تتوالى الضربات الموجعة التي تنخر جسد الجزائر الوطن .. الجزائر الحب التي آلت كل الأيادي السوداء والخفافيش الملونة ظاهريا لافتكاك السبق دائما، والتفنن بين السيّء والأسوأ من الإرهاب الأعمى إلى الإرهاب الإداري الذي أتى على الثقة بين الوطن والمواطن ولوث فتات الوطنية، وبكل ما تضم عقولنا الصغيرة من أفكار تبقى على حلم راسخ لوطن سكن في الخيال وتربى حبه بين جنبات ضلوعنا، وبكل ما نتج عن الغزو الثقافي الغربي الذي دمر عقول شبابنا وزرع فيروسا أعمى به بصيرتهم فصار الأخضر يابسا، والأبيض ملطخا بأفكار بالية جعلت من الشاب الجزائري دمية تحركها أحلام جوفاء من وراء البحار. ودون التطرق إلى التفاصيل التي ترهق الفكر وتبكي القلب حسرة على شبابنا اليوم فإن الرؤى تغيرت فعلا، وصار التيه وراء قوارب الموت أهون من العيش في الوطن، وارتبط كل ما هو جميل بالهجرة التي غزت العقول الرثة ونسي أصحابها أن الجزائر أعز وأغلى، وأن ما فيها من أروقة النجاح يضاهي أكبر الدول في العالم، وأن من عجز عن بناء نفسه في وطنه وبين عشيرته فإن مآله العجز ولو سكن القمر. وبعيدا عن الانسياق وراء لغة العواطف والهتافات الوطنية، فإن الدولة قد برمجت العديد من المشاريع المتنوعة التي من خلالها يستطيع أي شاب صالح أن يبني نفسه، وبعيدا عن سياسة الشؤم. والنتيجة السلبية التي تربت عند شبابنا والتي كان أبطالها خفافيش سوداء تقبع وراء المكاتب كما ذكرنا آنفا، فإن الأمر يبقى منطقيا وهو طبيعي بالنظر للعالم العربي والغربي على حد سواء . وليس كل من فشل يعتبر مثالا ودليلا على رداءة العيش فللنجاح أمثلة كثيرة، خيرها تميز وطننا الحبيب عن باقي الأوطان العربية والغربية في كثير من الجوانب ويكفينا شرفا أن ننتمي لبلد كريم نسبة التكافل الاجتماعي فيه بلغت ذروتها، هذا فضلا عن مظاهر الرحمة التي اقترنت بكل ما هو جزائري أصيل، دون نسيان الشرف والأشراف الذين بنوا هذا الوطن بدماء طاهرة زكية جعلوها لبنة على سور الجزائر الحب.. وإذا كنا قد ركزنا على عنصر الشباب فإن ما يشعرك بالغثاء هو الطبقة المثقفة وأحيانا السياسية التي ما وجدتُ غير مثل شعبي لوصفها الحقيقي وهو ''ياكل في الغلة ويسب في الملة''، فلا عجب في أن تجد سياسيا مشهورا أو فنانا أشهر يتفنن في هراء يفسد به العقول الندية وهو يحمل المسؤولية للوطن .. فيا أسفاه .. آخر ما يقال في هذا المقام هي رفقا يا أيها القوم بأنفسكم، وكفاكم ضحكا على الشباب الذي ضاق ذرعا ليس بوطنه لكن بمن يبذل الغالي والنفيس لأجل تدمير العقول قبل القلوب.