عندما تعرض اليهود للقتل الجماعي والطرد على يد الإسبان عام 1492 فتحت لهم الدولة العثمانية أبوابها ، وبسطت لهم جناحي الرفق والرحمة ، فنعموا في ظلها بالحرية والأمان لكنهم كعادتهم - قابلوا ذلك الإحسان بأن قادوا حملات إسقاطها بعد أن رفض السلطان عبد الحميد الثاني إعطاءهم وطنا في فلسطين وكان لهم ذلك ، كما استطاع هؤلاء اليهود مد جسر من العلاقات بين الكيان الإسرائيلي الجديد وبين الجمهورية التركية عام 1949 مستغلين سوء العلاقات بين الدول العربية وتركيا يومئذ . حيث كانت هناك مشكلة الموصل بين تركيا والعراق من جهة ، ومشكلة لواء اسكندرون بين سوريا وتركيا من جهة ثانية ، لكن العلاقات التركية الإسرائيلية تراوحت بين مد وجزر خصوصا أثناء عند دخول الجيش التركي جزيرة قبرص لإنقاذ القبارصة الأتراك الذين كانوا تعرضوا للإبادة الجماعية على يد العصابات اليونانية . وقد كانت الفرصة مواتية لعودة العلاقات الطبيعية بين تركيا والعرب خصوصا عندما كانت تركيا تعاني من الحصار 1963-64 بسبب المسألة القبرصية، ولعل ذلك لعب دورا في رفض تركيا تمكين إسرائيل من استخدام القواعد الأمريكية على أراضيها خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 ، إلا أن انضمام تركيا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي زاد من توطيد العلاقات العربية التركية هذه العلاقات توضحت أكثر بعد نجاح حزب الوطن الأم بقيادة تورغوت أوزال في انتخابات عام 1983 حيث تميزت فترة حكمه بالانفتاح على الطرفين العرب وإسرائيل معا .. لكن العلاقات التركية الإسرائيلية وإن شهدت تقدما ملحوظا بعد طلب تركيا الانضمام إلى المجموعة الأوربية إلا أنها كانت أسرع تقدما على صعيد العلاقات العربية التركية ... تركيا و إسرائيل ..علاقة تعاون إستراتيجية كانت تركياً أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل سنة 1949 وقد جاءت هذه الخطوة ضمن مجموعة من الخطوات التي اتخذتها تركيا لتتكامل عملية الانسلاخ عن تاريخها كدولة مسلمة . عندما اختارت العلمانية منهجاً وراهنت على أوروبيتها بالرغم من أنها دولة مسلمة والمساحة التركية التي تقع في القارة الأوروبية لا تتعدى 3 % من مساحتها الإجمالية ، غير أن هذا الإجراء يقطع نهائياً بين تركيا الحديثة وتركيا القديمة ويقلعها عن جذورها في المنطقة الآسيوية المحيطة بها وفي هذا الإطار وجدت تركيا نفسها ساعية للحصول على اعتراف الغرب بها كدولة أوروبية واكتشفت مبكراً أهمية إسرائيل بالنسبة إلى هذا الغرب فلم تتوان في الإعتراف بها ومد جسور التعاون معها ، حافظت تركيا على سرية تحسين العلاقات مع الكيان الإسرائيلي منذ اعترافها به سنة 1949 وذلك حفاظاً على علاقتها مع الأمة العربية وخاصة في الجانب الاقتصادي غير أن هذه العلاقات تجري في إطار السرية و قطعت شوطاً لا بأس به وربما شكلت خطراً على المنطقة بكاملها فيما أفضت إليه الآن من معطيات، فمنذ نهاية الخمسينات وقعت المؤسسة العسكرية التركية مع نظيرتها الإسرائيلية إتفاقاً سرياً لتبادل المعلومات الاستخبارية عما أسماه الجانبان ( الإرهاب والحركات التخريبية العربية ) كما سمحت أنقرة وبشكل سري لأجهزة الأمن الإسرائيلية بالعمل في الأراضي التركية، و خلال السبعينات إتفق الجانبان على تعزيز التعاون الأمني لمراقبة الوضع في لبنان . وشهدت مرحلة الثمانينات تردداً مكثفاً لقادة عسكريين وأمنيين إسرائيليين على تركيا كما قامت أنقرة بإرسال رسائل إلى تل أبيب تفيد بأن تركيا جاهزة للإعلان عن علاقات أكثر تميزاً مع الدولة العبرية ، وإبّان هذه الفترة سمحت الحكومة التركية لرجال أعمال يهود بالسيطرة على بعض وسائل الإعلام وبث دعايتهم عبرها ضد العرب وتذكير الأتراك بأنهم أي العرب هم أعداء تركيا وقد ساهموا في إسقاط الإمبراطورية العثمانية وغدروا بها . وشهدت الأشهر الأولى في سنة 1995 تبادلاً مكثفاً لزيارات بين المسؤولين الإسرائيليين والأتراك توجت بزيارة الرئيس التركي سليمان ديميريل إلى إسرائيل واعتبرت زيارته هذه أول زيارة يقوم بها رئيس تركي إلى إسرائيل تم خلالها التوقيع على اتفاقات اقتصادية مهمة اتفاق التجارة الحرة إضافة إلى اعتماد اتفاق استراتيجي أمني وقعه مسؤولون عسكريون وأتراك في بداية 1996 ينص على النقاط التالية: - السماح للكيان الصهيوني باستخدام الأجواء والأراضي والمطارات التركية في عمليات تدريبية . - التنسيق الاستخباري بين الجانبين في جمع المعلومات وخاصة عن سوريا وإيران .. - الاستفادة التركية من الخبرة والخبراء الإسرائيليين في مكافحة حزب العمال الكردستاني وخاصة عملياته في المدن . - تقدم إسرائيل إلى تركيا خبراتها في مجال الصناعة العسكرية والتكنولوجية الإلكترونية المتطورة لتحديث الطائرات التركية المقاتلة . كما يحتوي ( اتفاق التجارة الحرة ) بين الجانبين على البنود عديدة من بينها إزالة الحواجز الجمركية بين الجانبين ، ورفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين ، كما نصت على ان تمنح إسرائيل تركيا جزءاً من حصتها في أسواق الولاياتالمتحدة في مجال صناعة النسيج وهي نسبة 35 % بعد أن تعمد الشركات( الإسرائيلية ) إلى تصنيع الأنسجة في تركيا من أجل تصديرها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية .