تفرق بعض العرب بعد أن اجتمعوا في قطر في لقاء قمة طارئة تشاورية مخصصة لغزة، بعد أن لعبت سياسة المص وشراء الذمم للحيولة دون اكتمال النصاب القانوني لعقد قمة عربية طارئة. هذا التفرق على أمل الالتقاء غدا في قمة عربية اقتصادية ستتناول العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، بعد أن تخصص له هامشا على الهامش، باقتراح مما يسمى بدول الاعتدال العربي في نظر الصهاينة طبعا، في دلالة على نزول ورخس الدم الفلسطيني في بورصة الذهبين الأسود والأصفر، بفعل اختلاطه بالفسفور الأبيض. المهم أن قمة الدوحة جمعت ما جمعت من قادة الدول العربية والإسلامية للتباحث حول حيثيات الوضع ومتطلبات المرحلة، وكيفية الرد على العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني، وعمقت الشرخ العربي على رأي طرف، في حين فسرها آخرون بأنها دليل على حركية عربية تخرج العالم العربي من دورة الروتين والنمطية الميتة التي دب بسببها اليأس والقنوط في نفوس الجماهير العربية، ووضعت جملة من قادة العرب على المحك، من خلال تكريس الانقسام ولو ظاهريا، الذي ظاهره الموقف من الاعتداء على غزة، وباطنه البحث عن موطئ قدم في خريطة الشرق الأوسط والمنطقة العربية خلال العشرية القادمة، التي سيكون فيها دور ما لكل من إيران وتركيا وسوريا وقطر مقابل محاولة دول أخرى من قبيل مصر والسعودية ومن دار في فلكهما الحفاظ على امتيازات خرائط الفوضى الخلاقة والشرقين الأوسطين الكبير والصغير رغم فشلها. وفي هذا المقام لا بد من التطرق إلى جملة من النقاط والملاحظات على قمة الدوحة، والتي وإن كانت نتائجها في غير المأمول، إلا انها تعتبر خطوة جد إيجابية في ظل تدافع أمواج الخنوع على المنطقة العربية، لوأد تيارات المقاومة والممانعة، والتنازل عما بقي من ذرات الشرف العربي للعربدة الصهيونية، وهو ما يجعلنا نفتح قوسا لنعتبر فيه أن تجميد كل من موريتانيا والدوحة لعلاقاتهما مع الكيان الصهيوني دون المطلوب، في مقابل النخوة الفنزولوبوليفية، فضلا عن تثمين الموقف الجزائري الذي أكد مرة أخرى حفاظه والتزامه بمبادئه بخصوص القضية الفلسطينية، ومن باب المغالطة المقارنة بينه وبين خطوتي نواقشط والدوحة، إذ البون بينهما شاسع وواسع، ويكفي الجزائر فخرا أنها لا ترتبط بدولة الكيان الصهويني بأي رابط، دون إغفال الوعي الشعبي والجمعوي في هذا الشأن الذي جعل بعض نواب الأمة يبادرون إلى قانون لتجريم التعامل مع الكيان الصهيوني، وارتباط لازمة ''حاشاكم'' مع اليهودي والكلب والحمار في المخيال الشعبي الجزائري، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن قمة الدوحة جعلت ما تبقى من قادة العرب المتخلفين عنها بإبداعهم لنظرية ''مص النصاب'' القانوني جد محرجين في قمة الكويت غدا، بعد أن اتفق عرابو الدوحة على تقديم لائحة تبني مطالب فصائل المقاومة لإثرائها، بالطريقة التي يريدون، ويبقى الحكم للشعوب العربية، في الوقت الذي سارع فيه الصهاينة إلى عقد مجلس أمني مصغر لوقف إطلاق النار من جانب واحد احتراما لحفل تنصيب أوباما، ومغازلة لقمة العرب في الكويت غدا الإثنين، لاسيما مع خرجة الرئيس المصري حسني مبارك البارحة في خطابه الذي وضعه الكثيرون في خانة الرد على قرارات قمة الدوحة، واتهام عرابيها بتعميق الشرخ العربي، سائلا إياهم ''ماذا قدم تيار الممانعة للقضية الفلسطينية''، في حين عدد كل الإنجازات المحققة منذ ,48 ناسبا فضلها لدولة مصر، متانسيا أن عباس لم يستطع الحضور إلى الدوحة حسب الوزير الأول القطري لصعوبة حصوله على ترخيص بالخروج، ولا داعي للمزيد. والملفت في خطاب الرئيس المصري، هو دعوته دولة الكيان الصهيوني إلى الوقف الفوري لإطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة، والدعوة إلى مؤتمر دولي للمانحين من أجل إعادة إعمار القطاع المخرب والمدمر، في الوقت الذي كان فيه قادة الحرب الصهاينة في اجتماعهم والكفة راجحة نحو وقف إطلاق النار من جانب واحد. وبالملخص المفيد، فإن هذا الحراك الذي فسره البعض بأنه تكريس للشرخ والفرقة العربية، هو من أحرج البعض، وأبان عن مواقف البعض الآخر، وسعى من خلاله آخرون في سبيل حفظ ماء الوجه، بالخروج من سبات المواقف أو التواطؤ، لقطف ثمار الانتصار الرمزي لتيار الممانعة والمقاومة، والاعتراف ب ''حينونة'' وقت تغيير الملابس، وإدخال بدلاء جدد في خريطة أوباما الجديدة الشرق أوسطية، في الوقت الذي اكتشف فيه العرب قدرتهم على الاختراع والإبداع، من خلال نظرية ''المص''، والصواريخ ''العبثية''، ومحاولة تغطية العدوان الصهيوني بالحديث عن تدخل ''إيراني''، كما تيقنت الجماهير الإنسانية من يحمل هم الشرف الإنساني، ومن يستحق ''ذراع'' الشرف.!