتقل ليصيب الكثير من الطقوس والخرافات التي حاول للأسف الشرعنة لها على مدى عقود إن لم نقل قرونا دجالون من ساسة واقتصاديين ورجال دين لا علاقة لهم لا بالدين ولا بالدنيا. ولا يجادل اثنان في مركزية دولة مصر تاريخا وحاضرا، ويكفي النظر إلى مفعول هذه المركزية خلال هذه الأيام عبر الوضع المستتب -تجاوزا- من خلال تجميد القوى الكبرى مؤامراتها إلى حين في كل من فلسطين ولبنان، وتخفيف الضغط على كل من إيران وسوريا وكوريا ودول أمريكا اللاتينية المتمردة على الثور الأمريكي، الذي يبدو أن تمرد المصريين على ''التجربة الدنمركية'' قد فاجأه هو أيضا. والظاهر أيضا أن الرئيس المصري حسني مبارك الذي صدق نفسه وحب شعبه له على طريقة ''التجربة الدنمركية'' لن يغادر بسهولة، كما أن الجماهير المصرية التي غيرت الأوضاع وعدّلت المفاهيم لن تترك له فرصة دوام الاستمتاع، ولو استدعاهم الحال إلى استغلال ''عيد الحب'' المصادف ل 14 فبراير من كل سنة ليرسلوا له رسائل الحب الصادقة على أنغام ''إرحل'' و''يا جمال قول لأبوك المصريين بيكرهوك''. وشتان بين بالمفاهيم والتجارب، فالرئيس يريد علاقة مع شعبه على طريقة ''التجربة الدنمركية''، والجماهير المصرية ومن ورائها كل الشعوب العربية تريدها على طريقة فيلم ''ليلة القبض على فاطمة''، ومن لم تسعفه سنه أو حظه من معرفة قصة الفيلم الأخير أو مشاهدته فما عليه غير الاستعانة ب ''الحاج غوغل''.