كثيرون منا لا يفهمون الذوق ولا يمارسونه إلا فيما يتعلق بالشكل الذي يظهرون به سواء من ناحية الملبس أو المسكن أو حتى نوعية ما يسوقون من مركبات، وينسى جميع هؤلاء أن الذوق قيمة ذات بعد أخلاقي يتجلى في ممارسة الحياة باحترام وبتقدير لحق الآخرين فيها من دون الإساءة لهم أو التعدي على القوانين المنظمة لعلاقة البشر في تعاملاتهم مع بعضهم البعض، حال كلامي هنا، هو حال الشعب الأمريكي الذي لقننا درسا في الذوق.. وقلت في نفسي لو صار الذوق بين الناس بمعناه الحقيقي الذي كان يجب أن يكون عليه، ميثاقاً لحياتهم لما كان هناك من جدوى أو معنى لوجود القوانين أو من يتولون تطبيقها، ولكان من الهين جدا علينا أن نتصرف بحرية دون المساس بحياة الغير، لكن وفي ظل انعدام الذوق والتراجع الحاد لمؤشر الأخلاق فإن وجود القوانين بيننا وتشديد عقوباتها صار أمراً أكثر من ملح، وأكثر بكثير.. ليس من الذوق في شيء التعدي على حرية الآخرين في التجول والتنزه عبر ممارسة أفعال غير محتشمة في الأماكن العامة، وليس من الذوق إغلاق طريق عام في وجه العابرين والمارين، بموكب للسيارات بحجة ''هكذا تكون الفرحة''، و''هكذا هو ذوقنا في التعبير عن نشوة العرسس.. كما ليس من الذوق أيضا رمي أكياس القمامة والمخلفات حيثما اتفق مثلما هو حال البعض ممن زاروا المعرض الدولي للكتاب في طبعته الثالثة عشر الذين ما فتئوا يهتمون بالوجبات الخفيفة والسريعة على حساب اقتناء الكتاب، حتى خيل لي وأنا ازور معرض الكتاب أن المعرض معرض وجبات وليس للكتاب، بل الأسوأ هو تلك المخلفات التي كان يرمى بها في كل ركن من أركان المعرض.. أولم يفكر ممن كانوا يتهافتون على محال بيع الوجبات، أن هذه الأخيرة ما كانت لتنصب هناك لولا معرض الكتاب، وأن ذاك التصرف ليس من الذوق جدا، وليس من الذوق كذلك مخالفة النظم المرورية وتعريض الآخرين للخطر مثلما يفعل بعض الشباب المنفعل .. كل الشرائع والقوانين تدفع بالارتقاء بالذوق العام لكن معظم السلوكيات والتصرفات التي بات يكتسبها الجزائري تتحرر من أصول الذوق العام الجزائري الذي تلتزم بأصول الذوق الشكلي ولعل تلكم هي المفارقة العظمى التي تنم عن عدم وعي وعن إعجاب بالذات وإعطائها القدر الأكبر من اهتمامنا حتى يصير الواحد منا يتجاهل ما يحتاجه الآخرون في محيطنا من ذوق ورقي في التعامل والاحترام.