تتحوّل العطلة الصيفية عند بعض الشباب الجزائريين إلى فترة عمل، بالخصوص إذا تعلق الأمر بالطلبة الجامعيين الذين يسعون إلى تحصيل مصروف إضافي يتمكنّون من خلاله بمزاولة تكوين أو اقتناء لوازم الدراسة والبحث، وفي الوقت الحالي أصبحت الوظيفة الصيفية تنحصر في أعمال معينة بصفات محددة. اختلفت نظرة الطلبة الذين التقت بهم "الاتحاد" ببعض أحياء العاصمة للعطلة الصيفية ،فهناك من اعتبرها فرصة ذهبية للتمتع بالراحة بعد سنة من الكد و الاجتهاد و مرحلة لاكتساب الخبرات والمهارات المختلفة، من خلال اقتحامهم سوق العمل رغبة منهم في الاستثمار الأمثل للعطلة بما يعود عليهم بالنفع، ولعل من أشهر هذه الأعمال الخدمة في المطاعم التي تجذب حتى الجنس اللطيف من الطلبة، والعمل في محلات بيع الملابس ومن الطلاب أيضا من يعمل في المخابز وبيع الجرائد وغيرها من المهن البسيطة التي تلبى لهم احتياجاتهم كما تزيد من مهارتهم الاجتماعية. غلاء المعيشة يدفع الطالبات إلى العمل "نوال" و "أمينة" و" سعاد" من بين الطالبات اللاتي رفضن قضاء عطلتهن بالمكوث في البيت، بل فضلن العمل و الحصول على مبالغ مالية تكفيهن لاقتناء ملابسهن و حاجياتهن خاصة و أن إقامة الأفراح تتزامن مع هذا الموسم،حيث التحقن بمحلات تجارية لبيع ملابس و أحذية نسائية بشارع "ديدوش مراد"،فهن يرين أن العمل في الصيف يزيدهن نشاطا و حيوية،فهن يعملن لكي ينقصن أعباء النفقات على أسرتهن، حيث علقت "سعاد" ضاحكة:"لازم نخدم، منستناش بابا يعطيلي دراهم تع الماكياج و اللبسة تع الأعراس"،أما "نوال" تقول أن هدف الحصول على كمبيوتر تستعمله في دراستها دفعها إلى الانخراط في هذا العمل ،فيما استطردت "أمينة " التي تعمل على أن توفّر قسطا من المال بغرض مزاولة تكوين في معهد خاص للغات الأجنبية:"كلش غالي لازم علينا نخدموا "، الأمر الذي يجعلها تبحث دائما عن مصدر إضافي للدخل في ظل عدم كفاية منحة الدراسة. و ليس بعيدا عنهن اقتربت "الاتحاد" من نرجس التي بدأت عملها الصيفي منذ أسبوعين فقط كنادلة في إحدى مطاعم العاصمة ،كانت تستقبل الزبائن و الابتسامة لا تكاد تفارق ثغرها،حيث ترى أن العمل في العطلة الصيفية يمكّنها من الترويح عن النفس و يعلم مهارة التعامل مع الآخرين ، كما أنها لم تخف "نرجس" أنها في بعض الأحيان تقوم بغسل الأواني أو تحضير القهوة في المطعم ، والمهم بالنسبة لها أن تحصل على مصروفها بطرق شرعية. "لبنى"..اعمل لان دخل والدي لا يكفي فيما قالت "لبنى" من العاصمة:"اعتدت على العمل في العطلة الصيفية منذ أن كنت في الثانوية و تعددت الأعمال التي قمت بها لأعيل عائلتي،فبدأت كعاملة في مصنع لعلب الحلويات،وبعدها سكرتيرة هناك تحضيرا للدخول الموسم الجامعي المقبل،فراتب والدي الشهري لا يكفي لتغطية مصاريف الدراسة. وفي نفس الإطار، كشفت لنا "سهام" أنها ومن جراء عملها في قاعة الحفلات خلال ثلاث عطل متتالية تمكّنت من اقتناء كمبيوتر ناهيك عن المصروف واللوازم اليومية. وعن سبب اختيارهن لهذا العمل أكدت هذه الأخيرة أنه مناسب للفتاة لأنها متعودة على الأعمال المنزلية في البيت، كما أن أصحاب هذه القاعات يدفعون مبالغ مناسبة والوقت يكون في فترة محددة. وفي هذا السياق، حدثتنا "شيماء" تدرس الطب، أنها عملت في الصيف الماضي لدى طبيبة أسنان كممرضة عندها ، و تحصلت من خلاله على راتب استطاعت أن توفر به أدوات ضرورية تستعين بها في دراستها الجامعية. “الروسوفور” المهنة الصيفية للذكور أما الشبان من الطلبة فإن الكثير منهم يلجئون إلى مهنة القابض في حافلات النقل العمومي آو ما يسمى "بالرسوفور"، كعمل صيفي يوفرون به مصروفهم اليومي.و كان "نور الدين" من ولاية بومرداس من بين هؤلاء،فقد قال أنه يزاول هذا العمل في كل سنة وحتى في عطلتي الربيع والشتاء، وعلى حد قوله فهو يحصل على دخل لا بأس به خاصة وأنه يعمل في رحلات الليل في المناطق المحاذية للبحر، وهو حال الكثير من الشبان الجزائريين، ذلك في الوقت الذي تعرف فيه وسائل النقل العمومية نشاطا كثيفا وحركية غير عادية،كما أضاف زميله "عمر" أن عمل "الرسوفور" :خفيف و ظريف أو متوفر". و آخرون يقومون بجني الثمار و الفواكه كما يعمل الكثير من الشباب الذين يقيمون على مقربة من الأراضي الزراعية كعمال في المزارع يقومون بجني مختلف الثمار سواء تعلق الأمر بالخضر أو الفواكه، وهو ما عرفناه من خلال مجموعة من الشباب الجامعيين والذين يعتبرون هذا العمل هو مصدرهم الأساسي لجني المال في فترة العطلة السنوية. عطلة الموظفين الدائمين فرصة للطلبة من جهة أخرى، فإن الكثير من المؤسسات الخاصة والتي تحتاج إلى عدد محدود من المستخدمين تعمل على تنصيب طلاب الجامعة تحت تسمية مناصب الصيف وذلك خلال الوقت الذي يكون فيه المستخدمون الدائمون في العطلة. هذه المناصب تساعد كثيرا الخواص فهي تمكنهم من الحصول على خدمات هذه الفئة التي لا تشترط مرتبا كبيرا و بدون تامين اجتماعي،و في هذا الصدد كشف "محمد" من القبة صاحب محل تجاري كبير يعمل خلال كل صيف على توظيف طلاب متمكنين في عديد المجالات كي يتمكّن من منح العطلة السنوية لموظفيه الدائمين من دون أن يضطر إلى توقيف العمل.هكذا تحوّلت فترة العطلة السنوية بالنسبة للكثير من الجامعيين الجزائريين من فترة للراحة والاسترخاء إلى ساعات للعمل والمثابرة. نفسانيون:عمل الطلبة في الصيف ظاهرة صحية يرى أخصائيون في علم النفس أن انضمام طلاب الجامعات والمدارس الى طابور العاملين واقتحامهم سوق العمل في سن مبكرة هو ظاهرة صحية ،ومؤشر إيجابي لابد من تشجيعه والإشادة به لما ينطوي عليه من إيجابيات تشمل الطالب والمجتمع معا بالنسبة للطالب فبجانب ما يحققه العمل له من مكاسب مادية فهناك مكاسب أخرى لا تقل أهمية وهى إكسابهم مهارات التعامل مع الآخر مما يمكنهم من القدرة على مواجهة الحياة بجانب إكسابهم قيماً سامية مثل قيم الاعتماد على النفس مما يعزز ثقة هؤلاء الشباب بأنفسهم فضلا عن تعليمهم مهارات الانضباط والالتزام وكل ذلك يصب في مصلحة الطالب العامل إذا ما قورن بالطالب الذي ترك الفراغ يسلب منه أنفس أوقات عمره في أمور قد تدفع بعضهم إلى الانحراف. ومن ثم يكون التوجه نحو العمل في العطلة واحدا من التوجهات الإيجابية التي يجب تشجيعها ولكن مع الأخذ في الاعتبار عدة أمور أولها أن يكون العمل الذي يقدم عليه الطالب عملاً حلالاً لا شبهة فيه وهنا يأتي دور الأسرة الرقابي من خلال التأكد من العمل لأن إهمال هذا الأمر وترك الطالب يخوض أي عمل دون التأكد من طبيعة هذا العمل أمر من شأنه أن يكون له تبعات سيئة على الطالب وقد يكون سببا في انحرافه وبهذا لم تتحقق الفائدة المرجوة من العمل بل يكون العمل نفسه وبالاً عليه ومن ثم يجب أن تتيقظ الأسرة لهذا الأمر. العمل في العطلة يجنب الانحراف اجمع علماء اجتماع على إيجابيته مؤكدين أنه توجه من شأنه أن ينمي في هؤلاء الشباب قيما سامية مثل قيمة الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية فضلا عن تمكينهم من مواجهة الحياة وتدريبهم على خوض غمار الحياة العملية مستقبلا أن معدل انتشار الجريمة يزداد في فصل الصيف وتنضم فئة من الطلاب إلى قائمة مرتكبي الجرائم والذين هم ضحايا للفراغ والإهمال الأسرى وأوصوا بأنه لو تم التخطيط الجيد والهادف من قبل الطلاب أنفسهم وكذلك الجهات المعنية لأسهم ذلك في انخفاض معدل الجريمة بنسبة 65% فضلا عن الحد من الظواهر السلبية الأخرى مثل المعاكسات والتحرش والتسكع، فإقبال الطلبة للعمل في الإجازة هو بمثابة تمرد إيجابي على تلك السلوكيات السلبية والوسائل الترفيهية التي أعدت لهم لتسهل لهم إهدار الوقت وهذا التمرد يدل على خيرية هؤلاء الشباب مهما تنوعت أهدافهم من العمل مشيرة إلى أن هناك أمراً لابد من التنبيه عليه لدى الطلاب الذين يعملون وهو التخطيط الجيد ليومياتهم بحيث يتمكنون من الاستمتاع بالعطلة الصيفية من خلال إعداد برامج ترفيهية مشروعة تمكنهم من ذلك كما أن ما يتقاضونه من راتب يجب أيضا التخطيط لسبل إنفاقه مهما كان بسيطا حيث إن هذه الأموال يكون لها مذاق خاص حيث إنها من كسب اليد فلا يجوز التبذير أو التقتير وهذا الأمر أيضا من شأنه أن يكسب الطالب خبرات لم يكتسبها و التي منها تقدير قيمة المال وعدم إنفاقه إلا فيما له جدوى.