مرة أخرى يجد المشاهد الجزائري - والعربي بصفة عامة - نفسه راضخا للأمر الواقع الذي فرضته فلسفة اقتصاد السوق من خلال احتكار بعض الفضائيات المشفّرة لوقائع البطولة العربية للكرة الطائرة المنتظر انطلاقها غدا الخميس بالعاصمة البحرينية المنامة، والبطولة العالمية لكرة اليد المزمع إجراؤها في النصف الثاني من شهر جانفي المقبل بكرواتيا، وهما حدثان رياضيان كبيران ستكون النخبة الوطنية الجزائرية معنية بهما. وبات التلفزيون الجزائري يشكو صداع الرأس، حيث يسعى مسؤولوه جاهدين هذه الأيام - حتى لا نقول عابثين - لتحصيل غلّة حقوق البث التي تشهد غلاء فاحشا، وحتى وإن تمكنت منها فإن المقابل سوف لن يخرج عن نطاق الشروط التعجيزية وفي بعض الأحيان المهدّدة للسيادة الوطنية أو أمور أخرى. وكانت قناة ''آرتي سبورت'' قد اشترت وبصيغة حصرية حقوق نقل وقائع البطولة العربية للكرة الطائرة، مشترطة قيمة مالية تعادل 25 ألف دولار ما يقارب 175 مليون سنتيم لأي مؤسسة تلفزية عربية تريد الاستفادة من تغطية الدورة ونقل المباريات، وهنا يؤكد بعض اختصاصيي هذا الشأن أن المبلغ المشار إليه مرصود لمباراة واحدة فقط وليس كامل وقائع الدورة. وأما البطولة العالمية لكرة اليد، فقد باع الاتحاد الدولي حقوق بث وقائعها للمؤسسة الفرنسية ''سبورت فايف'' المختصة في تسيير وتسويق الحقوق السمعية البصرية للأحداث الرياضية، وانبرت قناة ''الجزيرة الرياضية'' عقبها تخوض مفاوضات اشترت من خلالها هذه الحقوق المتعلّقة بالمنطقة العربية أو ما يعرف ب ''الشرق الأوسط وشمال إفريقيا''، فاشترطت قناة ''ناصر الخليفي'' القطرية بهذا الصدد توفير غلاف مالي يترواح ما بين 250 ألف و300 ألف دولار ما يقارب قيمة ملياري سنتيم لكل مؤسسة تلفزية عربية تريد الاستفادة من نقل وقائع البطولة. ووجدت القنوات التلفزية العمومية العربية نفسها هذه الأيام بين مطرقة سخط الشارع الرياضي الذي يود متابعة هذه الأحداث غير عابئ بما يغلّفها من شروط ولوائح مكبّلة ومهينة أحيانا، وبين سندان ''إمبراطوريات إدفع تتفرج'' التي تتحجج بمبرراتها من شاكلة '' لم يبق في هذا الزمان شيئا اسمه مجانا!؟'' وبرأي بعض المتضلّعين في الشأن الإعلامي خاصة في الشق التسويقي، فإن كبح جماح هذا الارتفاع الفاحش والصعود الصاروخي لحقوق البث لن يتم ما لم تكن هناك إرادة سياسية حازمة تتخذها منظمة الوحدة العربية، ذلك لأن الرياضة عموما وكرة القدم بصفة خاصة باتت بمثابة ''ملاذ'' للشباب العربي، هذا الأخير تعج صفوفه بالبطالين والبؤساء والمهمشين حتى لا نقول الصعاليك، ولما تحرم هذه الفئة العريضة من مشاهدة ما تتوق إليه سترمي لا محالة بنقمها تجاه المؤسسات التلفزية العمومية - في أحسن الأحوال - التي تراخت حسبها في شراء هذه الحقوق، وعليه لا مفر من أن تنبري الحكومات العربية بحزم قبل أن يفلت منها زمام الأمور لمصلحة ''القنوات التجارية'' وسخط الشارع الرياضي.