خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    انتصارات متتالية.. وكبح جماح تسييس القضايا العادلة    مجلس الأمن يعقد اجتماعا حول وضع الأطفال في غزّة    تمديد أجل اكتتاب التصريح النهائي للضريبة الجزافية الوحيدة    فتح تحقيقات محايدة لمساءلة الاحتلال الصهيوني على جرائمه    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    خدمات عن بعد لعصرنة التسيير القنصلي قريبا    وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية يشدد على نوعية الخدمات المقدمة وتعزيز استعمال الدفع الإلكتروني    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    الجزائر رائدة في الطاقة والفلاحة والأشغال العمومية    رحلة بحث عن أوانٍ جديدة لشهر رمضان    ربات البيوت ينعشن حرفة صناعة المربى    35 % نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    قافلة تكوينية جنوبية    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    تراجع صادرات الجزائر من الغاز المسال    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    نعمل على تعزيز العلاقات مع الجزائر    أمطار وثلوج في 26 ولاية    حريصون على احترافية الصحافة الوطنية    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    كرة القدم/ رابطة أبطال افريقيا /المجموعة 1- الجولة 6/ : مولودية الجزائر تتعادل مع يونغ أفريكانز(0-0) و تتأهل للدور ربع النهائي    كرة القدم: اختتام ورشة "الكاف" حول الحوكمة بالجزائر (فاف)    حوادث المرور: وفاة 13 شخصا وإصابة 290 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    ري: نسبة امتلاء السدود تقارب ال 35 بالمائة على المستوى الوطني و هي مرشحة للارتفاع    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    الجزائرتدين الهجمات المتعمدة لقوات الاحتلال الصهيوني على قوة اليونيفيل    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    تقلبات جوية : الأمن الوطني يدعو مستعملي الطريق إلى توخي الحيطة والحذر    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 46899 شهيدا و110725 جريحا    منظمة حقوقية صحراوية تستنكر بأشد العبارات اعتقال وتعذيب نشطاء حقوقيين صحراويين في مدينة الداخلة المحتلة    اتحاد الصحفيين العرب انزلق في "الدعاية المضلّلة"    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدونات الشباب الإلكترونية .. صداع الأنظمة الجديد
هامش الحرية في الجزائر حدّ من انتشارها
نشر في الأمة العربية يوم 09 - 03 - 2009

عرفت الأنظمة الحاكمة في كل حضارات الدنيا منذ فجر التاريخ إلى عصرنا هذا أشكالا كثيرة من المعارضة تتطور مع كل عصر وتتطور معها الأجهزة القمعية وتكميم الأفواه، وكلما طورت الأنظمة وسائل إسكات المعارضة وقمعها، طوّرت المعارضة وسائلها، فمن التجمعات ونقل فساد البلاط بين الناس في الأسواق والتجمعات السكانية وهجاء الملوك وأعوانهم شعرا ونثرا في الأزمنة الغابرة وصولا إلى معارضة الأنظمة عن طريق البيانات ووسائل الإعلام المكتوبة، ثم المسموعة والمرئية والمكتوبة معا التي بدأت مع عصر الاختراعات والثورة الصناعية، ومع كل هذا التطور كانت الأنظمة دوما تجد وسائل لتكميم الأفواه إما بالاعتقال أو النفي أو تعليق الجرائد، وربما يصل الأمر أحيانا إلى القتل.
لكن اليوم ومع التطور الكبير وانفتاح العالم على بعضه صار تكميم الأفواه ومصادرة الرأي والتعتيم الإعلامي ضرب من العبث بعد ظهور ما يسمى بالمدونات الإلكترونية، التي تعد خطوة عملاقة ليس في المجال التكنولوجي فحسب، بل حتى في مجال حرية التعبير والرأي بعدما صارت صداعا مزمنا في رأس الأنظمة الفاسدة.
تاريخ المدونات
تعتبر المدونة أهم خدمة على الإطلاق ظهرت على الأنترنت بعد البريد الإلكتروني خاصة من ناحية المواضيع المنشورة بها وسهولة استخدامها، حيث تعتبر جريدة حقيقية، لكن مديرها ومحررها ومسيرها شخص واحد يدير كل شيء بكل حرية خلف شاشة الكمبيوتر. ويعد الظهور الحقيقي للمدونة في عام 1995 ومنذ ذلك الحين انتشر التدوين وأصبح وسيلة لإيصال الآراء المختلفة وإبراز القناعات السياسية دون عقد أو خوف من مقص الرقيب أو الاعتقال، خاصة إذا كان كاتب المدونة يستعمل اسما مستعارا. واشتهرت المدونات بشكل واسع ومكثف في عام 2002 بالمدونات المروجة للحرب على العراق والمؤيدة لاحتلال العراق، وأشهر هذه المدونات هي مدونة "انستابوندت" وفي عام 2003 ظهرت المدونات كوسيلة للعديد من الأشخاص المناوئين للحرب للتعبير عن مواقفهم الرافضة للحرب واحتلال العراق ومنهم مشاهير السياسة الأمريكية مثل "هوارد دين". وقد اكتسبت بعض المدونات شهرة كبيرة وانتشرت بشكل مذهل ووصل قراؤها إلى الملايين. وفي 2004 أصبحت المدونات ظاهرة عامة وشكلا من أشكال الإبداع الأدبي، فظهر شعراء وكتّاب شباب لم يكن يسمع بهم أحد، اكتسحوا عالم الكتابة والإبداع بكل جدارة، وظهرت نخبة أخرى من الشباب الثائر في العالم العربي بمدوناتهم السياسية الساخطة على الوضع السياسي والاجتماعي لتصير صداعا حقيقيا يطرق رؤوس الأنظمة العربية.
المدونات العربية
لم تكن المدونات العربية حين ظهورها بالشكل التي هي عليه اليوم، حيث كانت مجرد مواقع للأشعار ومذكرات شخصية وتبادل بعض الرسائل والصور، وممارسة بعض الهوايات، إلا أن الأحداث التي يعيشها العالم العربي والتضييق الحاصل على حرية التعبير في وسائل الإعلام واستفحال الكثير من الآفات الاجتماعية كالفقر والبطالة والهجرة غير السّرية والغنى السريع الذي ظهر باديا على الكثير من الوجوه السياسية ومحيطهم جعل السكوت على مثل هذه الظواهر وعدم التنبيه إلى معارضتها يعد تواطئا وخيانة، لتنطلق ثورة إلكترونية عربية على المدونات كاشفة عن فساد المسؤولين وعن التعذيب الحاصل في مخافر الشرطة بالصوت والصورة، لتسقط ورقة التوت التي كانت تستر الأنظمة العربية أمام العالم وتصبح حرية التعبير التي تتباهى بها الأنظمة العربية مجرد استعراض إنشائي يقال في المناسبات الرسمية للاستهلاك الداخلي والخارجي على حد سواء، لتسقط كل الافتراءات أمام آلة المدونات التي كشفت المحظور وما يحصل في أقبية الظلام. وبعدما أُفرغت وسائل الإعلام التقليدية من محتواها الحقيقي وصارت مجرد أبواق سلطوية وصفحات للإشهار والبيانات الحكومية، أصبحت المدونات الناطق الرسمي للمعارضة الحقيقية متجاوزة كل الخطوط الحمراء التي كانت تقف أمامها وسائل الإعلام الأخرى، من أجل ممارسة حقيقية لحرية التعبير ولو باسم مستعار من خلف شاشة كمبيوتر. ولعل ما جعل المدونة تتسع وتنتشر بكل هذه القوة هو خروجها عن الإطار التقليدي والصحفي من حيث اللغة والمضمون، وهذا ما شكّل ثروة لغوية وثقافية يندر وجودها في وسائل الإعلام التقليدية، وظهرت أساليب جديدة في الكتابة أبانت عن قدرات راقية في الكتابة سواء في الأدب أو السياسة وفي كل مجال يمكن أن يجعل أي مبدع يفجّر طاقته الكتابية، لكن هذه الجرأة المفرطة في الكتابة وكشف الحقائق لم تجعل الأنظمة مكتوفة الأيدي، فالكثير من الأنظمة العربية قادت حملة اعتقالات واسعة لمدونين كانوا ينشرون آراءهم بأسمائهم الحقيقية.
الحكومات تتحرك والبداية من مصر
أدركت بعض الحكومات خاصة العربية منها أن ظاهرة المدونات ليست موضة مؤقتة بل قنبلة شديدة المفعول وانفجارها سيؤدي إلى كوارث حقيقية، خاصة بعدما صار استعمال الحاسوب والأنترنت متيسرا لكل فئات المجتمع، لتصير هذه النعمة التكنولوجية نقمة حقيقية تهدد استقرار الحكومات وتعصف بها. ولأن المدونة جرائد أو مراكز إعلامية يصعب مراقبتها، فقد صارت صداعا حقيقيا وأرقا للأجهزة المختصة في المراقبة إذ لا تنفع معها المراقبة التقليدية، ويتطلب الأمر معرفة عالية بالتقنية، وهذه المعرفة لا تؤدي حتما للقبض على المدون بل لتخريب مدونته خاصة إذا كان يكتب باسم مستعار. ومهما حاولت بعض الحكومات إسكاتها بإلغائها أو مهاجمتها بفيروسات، فإن هذه المدونات صارت تتكاثر مثل الفطريات، وفي كل مرة تظهر أسماء أخرى لشباب عربي ولد في عصر التكنولوجيا ويلمّ بكل ما يحيط به في الخارج.
بداية الحرب على المدونات كانت من مصر، حيث كانت أول دولة عربية تنطلق فيها حملة واسعة لاعتقال المدونين واختطافهم وترهيبهم وتقديمهم أمام القضاء والحكم عليهم بأحكام مختلفة، ولم تتوقف الحملات إلى الاعتقالات فقط؛ بل شنّت هجومات إلكترونية وبفيروسات قاتلة على المدونات التي يُجهل أصحابها مدمرة المواقع بشكل كامل، إلا أن الحل الأخير محدود الفعالية بعدما تظهر المدونة من جديد بعد إعادة بنائها وتحصينها إلكترونيا، لتلي مصر كل من السعودية والبحرين والمملكة المغربية بحملة اعتقالات أخرى من أجل الحد من نشر فضائح الفساد ومناشير المعارضة. ولا يقف الأمر عند الحكومات العربية فقط، فقد تحركت الإدارة الأمريكية، ووصل الأمر بالبنتاغون إلى إصدار قانون يحد ويراقب الشبكة العنكبوتية من أجل إيقاف نشر الغسيل الأمريكي في العراق بعدما انتشرت مدونات لجنود أمريكيين يطلعون فيها العالم على حقيقة الحرب في العراق والوضع الميداني بعيدا عن وسائل الإعلام التي تستقي معلوماتها من البيت الأبيض .
"البابارتزي الإلكتروني "
اشتهر مصورو "البابارتزي" أو "مصورو الفضائح" بمطاردتهم للمشاهير وتصوريهم في أماكن معينة أو أوضاع مشبوهة لتباع صورهم للمجلات العالمية بأسعار خيالية. وكلنا يذكر كيف طارد "البابارتزي" الأميرة الراحلة ديانا سبينسر وصديقها المصري الملياردير دودي الفايد من أجل التقاط صور لهما معا إلى غاية آخر لحظة من عمريهما.
اليوم ظهر "بابارتزي" من نوع جديد لا يشترط معه أن تكون محترفا كي تصير مصور فضائح، إذ لا يلزمك سوى كاميرا جوال والسير في مظاهرة عربية أو مراقبة ظاهرة شاذة وتسجيلها على جوالك لتجعلها في صفحة مدونتك على "اليوتيب". ولعل من أشهر هذه المدونات التي فضحت القمع الوحشي للبوليس المصري، هي المدونة التي تظهر ضباط شرطة يتداولون بالضرب المبرح على الشباب المعتقلين في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وآدميته، والظاهر أن الذي قام بتصوير هذا العمل ضابط شرطة عن طريق جواله خفية عن زملائه ثم وزع الصورة على موقع "اليوتيب" ليصير متداولا بين الكثير من المدونين دون أن تكشف حقيقة هذا الضابط أو الشرطي إلى الآن، وكذلك المدونة المغربية أو ما أطلق عليه "قنّاص الدار البيضاء"، الذي صور بتقنية عالية الدقة أفرادا من الدرك الملكي يتلقون رشاوى في الطرقات من طرف مواطنين يقودون شاحناتهم وعرباتهم من أجل السماح لهم والتغاضي عن تهريب السلع او حتى خرق قوانين المرور. ولا زال "قناص الدار البيضاء" كما يسميه جموع المدونين بلا هوية باحثا عن فضائح أخرى ليكشفها بنفس الطريقة والكيفية. وتنتقل بنا صفحات المدونات العربية إلى البحرين، وسرد القمع الذي يتعرض له المتظاهرون والاعتقالات التعسفية والتهم المجانية والسجن. أما في السعودية فقد صارت صفقة اليمامة التي أهدرت فيها عمولات وقدمت فيها رشاوى بالملايين لبعض أفراد العائلة الحاكمة في صفقة أسلحة، ورغم أن الحكومة البريطانية والسعودية أغلقتا الملف، إلا أن المدونين السعوديين والعرب أبقوه مفتوحا في مدوناتهم بطرح الأسئلة عن عدم محاسبة المتسببين في هذه الفضيحة، والنبش في صفقات أخرى يكون قد قام بها بعض من أفراد الأسرة الحاكمة ولم يتم الكشف عنها رسميا. أما فيما يخص المدونات الغربية فتعد الفضائح الأخلاقية والممارسات المنافية لحقوق الإنسان التي يقوم بها الجيش الأمريكي من أكبر الفضائح المتداولة على الإطلاق على صفحات المدونين الغربيين، خاصة فيما تعلق بسجن أبو غريب الذي كان صدمة للضمير العالمي جعلت العالم يصاب بالذهول أمام هول الصور التي التقطتها كاميرات الجنود والتي وزعت بعدها على مواقع إلكترونية لتجد لها مكانا في المدونات في شكل صرخة ضمير متأخرة. ولم يقتصر الأمر على سجن أبو غريب، بل يوجد من المدونين التابعين للجيش الأمريكي من يصف يومياته في الشارع العراقي بكل تفاصيلها من قمع يمارسونه ضد الشعب والهجمات التي يلاقونها وخسائرهم الفادحة التي تعارض الأرقام الرسمية التي يقدمها البنتاغون؛ ناهيك عن القتل العشوائي الذي يتعرض له المدنيون العزل في العراق. ولعل أبرز صورة التقطها "بابارتزي إلكتروني" هي تلك الصورة التي يجهز فيها جندي أمريكي على مواطن عراقي أعزل داخل مسجد برصاصة في رأسه. ومن هنا نستطيع أن نقول إن المدونين صاروا أيضا مراسلين حربيين بطريقة عصرية، حيث لم يعد يختلف المدون عن المراسل الصحفي الحربي بل فاقه وتغلّب عليه في كشف الحقائق، لأن المدون في هذه الحالات إما أن يكون جنديا في وسط الميدان يوثق شهادات عن قرب وإما أن يكون واحدا من الفاعلين فيما كتبه اأو صوره، وهو في كل هذا لا يتبع جهة إعلامية معينة مثل المراسل الحربي، أي أنه أكثر حرية من المراسل الحربي الذي تقيّده الخطوط الحمراء.
دور النشر العالمية تتهافت على طبع المدونات
لا أحد يعرف بالضبط عدد المدونات الإلكترونية، لكنها بالتأكيد قد بلغت الملايين، فالأمر لا يتطلب رخصة من الحكومة كي تنشئ مدونة خاصة، فالأمر في متناول أي شخص يريد أن يمارس التدوين ويعرض قضيته وأفكاره وتجاربه في الحياة. لكن رغم الكم الهائل من المدونات على صفحات الأنترنت إلا أن القليل منها الذي استقطب القراء والمتابعين للمدونات ونال شهرة وانتشارا واسعين في العالم، بل إن الكثير من المدونات المشهورة تهافتت عليها دور النشر العالمية من أجل شراء حقوق طباعتها، مثل مدونة "جوديت أوريلي" صاحبة مدونة "زوجة في الشمال" التي تحكي في مدونتها عن تجربتها في تربية أطفالها وتركها لعملها كصحفية وانتقالها إلى قرية نائية في شمال بريطانيا امتثالا لرغبة زوجها، حيث استقطبت الكثير من المتابعين والزوار وتحدث عنها أحد النواب في مجلس اللوردات في بريطانيا مشيدا بمستوى المدونة الرفيع والقيمة الإنسانية في أفكار السيدة جوديت أورلي، التي اعتبرها أمّا وزوجة مثالية ضحّت بمستقبلها من أجل تربية أطفالها تربية صحيحة، كما تلقت "أورلي" عرضا من طرف دار "بنغوين" للنشر لتحويل مدونتها إلى كتاب مقابل 700 ألف جنيه إسترليني. وقبل مدونة "أورلي" اشتهرت مدونة أخرى بعنوان "بغداد تحترق" وهي عبارة عن يوميات امرأة عراقية بدأت قصتها في صيف 2003 بعد 5 أشهر من الغزو، حيث تحكي هذه المرأة العراقية في مدونتها عن تفاصيل الحرب وآلام الشعب العراقي وما يكابده من ويلات، غير أن أشهر كتاب المدونات الذي اشتهر عالميا هي لمهندس عراقي يبلغ من العمر 29 سنة المعروف ب" سلام باكس" وهو اسمه المستعار والذي نال شهرة واسعة واهتماما بالغا من وسائل إعلامية عالمية مختلفة نظرا لوصفه الدقيق لكل ما يحدث في العراق، وقد ساعدته بعض وسائل الإعلام البريطانية وذلك بنشر مذكراته على صدر صفحاتها ووصل الأمر ببعض الجرائد الغربية بأن جعلته يكتب افتتاحيتها، وصدر كتاب عنه بعنوان "سلام باكس اليومية السرية لعراقي". ولا زال "سلام باكس" هذا لحد الآن مجهولا. ونجد أيضا من الذين اشتهروا في مجال التدوين الجندي الأمريكي "كولبي بوزيل" الذي يصف في مدوناته لحظات الخوف التي يمر بها في كل لحظة في العراق وتنافست على نشر مدوناته وشراء حقوق طبعها أكبر دور النشر الأمريكية والغربية بعد تصويره للحالة النفسية الدقيقة التي يمر بها الجنود الأمريكيين بصفة خاصة وجنود التحالف بصفة عامة ناهيك عن كتابته حول الهجمات التي يتعرضون لها من طرف المقاومة وقوة المقاومة العراقية وبسالتها.
هل تصبح المدونات بديلا عن الصحافة؟
مما لا شك فيه أن الأنترنت، هذه النعمة التكنولوجية، فتحت عيون جيل جديد على عالم جديد لم يروه أبدا ولم يكونوا يحلمون به، فهم يسافرون إلى العالم دون تأشيرة سفر ويعقدون صداقات مع أشخاص من مختلف دول العالم، ويتعرفون على حضارات وطريقة عيش الشباب في الغرب والحرية وفرص النجاح المتوفرة هناك. وأمام انسداد الآفاق في الدول العربية وانتشار البطالة وجد الجيل الجديد من الشباب نفسه أمام صور متناقضة وأمام أبواب مقفلة عليه بإحكام رغم أنه يطل من نافذة الكمبيوتر على عالم كل ما فيه رقي وتقدم، ربما لهذه الأسباب انتشرت ثورة المدونات رافضة الوضع المفروض والأبوة القسرية للأنظمة، وكل هذا بمساندة المنظمات الإنسانية الدولية التي لا زالت لحد الآن تطالب بحماية المدونين ومنحهم نفس المزايا التي تمنح للصحفيين. السؤال المهم الآن هو هل تصبح المدونات بديلا عن وسائل الإعلام التقليدية ..؟
هذا ما يطرحه الكثير من المتابعين وحتى المدونين أنفسهم، بعدما صارت المدونة عالما قائما بذاته تجد فيها مختلف المواضيع والصور والأشرطة المصورة، وهي لا تقف عند الأفكار المعارضة للنظام فقط؛ بل فيها صفحات أدبية وفكرية وثقافية وفنية، بشكل راق ومتطور في كثير من الأحيان تعبر عن ذوق مستعمل المدونة، خاصة وأن المدون هنا لا يخضع لرئيس تحرير أو مدير نشر، فهو كل شيء في مدونته ربما لكل هذا نجد المدونات تصدر بأبهى حلة وتتغير مع كل يوم جديد أو موضوع جديد. ومستقبل المدونة مشرق حسب المتتبعين ومضيء ما دام الأنترنت وسيلة سهلة الاستعمال ومسموح بها لكل مواطن. ومما لا شك فيه حسبهم أنها ستكتسح وسائل الإعلام التقليدية وتجعلها من الماضي إن بقيت هذه الأخيرة "مجرد أبواق سلطوية" أو تعبر عن آراء سطحية. وإذا نظرنا إلى الجيل الجديد الذي لا يهتم بما تصدره الجرائد ولا حتى التلفزيونات، فالأكيد أن الجيل القديم برأيهم، الذي دأب على استعمال وسائل الإعلام التقليدية، سيصير في خبر كان قبل أوان التقاعد. ويستطيع أي ملاحظ أن يقارن ما تصدره المدونات والجرائد العادية ليرى البون الشاسع ليس في كشف الحقائق فقط بل حتى في نوعية الأخبار والحلة الفنية التي تصدر بها المدونة. وإذا نظرنا إلى تعاون المدونين فيما بينهم مثل إنشاء اتحاد المدونات العربية والتضامن الكبير فيما بينهم وإيصال قضايا المعتقلين منهم إلى لجان حقوق الإنسان، فالأكيد حسب المختصين أن هذا الجيل يريد المضي بعيدا دون اعتبار للخطوط الحمراء أو مقص الرقيب الذي بقي عاجزا أمام الثورة الإلكترونية التي سجنت هذه المرة الرقيب نفسه.
الجزائر خارج مجال التغطية
واقع المدونات الجزائرية حسب ما يراه الكثيرون لا زال يدور في فلك العموميات إذا ما استثنينا بعض مدونات الصحفيين الشباب، مثل مدونة الصحفي والمترجم لحسن عيساني وكذا الصحفي بارودي ونجد أيضا الشيخ خليفة الذي وصل عدد الزيارات لمدونته إلى أكثر من 50 ألف زائر؛ بينما وصل عدد الزيارات لمدونة الصحفي كمال قرور المعنونة ب"أفكار ضد الرصاص" إلى قرابة ال 40 ألف.
وتتنوع المدونات الجزائرية حسب مستوى ميول أصحابها، فهناك اتجاهات رياضية وأدبية وأخرى ترفيهية وثقافية وبعضها مجرد تجارب شخصية يعرضها أصحابها ويوجد حتى من تحوي دروسا خصوصية يشرف عليها بعض الأساتذة مجانا للتلاميذ. ورغم تنوع المدونات الجزائرية، إلا أنها لا تلاقي رواجا كبيرا عكس المدونات العربية خاصة المشرقية، بل حتى عكس جيراننا فالمدونات المغربية تلاقي صدى كبيرا بين القراء، ولعل أبرز ما جعل المدونات الجزائرية لا تلاقي الإقبال اللازم من طرف الشباب الجزائري هو هامش الحرية وحرية التعبير الموجودة في الجزائر، لذا فما ينشر في المدونات ربما هو معروف عند الجميع وتنشره الصحف وفي أحيان كثيرة تكون المدونات مجرد صدى للجرائد اليومية أو نقلا لمقالات بعض الصحفيين.
والملاحظ أن المدونات الجزائرية المكتوبة بالفرنسية هي أوفر حظا من ناحية المتابعة عكس المدونات المعربة، ورغم ذلك هي أيضا لا تصل إلى مستوى المتابعة كما وصلته المدونات الأخرى في الدول العربية. وحسب الكثير من أصحاب المدونات خاصة الصحفيين منهم، فإن التدوين بالنسبة لهم لا يعتبر تهريبا للأفكار من مراكزهم الإعلامية إلى المدونات قدر ما هو هواية ومحاولة للتعريف بأنفسهم والترويج لهم خاصة بين الدول العربية وهناك نقطة مهمة أيضا وهي اللمسات الجمالية في المدونة لأن هذه الأخيرة تخضع لصاحبها وذوقه الفني في إضفاء مسحة من الجمال والأشكال والصور لكسب المزيد من المتابعة، وجلب القارئ والمتابع وكسب أكبر قدر من المتابعين كرصيد يسجل في مدونته.
إلا أن ثمة من يرى عكس ذلك، مثل المدون الصحفي والمترجم لحسن عيساني الذي يعتقد أن المدونة تمنحه هامشا من الحرية أكثر من الصحافة، وأيضا يكون في المدونة بعيدا عن أعين رئيس التحرير أو المشرف المباشر الذي يفرض عليه إنقاص أو زيادة في مقاله أو مادته الإعلامية.
وقد يكون لغياب ثقافة التدوين عند الفرد الجزائري دورا في غياب الوعي بأهمية المدونة لدى الشباب عندنا، ناهيك وأن اهتمامات شبابنا تختلف عن اهتمامات الشباب العرب لاختلاف الواقع الموجود بين الجزائر وكثير من الدول العربية حتى وإن تشابه في بعض جوانبه الاجتماعية. ويظل التدوين الإلكتروني أداة فكرية جميلة تبرز لنا مواهب الشباب وقدرتهم على الإبداع والابتكار في كل المجالات.
أشهر المدونين الشباب الذين تعرضوا للاعتقال
المدون السعودي فؤاد الفرحان من البحث عن الحرية إلى أقبية الظلام :
يعد فؤاد الفرحان من السعوديين القلائل الذين يكتبون مدوناتهم بأسمائهم الحقيقية. في بداية 2007 اقتحمت جهات رسمية مقر سكناه اعتقلته وتوجهت به إلى وجهة مجهولة.
المدون المغربي محمد الراجي: صاحب ال 29 ربيعا كتب عن الملك يقول الملك يشجع الشعب على الاتكال فوجد نفسه مدانا بسنتين سجنا بتهمة إهانة الملك.
المدون المصري علاء سيف الإسلام : أراد أن يصور بجواله أفرادا من الشرطة ينهالون بهراوتهم على سيدة كانت تشارك في مظاهرة فوجد نفسه متهما بإهانة رئيس الجمهورية.
المدون المصري مالك مصطفى: كتب عن الحرية فوجد نفسه خلف القضبان بتهمة ازدراء رئيس الجمهورية وتعطيل حركة المرور.
المدون الجزائري عبد السلام بارودي : كتب منتقدا مدير الأوقاف بتلمسان بعد حظره تعامل الأئمة مع إذاعة تلمسان فوجد نفسه متابعا قضائيا.
المدون أحمد سعد دومة : اختطف من أمام مقر سكناه من طرف ثلاثة رجال إلى وجهة مجهولة وحتى بعد إطلاق سراحه لا زال يجهل الجهة التي اختطفته وحتى المكان الذي كان فيه.
ويقبع المدون المصري كريم عامر خلف القضبان بعدما أيدت محكمة الجنح بمصر الحكم الصادر في حقه من قبل والتهمة دوما ازدراء رئيس الجمهورية مضافا إليها تحقير الأديان.
هذه بعض الأسماء القليلة لمدونين تعرضوا للسجن أو المحاكمة أو لمضايقات مختلفة والقائمة لا زلت طويلة. ويظهر من خلال هذا العرض أن المدونين المصريين يأتون على رأس الترتيب من حيث نسبة الاعتقال والتضييق على الحريات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.