تطالب أكثر من 500 عائلة قاطنة بحي ديار الكاف ببلدية وادي قريش، السلطات المحلية بالتدخل العاجل لوضع حد للوضعية المزرية التي آل إليها حيهم، حيث يتعلق الأمر بغياب أدنى متطلبات العيش الكريم، فسكان الحي الذين استجوبتهم ''الحوار'' أكدوا أن النداءات والشكاوى التي تقدموا بها لمصالح البلدية لم تجد آذانا صاغية، وإنما قوبلت بالرفض واللامبالاة، أكثر من هذا، فقد أضاف لنا هؤلاء أن الحي المعروف سابقا باسم ''كاريار جوبير'' يعيش على فوهة بركان، لاسيما في الأيام الأخيرة بانتشار كافة أنواع الرذيلة فيه. غرفة واحدة ... بحجم بيت كامل ''أصحاب الكهف'' هكذا اختارت عائلات حي ديار الكاف المتواجد ببلدية واد قريش بقلب العاصمة أن تلقب نفسها، وهي التسمية التي أصبحت تلازم سكان هذا الحي إلى جانب تسميتهم بأصحاب ''كغياغ جوباغ'' .. عائلات تعيش ظروفا أقل ما يقال عنها إنها مزرية، هذا الحي الذي يضم 500 عائلة يتكون من خمس عمارات، كل عمارة بها ستة طوابق، وكل طابق يحوي ثماني عائلات وكل عائلة لها غرفة واحدة فقط بها غرفة نوم، غير أن الغرفة لا تقتصر على ذلك فقط بل تستعمل للطبخ والغسيل زائد مرحاض، ولعل مازاد من معاناة هذه العائلات هو ارتفاع عددهم الذي يزيد عن تسعة أفراد في العائلة الواحدة يتقاسمون غرفة واحدة لا تتجاوز مساحتها السبعة أمتار. وما زاد الطين بلة هو الوضع الهش الذي يعتري عمارات هذا الحي والتي باتت تنذر بالخطر نظرا للوضعية الكارثية التي آلت إليها سلالمها، فجلها متصدعة لم يبق منها إلا الهيكل، خاصة بعدما سقطت الأدراج الثلاثة الأولى في كل من العمارة (س)، ( د)، (أ)، الأمر الذي أرعب السكان الذين عبروا لنا عن تخوفهم الشديد من هذه الوضعية التي تزداد سوءا يوما بعد، حتى أصبحوا يتفادون الصعود والنزول في كل مرة إلا عند الضرورة. وإذا كانت وضعية الأدراج توصف بالكارثية، فإن أسقف العمارات ونظرا لتشققها واهترائها باتت هي الأخرى تشكل مصدر خطر دائم وداهم على السكان، ناهيك عن تصدع جدرانها.. وعلى الرغم من الترميمات المتكررة التي تمت على مستوى هذه العمارات في السنوات الماضية إلا أن وضعها الكارثي مازال ينذر بالخطر الوشيك. بحث في فائدة غاز المدينة إلى جانب الوضعية الهشة والكارثية التي تطبع عمارات حي ديار الكاف، يعاني السكان أيضا من انعدام الغاز الطبيعي في الوقت الذي تشهد فيه توصيلات غاز المدينة انتشارا واسعا عبر كامل التراب الوطني من جهة، ورغم أن الحي يعتبر من أقدم أحياء العاصمة من جهة ثانية. ووسط هذه الوضعية يضطر المواطنون لاقتناء قارورات غاز البوتان، حيث أوضحت معظم العائلات التي زارتها '' الحوار '' أنها تقتني حوالي 3 قارورات أسبوعيا، أوما يزيد عن ذلك، لا سيما في فصل الشتاء الذي ترتفع فيه الحاجة لاستعمال الغاز، سواء للطهي أو للتدفئة، وأبلغتنا هذه العائلات بأنها عانت خلال الأعوام الماضية من الأمرين بسبب النقص الحاد في التموين بهذه المادة الأساسية، حيث اضطرت عائلات بأكملها للوقوف في طوابير طويلة بغية الحصول على قارورة غاز البوتان، تنتهي في أغلب الأحيان بنزاعات بين المواطنين، إضافة إلى العبء المالي الذي أرهق جيوب أرباب العائلات، خاصة وأنهم عمال بسطاء، من طبقة متوسطة الدخل. وإفرازات مصنع الإسمنت... ''زادت همها'' معاناة سكان حي ديار الكاف لا تتوقف عند هذا الحد، بل تمتد إلى ما يسببه مصنع استخراج الإسمنت الذي يعمل على مدار الأسبوع من أضرار جسيمة على صحة السكان، حيث يتسبب الدخان المنطلق منه في انتشار الكثير من الأمراض التنفسية كالربو، الذي يعاني منه عدد كبير من أبناء الحي خاصة الأطفال نتيجة تلوث الهواء بسبب إفرازات المصنع، وفي هذا السياق طالبت العائلات القاطنة بهذا الحي بإنهاء هذه المعاناة التي دامت طويلا من خلال غلق المصنع أو تحويله إلى منطقة أخرى غير آهلة بالسكان، فالمصنع يحدث انفجارين في الأسبوع قصد استخراج مادة الإسمنت تؤدي إلى تصدع جدران العمارات بسبب قوة التفجير. دخلاء يستفيدون... والأصليون يعانون الزائر لحي ديار الكاف يبقى مدهوشا لكثافته السكانية الهائلة، بحيث يتجاوز عدد أفراد هذه العائلات 10 أشخاص في مساحة صغيرة لا تتجاوز السبعة أمتار، كما يعاني سكان الحي من كثرة الدخلاء عليه حتى أطلق عليه اسم ''اللاجئين الجزائريين''، ومازاد من غضب المواطنين هو أن أصحاب البناءات الفوضوية تحصلوا على سكنات اجتماعية لائقة ومنهم من تلقى وعودا بذلك، أما أصحاب العمارات المهددة بالسقوط فهم يعيشون حالة مزرية منذ الاستقلال وسط تجاهل رهيب من قبل سلطات البلدية، حيث أكد لنا سكان المنطقة أن أصحاب البنايات الفوضوية هم من زادوا معاناتهم نظرا لتوافدهم الكبير على الحي، مما أدى إلى صعوبة إحصاء المواطنين فيه. عمي جمال البالغ من العمر 54 سنة بنبرات الحسرة والأسى اصطحبنا إلى البيوت الفوضوية المجاورة للحي لا لشيء إلا ليؤكد لنا انتشار هذه البنايات واستفادة معظم القائمين بها من السكنات الاجتماعية حسب ما أوضحه الشاب عامر (22 سنة) القاطن سابقا بإحدى هذه البيوت والذي تم ترحيلهم مؤخرا إلى سكنات اجتماعية. ... وانتشار الآفات الاجتماعية سببه استفحال البطالة وكأغلب ولايات الجزائر يعاني شباب الحي من ارتفاع مستوى البطالة بين أفراده، فالبطالة أصبحت القاسم المشترك لكل الشباب سواء كانوا من حاملي الشهادات الجامعية أو الشهادات المهنية، أو حتى أولئك الذين لا يملكون أي مؤهل دراسي، الأمر الذي دفع بأبناء حي الكاف نحو ''البزنسة'' للحصول على دخل مالي، وإلا فشد الجدران مصيرهم كما قال أغلب محدثينا. وسط كل هذه المعاناة التي يعيشها سكان هذا الحي الذي يعود تشييده إلى الحقبة الاستعمارية، والتي تنحصر بالدرجة الأولى في نوعية السكنات التي لا تتعدى الغرفة الواحدة يقطن بها عدد كبير من الأشخاص، انتشرت كل أنواع الآفات الاجتماعية من السرقة، المخدرات .. وغيرهما ما أصبح يشكل خطرا على السكان، وقد اشتكى معظم الذين اقتربنا منهم من هذه الممارسات اللاأخلاقية للشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم ال 15سنة، وقد يفسر البعض هذا السلوك المنحرف بسبب الأوضاع المزرية التي يعيشونها خاصة وأن وسائل الترفيه منعدمة بهذا الحي عدا الملعب الذي أعيد ترميمه في الأشهر الماضية. مسؤولو البلدية غائبون ''الحوار'' وحتى تستفسر وعن قرب عن معاناة السكان وتستوضح الأمور مع أصحاب الربط والحل، اتصلت بمسؤولي بلدية وادي قريش، وبعد أن عاينا المكان عن قرب اصطدمنا برفض السلطات المحلية الإجابة عن أسئلتنا مكتفين بالقول إن رئيس البلدية في عطلة، متحججين بأنهم لن يستطيعوا إعطاء إضافات أو إفادتنا بمعلومات ما دام الرجل الأول المسؤول عن البلدية غائبا، ضاربين بذلك عرض الحائط مشاكل السكان ومعاناتهم، خصوصا وأن عطلة المسؤول الأول قد طال أمدها.