بلغ تعداد المشردين بحسب الإحصاءات الحكومية 200,31 شخص ببلادنا، بمن فيهم تسعة آلاف من النساء والأمهات العازبات وحتى العائلات التي تكونت في الشارع بعد اقتران وزواج عدد كبير من المشردين مع بعضهم لأسباب مختلفة ومقنعة من وجهة نظر الكثيرين. تفشت في السنوات الأخيرة ظاهرة زواج المشردين، واستقرارهم في الشارع رفقة عائلات تتكون من أطفال من أعمار مختلفة، إذ تفترش الأم الأرض ويحيط بها عدد من الأطفال الصغار وحتى الرضع بألبسة رثة وأوانٍ للأكل وأغطية بالية يطلبون من المارة منحهم المال لاقتناء كيس حليب أو رغيف خبز، أما الأب فلا يتواجد مع العائلة إلا نادرا. ففي شارع عبان رمضان بالعاصمة وجدنا عائلة متكونة من خمسة أشخاص يفترشون الأرض، تقول فتيحة إنها تقيم بالشارع منذ سنوات رفقة أطفالها فبعد لجوؤها إلى الشارع لأسباب قاهرة نتجت عن طلاقها من زوجها الأول اقترنت بشخص مشرد كان يقيم هو الآخر في الشارع خوفا على حياة أطفالها وبغرض حمايتهم. وتضيف فتيحة قائلة ''أن تكوني في الشارع مع رجل أحسن من أن تكوني بمفردك في مواجهة المخاطر، لم أجد حلا مناسبا أفضل من الزواج حتى وان كان بهذه الطريقة نحن نفترش الأرض طوال اليوم وفي الليل نغير المكان إلى آخر أكثر أمنا ودفئا تحت جسر أو ممر لا يهم المهم بعيدا عن أعين اللصوص هناك الكثير من المشردات اللاتي اقترن بأشخاص من الشارع بغرض حماية أنفسهن من الاعتداءات التي تحدث يوميا كلما حل الليل''. الزواج لصد الاعتداءات تعيش سعيدة رفقة أبنائها الأربعة في الشارع منذ مدة طويلة، اتخذت من مدخل شارع ''ميسوني'' بالعاصمة مستقرا لها، الجميع تعود على رؤيتها هناك يوميا وحتى أطفالها كبر الواحد تلو الأخر في هذا الشارع، فهم يعرفون كل صغيرة وكبيرة فيه حتى وان كانوا لا يتحركون إلا بأمر منها لا يتجاوز سن أكبرهم السبع سنوات، أما الصغير فهو رضيع بدأ يرسم خطواته الأولى في هذا الشارع. تقول سعيدة إنها تأتي يوميا الى شارع ميسوني من منطقة قريبة من العاصمة يأتي بها زوجها كل صباح الى هذا المكان بغرض تحصيل بعض المال عن طريق التسول أما هو فيختار وجهة أخرى بعيدا عن زوجته وأطفاله من أجل القيام بنفس الشيء، على أن يلتقي معهم في المساء للتوجه الى المكان الذي ينامون فيه. وقد اختار زوجها كما قالت الابتعاد عن العاصمة ليلا لكثرة المشردين بها واللصوص على حد السواء وزيادة خطر تعرض عائلته لاعتداءاتهم. تقول سعيدة إنها تعودت على هذا النمط من الحياة فهي على الأقل استطاعت أن تسكت ألسنة الناس بعد زواجها وأن تدفع عنها خطر الاعتداءات التي طالت الكثير من المشردات خاصة في العاصمة، فبمجرد أن يحل الظلام تبدأ مجموعات المشردين في احتلال أماكنها الخاصة ولا يجرؤ أحد على الاقتراب من الآخر وكل مجموعة تفرض سيطرتها على أعضائها وتوفر لهم الحماية من اعتداءات مشردين آخرين. المراهنة على مراكز المساعدة للحد من الظاهرة تراهن الحكومة على مراكز المساعدة الاجتماعية لمد يد العون لهذه الفئة الهشة من المجتمع. فبموجب القانون الجديد سيتم إنشاء مراكز استقبال الحالات الاستعجالية للمتشردين والأشخاص بدون مأوى. وسيتم توظيف أخصائيين نفسانيين وأطباء للتكفل بهذه الفئات ومنحها المساعدة الاجتماعية الضرورية. لكن ورغم كل المجهودات التي تبذلها الدولة للحد من ظاهرة التشرد إلا أن الواقع يحمل نتائج عكسية فالشارع مايزال يحوي مشردين كثر وعائلات بأكملها اختارت أن تفترش الأرض وان تختار التسول طريقا لسد رمق أطفالها الذين لم يعرفوا الاستقرار منذ ولادتهم ولم يلتحق عدد كبير منهم بمقاعد الدراسة لأسباب قاهرة، ورغم أن القوانين تمنع استعمال الأطفال في التسول إلا أن الكثير من المشردين عبر شوارع العاصمة يحملون في أيديهم أطفالا من مختلف الأعمار ومنهم من يتسول بالاستعانة بأكثر من طفل وحتى بالرضع الذين لم يتجاوزوا الشهر السادس من العمر.