في ليلة تختلف عن كل ليالي الصحراء، استيقظ سكان منطقة رقان على وقع دوي تفجير مهول، قضى على ما تبقى من صورة ظل الاحتلال الفرنسي بالجزائر متخفيا وراءها، وسعى جاهدا لتجميلها أمام الرأي العام الدولي، متفننا في إلقاء تهم ''الخروج عن القانون'' و''الفلاقة '' في حق من سولت له نفسه أن يكسر قيد الخنوع وأن ينشد الحرية.... ما حدث في شتاء سنة ,1960 اسقط معه كل أوراق فرنسا التي طالما تغنت بالحرية والمساواة وتشدقت بمبادئ الديموقراطية، وكشف للعالم أجمع مدى فظاعة جرائم فرنسا وشناعتها، وتأكد للفرنسيين أنفسهم، أن حكومتهم بعيدة كل البعد عن أدنى أوصاف الإنسانية .. في عز التنافس الدولي بين كبريات دول العالم، ظلت فرنسا تفكر في الحصول على السلاح النووي، طيلة تاريخها الاستعماري وقد استباحت من أجل ذلك حرمة الإنسان الجزائري والأرض الجزائرية، .. كانت التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، الصفحة الأكثر دنسا وسوداوية في تاريخ الاحتلال الفرنسي بالجزائر، وبشهادة الفرنسيين قبل غيرهم فإن ما ارتكبه الاحتلال هو جريمة في حق الإنسانية لاتزال راسخة في الذاكرة الجماعية لسكان المنطقة. همجية الاحتلال تجاوزت كل الخطوط الحمر، عندما قرر استعمال 200 مجاهد مسجون، قصد تعريضهم للإشاعات وإجراء اختبارات عليهم وتم اتخاذهم ''كفئران تجارب ''، ومع أن دولة الاحتلال كانت تدرك جيدا أن سكان هذه المنطقة سيعانون لفترة تزيد عن مئات السنين من وقع إشعاعات نووية لا تبقي ولا تذر ولا تفرق بين نبات وحيوان وإنسان أو حجر...فقد أجرت التجارب مع سبق الإصرار.. وقد أكد علماء الذرة والأسلحة النووية بعد ذلك بان الإشعاعات الناجمة عن تلك التجارب ستعدم أي نوع من الحياة.. أما الشهود العيان الذين عايشوا تفجير قنبلة اليربوع الأبيض والأحمر والأزرق في 13 فيفري ,1960 حسب ألوان العلم الفرنسي، والتي فاقت طاقتها ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما، أكدوا أن فرنسا استخدمت في هذه التفجيرات أبناء المنطقة رجالا ونساء وبعض والمجاهدين والحيوانات والطيور و نباتات مختلفة، في حين ان الدراسات ''القليلة'' التي تطرقت إلى هذه التفجيرات أفادت أنه رغم مرور أزيد من أربعة عقود، على أول تفجير إلا أن المنطقة المحيطة بنقطة التفجير وعلى امتداد 30 كيلومترا لايزال عالي المستوى الإشعاعي ومحظور الدخول إليه. رغم ان جرائم فرنسا المخزية ماثلة للعيان، إلا أنها تصر على عدم الاعتذار، وإن كان اعتذارا يخدمها بالدرجة الأولى قبل أن يخدم الجزائر، فاعتذارها لن يعوض فجائع وخسائر الجزائريين التي يخجل التاريخ من ذكرها.. بل سيخلصها بوصفها ماضيا استعماريا من وصمة العار التي لحقتها، ومن أوصاف الوحشية والهمجية التي ستظل تلاحقها إلى أبد الآبدين ... على فرنسا أن تقر أن ذمتها ملطخة، وجرائمها في كل شبر من الجزائر هي جرائم ضد الإنسانية جمعاء وإن لم تفعل، فليس عليها بعد ذلك أن تدعي الحرية والديمقراطية، لأن وجودها سيرتبط بلوحة الدم والقتل التي أنجزتها في الجزائر بمنتهى العبقرية..