كثيرة هي التساؤلات عن الجدوى من إقامة وتنظيم التظاهرات والملتقيات الأدبية، وعن مدى مساهمتها وفعاليتها في صنع الشعراء.. أم الأسماء الشعرية..! في حقيقة الأمر أن الملتقيات الأدبية ليست فكرة وليدة البارحة أو جديدة على الإنسان العربي، بل عرفها القدامى حين أقاموا للشعر بعكاظ عرسا يجتمع فيه نوابغ الشعر عارضين حولياتهم، متبارين في مجال الشعر ومخلدين المعلقات.. التي نظرت للشعر العربي رغم أن النقد كان فطريا. لكنه أسس لقيام حركة نقدية قادها ابن سلام الجمحي في كتابه (طبقات فحول الشعراء) دون أن ننسى جهود الجاحظ الذي قدم الكثير للشعر العربي.. الملتقيات قديما أفرزت حركة أدبية وتنظيرا جادا وحداثة على المستوى القيمي والمستوى اللغوي، فلا يمكن أن تخلق مجالا جديدا بلغة شعرية نجهل تاريخها، لذلك لا بد أن نعرف التراث الشعري العربي وجمالياته حتى نعطي للشعر حقه وعندئذ نستطيع أن نصنع شعراء وأسماء أدبية كبيرة، وهذا لا يعني أن الملتقيات الأدبية التي تقام اليوم ليست جادة، بل كشفت لنا القناع عن أسماء وقامات شعرية كبيرة في العالم العربي، ربما كان لها أثرها الإيجابي في إحداث التغيير الذي يصبو إليه الأدب والإنسانية فيتحقق الإبداع والتباين والتجاوز.. كذلك هي عودة مباركة لإحياء التراث العربي والموروث الشعري، خاصة وأن الشعر ديوان العرب وسجلهم الذهبي، فلا يمكن لنا أن تتخذ من هذه الملتقيات متنفسا أو فضاء للتسلية والاستمتاع فقط دون الوقوف على الهدف المنشود ألا وهو.. ماذا أضفنا للشعر على وجه الخصوص؟ وماذا أضفنا لإنسانيتنا وقيمنا الحضارية؟ الملتقيات مناسبة للتبادل الثقافي والتفاعل الاجتماعي والتاريخي بين ثقافات وشعوب العالم، لكن ليست شرطا في صناعة القامات الشعرية بقدر ما هي اكتشاف للأسماء.. وإعادة النظر في مقاييس الشعر.. ونعني بمقاييس الشعر، أن الشعر لا يقاس بالاتجاهات بل... بشعريته التي تأخد قيمتها من الاتجاهات الواقعية أو ما وراء الواقع، بل يجب البحث في مستوى آخر لأن كل اتجاهات النقد اليوم تغيرت، فالشاعر هو الناقد الأول لنفسه قبل أن يصعد المنصة في الملتقيات الشعرية...!