حينما يسترخي المرء بعد عمل مضن أرهقه أو سفر أنهكه أو لغوب أصابه، ويمتدّد مرخيا العنان لمخياله الزاخر بذكريات الصبا المفعم بالألوان الزاهية، حتما سيتوقف عند محطة ليست ككل المحطات، محطة فيها الكثير من الحنين والشجون والشقاوة، كتب على لافتتها إسم ''الرسوم المتحركة". الرسوم المتحركة هذا المخترع العجيب والغامض الذي ابتكره الرجل الغربي، لم يكن ذلك روما لتسلية صبيانية أو تمضية لوقت ثقيل فحسب بقدر ما كان صناعة ورسالة في آن واحد يستهدف أصحابها غرضا معينا، مسلسلات كارتونية - كما يحلو للمشارقة منادتها - في حاجة لدراسات أكاديمية تبرز لنا ما أمكن إبرازه من الجبل الجليدي الخافي، لاسيما وأن ''الدريئة'' أو الجبهة الأمامية التي تتلقى ورود بل نبال هذه المنتجات هي فلذات الأكباد، العالم الصغير أو مملكة البراءة. ولعل واحدة من هذه الدراسات القليلة - هي عبارة عن بحث جامعي - والتي استرعت انتباهي وربما تصدم البعض، يذهب صاحبها مشرّحا الرسوم المتحركة بأسلوب فيه الكثير من الإثارة والتشويق والجرأة، لما يكشف أن القائمين عليها روّجوا لفكرة سرعان ما سارت كالنار في الهشيم لتمتد لباقي أو أغلب هذه السلسلات، مفاد هذه الفكرة تحوي في طياتها رسالة تهيّئ المتلقي صغيرا كان أو كبيرا لتقبّل أمر أريد له أن يكون طبيعيا ممثلا في ''الأبناء غير الشرعيين". ويجب أن نوضّح هنا النقطة، في كون هؤلاء الأطفال أبرياء وعلى المجتمع التعامل معهم بما يليق بهم من دون تمييز أو استهجان طالما أنهم ضحايا لحماقات وطيش الكبار. والحق يقال، عدت ونبشت الذاكرة مطلقا سراح المخيال عائدا به إلى زمن الرسوم المتحركة فوجدت نسبة كبيرة من الصحة فيما ذهب إليه هذا الباحث الجريئ، لنكن عمليين ولنبدأ في التحرّي على طريقة ''شارلوك هولمز ومساعده واطسن'' أو إن شئتم ''العم وحيد وصعاليك الدكتور دعّاس"! لنأخذ مثال المسلسل الكارتوني ''توم سوير''، هو فتى قيل لنا بأنه يتيم، يعيش في دار وسط غابة تعتني بشؤون هذه الفئة المحرومة، يقوم على تدبير أمورهم عجوز وابنتها وكاهن، الراوي أو صاحب السيناريو يطرح فكرة اليتم كمسلّمة لا تحتاج لجدال، من دون أن يبيّن لنا جذور الفتى ''توم سوير'' وهؤلاء الأيتام وحتى صديق البطل الطفل المشرد ''هاك'' الذي يعيش بمفرده في كوخ حقير هو الآخر بلا أب ولا أم ولا أهل..وتمضي بل ينتهي المسلسل من دون الحسم في هذه النقطة. رسوم أخرى، والأمر يتعلق بسلسلة ''سنديبال''، تقدّم للمشاهدين هذه الفتاة التي تزاول مهنة توزيع صحيفة ''لوموند'' الفرنسية في لندن كيتيمة، شأنها في ذلك شأن شلة الصبيان الذين يعملون معها في الشركة الصغيرة، وكذلك صديقها الرسام ''مارك ولينغتن''، بل حتى ذلك الفتى الهمام الذي يلم بكل حيثيات علاقة هاتين الشخصيتين واسمه ''السيّد آلك''، قلت حتى هو مبتور الأصول. والأمر سيّان بالنسبة للرسوم المتحركة التي تتناول شأن الحياة البرية التي لم تشذ هي الأخرى عن القاعدة المشار إليها، خذ مثال ''زينة ونحّول'' أين أولياء هاتين النحلتين؟ سلسلة أخرى مازالت محفورة في الذاكراة وتتعلق ب''سنان''، هذا السنجاب لا تعرف هوية أمه وكل ما يذكر عنها لا يخرج عن نطاق الوفاة بلا تفاصيل طبعا، أما ما يسمّى ب ''السيد رحمون'' فيقال لنا بأنه والده! وقس على ذلك مع صديقه ''بنان'' بل حتى ذلك التيس الذي يزاول مهنة الطب ممثلا في شخص ''الدكتور نعمان'' تنسحب عليه ما يعرف عندنا حاليا باسم "SNP" '' إسمه مفقود''، وحدّث عن الثلاثي ''زعبور وفرفور وشرشور'' والسيّدين ''نوح وجرجور'' وإياك أن تشعر بالحرج! مثلهم مثل القط توم والفأر القذر جيري، وأبطال والت ديسني البطة ''دونالد دوك'' و... يبقي الآن التنبيه بأن الغرب أنتج ومرّر أفكاره بل حتى دسّ فيها سمومه، فماذا فعل العرب للإعتناء بعالم الطفولة البريئ، ولماذا عجزوا عن الإتيان بالبديل؟ نترك الجواب للداهية ''لبيبة"!