إنشاء أول معهد لتكوين رسامين مختصين في الرسوم المتحركة على المستوى الإفريقي والعربي بالجزائر واستقطاب محبي وصانعي الرسوم من كل أصقاع العالم، هو المشروع الذي يسعى إلى تجسيده المنتج السينمائي والتلفزيوني الحسين ياسف بالتعاون مع المختص الشهير في هذا الفن الفرنسي روني بورغ. هل هناك أسهل طريقة وأيسر وسيلة وأكفأ منهج للوصول إلى أذهان وقلوب الأطفال من رسوم متحركة تهتم بالتربية والتوعية؟ رسوم توعي وتربي وتعلم وترفه في آن واحد في ثوب جزائري محض تحقق ما لم تستطع وسائل وسياسات مختلفة تسعى إلى خلق شخصية جزائرية فذة؟، وهل هناك أفضل من إنشاء معهد تكويني لرساميّ الرسوم المتحركة يحتضن ويؤمّن مستقبل كل رسام وهاو لهذا الفن ويدخل البلد برجل أكيدة في سوق الرسوم المتحركة الدولية الخصبة؟. محاولة منها لإيجاد أجوبة لهذه الأسئلة، استضافت "المساء" السيد الحسين ياسف المدير العام لمؤسسة لإنتاج السمعي البصري الدولي، الذي أكد سعيه رفقة صديقه روني بورغ لتحقيق مشروع مهم يتمثل في إنشاء معهد تكوين رسامين مختصين في الرسوم المتحركة يكون مقره الجزائر ويصبو خلال عامين من الدراسة إلى تكوين أكثر من 400 رسام متخصص، وهذا على المستوى المحلي وحتى المغاربي ليتوسع بعد ذلك ليتخذ بعدا افريقيا.
حلم في طريق التجسيد هذا المشروع الذي نشأت فكرة تجسيده منذ أربعة سنوات، يقول عنه السيد ياسف أنه في غاية الأهمية من حيث عمله على تحقيق أهداف عديدة مثل استقطاب المتخرجين، إذ يعمل على احتضان جزء من العدد الكبير من الرسامين الجزائريين الذين يتحلون بالموهبة وحب هذا الفن سواء من مدرسة الفنون الجميلة أوالعصاميين، وفي هذا الصدد يستطيع هؤلاء الرسامون المتكونون العمل داخل أوخارج الجزائر كما سيخوضون بعد انتهاء تكوينهم بالجزائر، تكوينا آخر مكملا للأول بالمعهد الدولي للرسوم المتحركة بفرنسا ولكن تبقى الأولية-يؤكد المتحدث-في أن يعمل الرسامون داخل البلد. ودائما عن أهداف المعهد، يستأنف السيد ياسف حديثه حيث يقول: "كانت اليابان الوجهة الأولى لمنتجي وصانعي الرسوم المتحركة، إذ يوجد في هذه الدولة التي تضم تقليد في هذا الميدان، أكثر من 20 ألف رسام متخصص في الرسوم المتحركة وأزيد عن 150 قناة متخصصة في هذا الفن، ومع غلاء سوق الرسوم في اليابان، تحولت الوجهة إلى كوريا الجنوبية فالهند والآن الصين، فلم لا تكون الوجهة القادمة الجزائر؟ ويضيف »أليست الجزائر أقرب إلى أوروبا من الصين وبالتالي أليس من السهل أن يتوجه الأوروبيون إلى الجزائر لصنع رسومهم بدلا من الصين؟ نعم لم لا يكون للجزائر رسامون مختصون في الرسوم المتحركة ونتحصل بذلك على نصيبنا من السوق العالمية للرسوم؟ أليست الجزائر أولى أن تكون قبلة صانعي الرسوم من أي بلد آخر وهي التي تتمتع بعدد وفير من الرسامين الموهوبين الذين ينتظرون فقط الإشارة لكي يدفعوا أناملهم إلى الإبداع؟ نعم هو أمر ممكن وتحقيقه يبدأ من تجسيد مشروع المعهد". ويعمل السيد ياسف رفقة بورغ وأشخاص آخرين على تجسيد هذا المشروع حيث اتصل بمدرسة الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة واكتشف مدى موهبة الكثير من الرسامين واقترح على إدارة المدرسة التي يأمل أن تحتضن معهدا تكوينيا للرسوم المتحركة. إنشاء منصب تدرجي لا يتطلب دبلوما. أما عن طريقة التكوين وكذا جنسية الأستاذة المؤطرين، فأشار صاحب أول فيلم وثائقي حول الآثار البحرية الجزائرية إلى أن هناك مكونين مهمين في أوروبا على أتم الاستعداد للمشاركة في هذه التجربة، وستكون الانطلاقة بتقنية »البعدين« أي التقنية التقليدية ومن ثم الانتقال إلى تقنية »الأبعاد الثلاثة« أي التقنية المتطورة، وستتواصل عملية التكوين عبر تراب الوطن بتأطير من المكونين الذين تلقوا تكوينهم بالمعهد.
الرسوم المتحركة أداة مثلى لتعليم وتربية الأطفال لا مستقبل لبلد لا يهتم اهتماما بالغا بأطفاله وأحداثه، فهم مستقبل الأمة وكنزها الذي لا ينضب، وفي هذا الصدد يقول ياسف أنه يعمل جاهدا مع الرسام بورغ صاحب الشخصيات الشهيرة مثل "شادوك"، ورسوم أخرى مثل "كان يا مكان الإنسان"و"كان يا مكان الفضاء"بإنشاء معهد ينمي وعي الأطفال ويساهم في تربيتهم. ويضف ياسف: "عندما ننتج رسوما جزائرية محضة فإننا بذلك نساهم في إنشاء سياسة تربوية خاصة لأطفالنا، فلن نكون أبدا بحاجة إلى استيراد رسوم ما وبالتالي سياسة تربوية ما، بل ننتج رسومنا وبأصوات وأفكار جزائرية، نحن نريد أن ننبش عن تراثنا المتوسطي وننهل منه وأعطي مثلا عن ذلك اهتمامنا بشخصية جحا ولكن ليس جحا التقليدي بل سيكون عصريا وسنلبسه لباسا عصريا بحذاء رياضي وسروال جينز وسيكون ذلك حقا بادرة أولى من نوعها، ونحتاج فقط إلى رسامين لنبدأ في تجسيد مشروعنا الذي نتمنى أن يرى النور في القريب العاجل وفي أقصى تقدير نهاية السنة الجارية". ولكن ما هي المواضيع التي يجب أن تتناولها الرسوم المتحركة الجزائرية؟ يجيب ضيف »المساء، أن أهم المواضيع تبقى تلك التي تهتم بالتربية والتوعية خاصة أن أطفالنا مثل أطفال العالم تربوا على مشاهدة برامج التلفزة وفي مقدمتها الأفلام والرسوم العنيفة فطبقوا في كبرهم على أرض الواقع ما كانوا يشاهدونه في التلفزة«، وفي هذا السياق أكد المتحدث أنه يسعى من خلال المعهد إلى تأسيس جيل قوي متمدن ويحترم نفسه والغير. وتوقف ياسف عند الومضات الإشهارية التي تصل إلى مبتغاها بطريقة أسرع باعتمادها على الرسوم، كما أن الإشهار عادة يمس بالدرجة الأولى الأطفال الذين يدفعون أولياأهم لشراء ما يريدون، مطالبا في الصدد نفسه أن تبث قبل نشرة الأخبار ومضة خاصة بالتوعية مثلا على ضرورة غسل الأيدي قبل الأكل أوعدم رمي الزبالة من النافذة، كما أكد أن التلفزيون الجزائري لم يلعب دوره في هذا المجال رغم أهمية الأمر الذي يصبو إلى تكوين سياسة تربوية جزائرية محضة.
حافظة للذاكرة ودافعة للوطنية وأكد السيد ياسف أن للرسوم المتحركة دورا كبيرا في تناول تاريخ دولة ما، مضيفا أنه حان الوقت لكي نعلّم أبناءنا تاريخهم الكبير وندرج المزيد من الوطنية في أعماقهم، فترسيخ التاريخ في ذهن الطفل مسؤولية كبيرة وهي مسؤولية ذاكرة يتحملها المكونون بالمعهد مستأنفا لقوله انه في هذا الإطار سيقوم بانجاز فيلم وثائقي جديد يتطرق إلى التحضيرات التي قامت بها السلطات الاحتلالية الفرنسية قبل استعمارها للجزائر بالتعاون مع الباحث المرموق باتريك ديشان، بالإضافة إلى باحثين آخرين كما يتناول هذه المسألة من وجهة رأي جزائرية وأخرى فرنسية وسيقدم العمل إما في عيد الاستقلال من السنة القادمة أو في الفاتح نوفمبر من العام القادم أيضا.
تمويل المشروع متوفر وعن تمويل معهد الرسوم، يكشف السيد ياسف عن وجود اتصالات متقدمة مع مؤسسة بترولية أجنبية، ووزارات مختلفة، مستطردا في قوله أن هذا المشروع تربوي وفوائده كبيرة لذلك فيتطلب مشاركة العديد من الأطراف خاصة أمام الطلب المتزايد على الرسوم في السوق الدولية، فالقناة الفرنسية الأولى تحتاج مثلا إلى 1500 ساعة رسوم في السنة، بالإضافة إلى كل القنوات المختصة في الرسوم، »نعم هناك طلب كبير جدا على الرسوم ويجب أن نكون فاعلين في سوق الرسوم المتحركة«. يقول ضيف "المساء". وينتقل السيد ياسف للحديث عن الانتشار الرهيب للرسوم المتحركة في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، والدليل على ذلك تحقيق إنتاجات للرسوم المتحركة الكثير من المداخيل في قاعات السينما وكذا تقديم فنانين مرموقين لأصواتهم في الرسوم، بالإضافة إلى افتتاح مهرجان "كان" السينمائي في دورته الأخيرة برسوم متحركة من نوع "D3"، مؤكدا أن الرسوم على عكس السينما يمكن أن يعبر من خلالها المبدع بحرية أكبر رغم أنها تكلف أكثر من الأفلام السينمائية، فحركة واحدة في الرسم تتطلب 25 رسمة.
مركبات ثقافية وتجارية بكل ولايات الوطن للسيد ياسف الحسين الذي شارك في إنتاج فيلم »معركة الجزائر« وفي الفيلم الإيطالي "المتوحش"، مشروع آخر لا يقل أهمية عن مشروع انجاز معهد تكوين رساميّ الرسوم المتحركة، ويتمثل في إنشاء مركبات تجمع بين الأنشطة الثقافية والتجارية ويضم كل مركب ثلاث قاعات سينما مجهزة بأحدث التقنيات ومحلات تجارية متنوعة وهذا على مستوى ولايات التراب الوطني. ويصل عدد قاعات السينما والعروض قرابة 432 قاعة وهو تقريبا نفس عدد القاعات التي كانت بالجزائر بعد الاستقلال مباشرة، ويستغرق بناء مركب ما يقل عن أربعة أشهر، ولا تزيد تكاليفه عن تكاليف فيلا بحي راق في العاصمةوذلك باستعمال مواد بناء اقتصادية. ويقول السيد ياسف أنه في انتظار موافقة بلديات الولايات المعنية وقطع أرضية لانجاز المركبات، مضيفا انه يمكن أن يكون في كل ولاية واحدة أكثر من مركب بشرط أن يبنى إما داخل أو خارج البلدة وهذا حتى تتمكن العائلة الجزائرية من الذهاب إلى السينما بكل راحة، مستطردا في قوله أن السلطات الاحتلالية بنت قاعات السينما وسط المدن وهو ما يتنافى مع التقاليد الجزائرية حيث لا ترتاد العائلات السينما أنذاك.