يعرف رمضان بشهر التوبة و العبادة و الغفران ،فهو يتميز عن باقي الشهور بمظاهر التآخي و التكافل الاجتماعي،و من أجل هذا نجد مجموعة من الشباب الجزائري تجتهد لأن تكون كل وقت إفطار في الموعد لتقديم "علبة الإفطار" التي تحوي ما يساعد السائقين على "كسر" الصيام عند موعد الإفطار لضمان السياقة السليمة. التمر والفطيرة لكسر رمضان السائقين نبيل ومحمد ومهدي وأمين و أصدقاؤهم الآخرون شباب في العشرينيات من العمر، كانوا على حافتي الطريق بالقرب من الشطر الرابط بين مدينتي شلغوم العيد و ميلة غرب مدينة قسنطينة ، حاملين بأيديهم علب صغيرة بيضاء اللون التي تحوي قليلا من التمر وفطيرة هلالية الشكل و فاكهة و عصير فاكهة و قارورة مياه معدنية منعشة و الابتسامة تعلو محياهم،و هم يلوحون بعدة إشارات لسائقي المركبات العابرين لهذا الطريق،وعندما يتوقفون يقدم لهم الشباب هذه العلب،ما يساعد السائق على "كسر" الصيام بما فيه الكفاية ومواصلة طريقه بأكثر راحة،وهكذا يتسابقون كل يوم من الشهر الفضيل يتوقفون على الممر الجانبي للطريق ويقدموا لهم "الأكل" و يحيونهم بعبارات "صح فطوركم و تحلوا بالحذر على الطريق". تشكرات من السائقين لحسن الالتفاتة و يؤكد المبادر بهذه الفكرة "نبيل طناش" و هو موظف و رئيس جمعية مهتمة بالحفاظ على البيئة، أن "عددا كبيرا من مستعملي هذا الشطر من الطريق لم يتوقفوا في اليوم الأول من شهر رمضان خوفا من التعرض لعمليات اعتداء حدثت لهم على الطريق السيار، لكن الآن و مع تواجد عناصر الدرك الوطني الذين يشاركون بطريقتهم في هذه العملية من خلال تأمين حركة المرور فقد تبددت كل المخاوف"،و يضيف نبيل "يتوقف سائقي مركبات على مسافات طويلة و مواطنون يستقلون حافلات بل و حتى عائلات على متن مركبات سياحية ليأخذوا علبهم و يشكروننا على التفاتتنا التي تعني لهم عدة أشياء"،فيقوم نبيل و رفقاؤه الذين يتزايد عددهم مع مرور الأيام منذ الساعة السابعة مساء ب"التخييم" إن صح التعبير تحت الجسر بالقرب من شطر شلغوم العيد- ميلة، و يقدمون إلى غاية 210 "عدة إفطار" في اليوم الواحد. ..و هكذا كان ميلاد المبادرة؟ و تولدت فكرة تقديم "عدة الإفطار" هذه لسائقي المركبات ،من رغبة هؤلاء الشباب الذين اختاروا هم أيضا التضحية بالإفطار في جو عائلي للقيام بعمل تضامني،و قبل الشروع في تطبيق هذه المبادرة كان لابد من التخطيط لها فكانت الخطوة الأولى أن التقى نبيل و عدة شباب ينشطون في عدة جمعيات بدائرة شلغوم العيد قبل حلول الشهر الفضيل من أجل تجسيد هذه الفكرة. أما الخطوة الثانية فكانت إيجاد محسنين لتمويل هذه العملية،و يؤكد من جهته "محمد بدة" و هو شاب آخر من" شلغوم العيد"،و الذي يعد جزءا من النواة الأولى لهذا الفريق أن جميع المحسنين الذين طلبوا مساعدتهم " لبوا الدعوة و هكذا أمكن للمغامرة أن تبدأ". ..فيما يتزايد يوميا عدد المحسنين وفي السهرة يحضر فريق المتطوعين ما سيقدمونه في يوم الغد و ساعات قليلة قبل الإفطار يجتمع نبيل محمد و رفاقهما في مطعم وضع تحت تصرفهم و يحضرون "عدة الإفطار" لمستعملي الطريق السيار،و يقول" محمد "مبتهجا :"في البداية قلت في قرار نفسي بأننا سنجد صعوبة في العثور على محسنين لتمويل هذا العمل الخيري و لكن دهشتي كانت كبيرة لما صار العدد يتزايد يوما عن يوم"،و على الطريق السيار و دقائق قليلة قبل الإفطار توقف "عمر بعداش" لتحية فريق المتطوعين و يقول " لقد تعودنا الآن على وجود هؤلاء الشباب على هذا الشطر من الطريق ،و لكن أيضا بمدخل مدينة العلمة و سطيف وبرج بوعريريج" ،و في هذه الأثناء يسمع صدى آذان المغرب القادم من منطقة وادي العثمانية المجاورة. شباب في قمة النبل و الإنسانية و بعد تناول حبة تمر يعترف "عمر بعداش" أن مجرد رؤية ما يقوم به هؤلاء الشباب الذين يضحون بوجبة الإفطار في الوسط العائلي طوال شهر رمضان يعد أمرا "يثلج الصدر بحق"،و يعترف "مهدي" من جهته و هو طالب في العلوم السياسية و عضو في هذا الفريق المتطوع بأن فترة قيلولته في السنوات السابقة كانت تمتد إلى غاية غروب الشمس ،و يضيف ذات الشاب :"أما اليوم فأنا فخور جدا و سعيد أيضا للمشاركة في هذا العمل الخيري الذي يمكن المارين عبر هذا الشطر من الطريق السيار من الإفطار و شرب القليل من الماء المنعش و لكن يمكنهم أيضا إيجاد القليل من المواساة و الإنسانية". موعد فطور المتطوعين بعد احمرار الأفق و عندما يحمر الأفق و ينهي "عمر" و عديد سائقي المركبات صلاة المغرب و يصل أعوان الدرك، يصبح بإمكان نبيل ومحمد ومهدي وأمين و أصدقاؤهم أخذ قسط من الراحة، فقد حان الوقت ليتناولوا هم أيضا فطورهم لأن الساعة تجاوزت الثامنة و ثلاثين دقيقة.