علمتني تجارب المسار النضالي المتواضع في العمل العام أن قراءة الحاضر واستشراف مستقبل الوطن الغالي الذي سقته دماء الشهداء الطاهرة لا يمكن أن يكون بمعزل عن قراءة متفحصة تحيدك كقارئ لتاريخ الجزائر ومحطاته الفاصلة وما أنتجته الشخوص من قيم في وجدان الأمة ان على مستوى سياقات النضال الوطني الذي تكاثفت جهوده بحكم صراع هذا الوطن بشعبه المرابط مع أشكال من الاستعمار الذي واجهته الجزائر قبل ثورة نوفمبر الخالدة وانه لا يمكن أن تقدم التوصيف الدقيق المتأمل للكيانات المؤسساتية للدولة الجزائرية دون الرجوع إلى الانطلاقات الأولى لتشكل ملامح هذه الدولة والتوقف بعمق عند أفكار الحركة الوطنية ومشاريع عدد من النخب الوطنية وتصوراتها التي رمت بها إلى التداول حول “الدولة الجزائرية ” وسلم القيم الذي ترتكز عليه لبناء الكيانات المكونة للدولة الوطنية بتداول على تسليم المبادئ بين الأجيال وانه كان من المفروض أن نولي العناية اللازمة لدور المجتمع المدني والجامعة والإعلام الوطني في تصدير جيل متشبع بثقافة الدولة ومتصالح مع تاريخه يبني برؤية الحاضر والمستجد مؤسسات دولته دون البحث عن “شرعنة للمراحل ” وانه يجب الانتباه إلى أن الاستعجال في خلق منابر التمثيل السياسي مع نهاية الثمانيات والسياق السياسي والتاريخي الضاغط اناذاك لم ينتج لنا نخبا شابة قادرة على فهم واستوعاب لغة الشباب اناذاك وهذا باعتبار أن التحول المستعجل نحو بناء التعدد لم يصاحبه كما أشرت في بداية النص التفحص في تجارب النضال والبناء المتصل بالدولة قبل وبعد الاستقلال وقد أصاب الخواء والتسطيح والتصق بقطاع واسع من منابر التمثيل المجتمعية والسياسية لان العنصر البشري المشكل لها لم يرد الأصول التي تضع المذاهب وفي اعتقادي لا يمكن ان تبني المؤسسات قبل القيم بل إن التفحص المستنير في كل محطات الجزائر عبر التاريخ وخصيصا منذ بروز ملامح التنظير والتأصيل للدولة وقيمها هو المفتاح الأساسي لفهم أي لغة راقية ينشد شعبنا العظيم طرحها كبديل للتغيير والتجديد وهو الضامن للكيان كونه الصانع عبر التاريخ لصفحات نضاله المشرق وما نؤكد عليه وهو يقع على عاتق النخب ان يكون النقاش الان حول فكر الدولة بواجهاتها المؤسساتية انطلاقا من تقييم للذات وتدقيقا في الأعمار الزمنية الكفيلة ببناء الدولة ككيان صفته الديمومة المؤسساتية وحكامة رشيدة يدرك المجتمع من خلالها انه العنوان الابقى والادوم والأعمق لهوية الدولة مهما تباينت القناعات وتصادمت التصورات التي تبقى في خانة رسم ملامح التجديد والبناء في عمر الدولة . 24