مثل شعبي جزائري وضع قيمة الأشياء في مواضعها وأعطاها حقها الذي تستحقه " كمشة نحل ولا شواري ذبان " و(الشواري) هما "الشوال" بلهجة المشارقة ولغتهم، وتعرف في بعض المناطق الجزائرية" بالعدالة "التي توضع على ظهر الدابة، وهناك من يطلق عليها الرحال، أما "الكمشة " فهي قبضة اليد، والبعض يطلق عليها المد، هكذا أصبحت عليه حال أمتنا في بورصة الأمم كالعملة التي لا قيمة لها رغم تجاوزها عدد الثلاثة ملاييير من الناس، ورغم ملايين الكيلومترات ورغم الثروات التي تملكها مجازا والبحار والمضايق البحرية التي تجعلها تحتل أماكن إستراتيجية، إلا أنها أمة متأخرة فقيرة يعيش معظم سكانها على المساعدات والمعونات الدولية بين متشرد ولاجئ، لا تستطيع توفير قوتها وملبسها ومركبها التي تعد من الضروريات التي كان الإنسان البدائي يوفرها لنفسه. هذه الصورة السيئة هي التي ساقها المثل الشعبي "كمشة نحل ولا شواري ذبان "، فالنحل رغم قلة عدده إذا ما قورن بالذباب فإنه كائن منتج وعامل ومنظم، عكس الذباب الذي يكثر عدده ومعدومة فائدته، فهو مزعج ومؤذ. مجتمعاتنا المعلولة المشلولة المغلولة، يتحكم في مصائرها أعداؤها ويعملون على ابقائها مشتتة مفتتة حتى لا تقوم لها قائمة، ومن عجب هذه الأمة أن من يعمل على تحريكها من أجل تخليصها من المساومات يوصم بالممتنع غير المعتدل أو الذي تم تعديله، لأنه يعمل لصالح أعداء الأمة سواء عن دراية أو غفلة. القدس تسبى على مرأى ومسمع هذه الأمة الطويلة العريضة العميقة، غزة تحاصر، وشعبها إن لم تقض عليه قنابل الفسفور الأبيض الأمريكي الإسرائيلي، تقضي عليه المجاعة والوباء والتشرد، وها نحن نحتفل بالقدس عاصمة لثقافتنا، خارج أسوارها، وننظر إلى غزة نظرة الضعيف لا حول له ولا قوة ولا يستطيع فك حصارها وتزويد أطفالها بالغذاء والدواء، بل إن تمكن من القدرة على المساعدة يعمل على إذلال مجاهديها، وإرغامهم على الانصياع والإذعان لشروط عدوهم والاعتراف له بملكيته للقدس وببقاء دولته التي تم تركيبها في الغرب ونقلها وزراعتها في فلسطين. القدس التي فرطنا فيها في حرب 1967وتحولت من أرض عربية إلى أرض محتلة، وغزة هي الأخرى التي تم احتلالها في هذه الحرب وتحملت الاحتلال لكنها لم تتحمل الهزيمة، ها نحن نريد إرغامها على القبول بالهزيمة التي لم تستطع إسرائيل بكل ما لديها من قوة سلاح ونفوذ ومال أن تنتزع منها هذا الاعتراف، والسؤال الذي ينبغي طرحه هو هل فقدنا الخجل حينما تذهب إسرائيل بالقدس وتمد يدها النجسة إلى الأقصى ونحن نحتفل بما تنجزه إسرائيل ونعترف بهذا، حينما عجزنا أن نجعل من القدس وفي القدس عاصمة لثقافتنا فعملنا على تجزئتها حتى يتفرق دمها على القبائل، مثلما حاولت قبائل قريش بتدبير مع قبائل بنو قينقاع والنظير فعله مع النبي الهاشمي حتى لا تتوسع رسالته ولا يشرق نوره؟ لكن كان مع هذا الرسول "الكمية القليلة من النحل " رغم "الشواري الذباب التي كانت ومازالت تمثلها قريش العصر".