''كمشة'' يهود فعلوا الأفاعيل ب ''شواري'' العرب، بل وأمعنوا في إذلالهم وتعريتهم أمام التاريخ وعلى طول الجغرافيا، من خلال السياقات السياسية والعسكرية التي سبقت ولازمت العدوان الصهيوني على قطاع غزة، حتى أنه للأسبوع الثاني اعتاد ملايين الناس على تلك الصور البشعة التي لم تعد تحرك ساكنا، ولا تثير حنقا ولا اشنمئزازا، حتى وصل بنا الحال على قول أحدهم إلى حد تحية دولة الكيان الصهيوني التي جمعت هؤلاء البشر لاسيما من العرب ووحدت قبلتهم نحو مختلف الفضائيات وتلك حسنة من حسناتها، حسبه دائما. بل والأخطر من ذلك أن دولة حفدة ثيودور هرتزل وأبناء البشعة غولدا مائير وُفقوا إلى حد بعيد في فرض التطبيع على المواطن العربي، في حين عجزوا أو هكذا صُور لنا على اختراق جبهات الصمود والتصدي الكثيرة والمتناثرة على طول جغرافيا هذا الوطن مستنزف المشاعر. كيف لا؟ وجل المواطنين العرب والمسلمين تعودوا على صور قتلى وثكلى ويتامى وأشلاء ودماء الغزاويين لأكثر من أسبوع، فبعد أن وصلت أولى صور العدوان إلى أعين هؤلاء العينة من البشر حتى سد نفس البعض عن الأكل، واغرورقت أعين البعض الآخر بالدموع، وخاب ظن آخرين، وهكذا دواليك مع كل الأفعال التي من هذا القبيل والتي أحسن العالم الجليل الخليل الفراهيدي جمعها في معجمه ''العين''، وبعد مرور أكثر من أسبوع على مشاهدة تلك الصور بكرة وعشيا حتى ألفها الناس، وعادت الحواس التي أغلقت على نفسها رافضة العمل مع النذر الأولى لصور العدوان على سكان غزة إلى عملها متكيفة مع الوضع ومطبّعة معه. أوليس هذا هو التطبيع الخطير والأخطر؟، فبعد أن كان العرب والمسلمون يرددون ورْدهم الصوفي على الطريقة ''القومية'' ''إلقاء الصهاينة في البحر''، ألف مرة في اليوم، مع شح الصور، وندرة الأخبار الواردة من عين المكان عن جرائم بني صهيون في فلسطين ولبنان وغيرهما، إلى ''مقاومة المقاومة'' في عز التهاطل الكثيف للصور والمشاهد الشاهدة على بشاعة العدوان وقذارته وعلى المباشر، رغم أنف رياح الأزمة المالية العالمية. حقا لقد آمن بنو صهيون بخيرتهم على البشر، فهم شعب الله المختار، وجعلوا منا أضحوكة بين الشعوب وكأنه لا أصل ولا فصل ولا تاريخ لنا، فأصبحنا بضعفنا وتخاذلنا ''شعب الله المحتار''، بعد أن زادت قيمة ما يحويه سروال ''ليفني'' في بورصة الرجولة على قيمة ما تحويه سروايل جل العرب، فيحق فينا قول شاعرة قسنطينية وهي تهجو صعلوكا من صعاليك الأدب في الجزائر ''إنزع سراويل الرجولة نحّها..وأبدل بها تنورة وظفائرا''.