منذ حلول شهر رمضان ومجموعة من الشباب تجتهد لأن تكون كل وقت إفطار في الموعد على حافتي الطريق السيار شرق-غرب بالقرب من الشطر الرابط بين مدينتي شلغوم العيد وميلة غرب مدينة قسنطينة لتقديم (علبة الإفطار) التي تحوي ما يساعد السائقين على (كسر) الصيام عند موعد الآذان وحثهم على السياقة السليمة. ويتمركز هؤلاء الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 25 عاما على حافة الطريق وهم يحملون علبة صغيرة بيضاء اللون ويلوحون بعدة إشارات لسائقي المركبات العابرين لهذه الطريق. وعندما يتوقف سائقو المركبات يقدم لهم الشباب هذه العلبة التي تحوي قليلا من التمر وفطيرة هلالية الشكل وفاكهة وعصير فاكهة وقارورة مياه معدنية منعشة. وهو ما يساعد السائق على (كسر) الصيام بما فيه الكفاية ومواصلة طريقه بأكثر راحة. وهكذا يتسابق كل من نبيل ومحمد ومهدي وأمين و صدقاؤهم الآخرون كل يوم والابتسامة تعلو محياهم نحو سائقي المركبات الذين يتوقفون على الممر الجانبي للطريق ليقدموا لهم (الأكل) ويحيونهم بعبارات (صح فطوركم وتحلوا بالحذر على الطريق). ويؤكد المبادر بهذه الفكرة نبيل طناش وهو موظف ورئيس جمعية مهتمة بالحفاظ على البيئة أن (عددا كبيرا من مستعملي هذا الشطر من الطريق لم يتوقفوا في اليوم الأول من شهر رمضان خوفا من التعرض لعمليات اعتداء حدثت لهم على الطريق السيار، لكن الآن ومع تواجد عناصر الدرك الوطني الذين يشاركون بطريقتهم في هذه العملية من خلال تأمين حركة المرور فقد تبددت كل المخاوف). ويضيف نبيل (يتوقف سائقو مركبات على مسافات طويلة ومواطنون يستقلون حافلات بل وحتى عائلات على متن مركبات سياحية ليأخذوا علبهم ويشكروننا على التفاتتنا التي تعني لهم عدة أشياء). فيقوم نبيل ورفقاؤه الذين يتزايد عددهم مع مرور الأيام منذ الساعة السابعة مساء ب (التخييم) إن صح التعبير تحت الجسر بالقرب من شطر شلغوم العيد- ميلة ويقدمون إلى غاية 210 (عدة إفطار) في اليوم الواحد. وتولدت فكرة تقديم (عدة الإفطار) هذه لسائقي المركبات من رغبة هؤلاء الشباب الذين اختاروا هم أيضا التضحية بالإفطار في جو عائلي للقيام بعمل تضامني. وقبل الشروع في تطبيق هذه المبادرة كان لابد من التخطيط لها فكانت الخطوة الأولى أن التقى نبيل وعدة شباب ينشطون في عدة جمعيات بدائرة شلغوم العيد قبل حلول الشهر الفضيل من أجل تجسيد هذه الفكرة. أما الخطوة الثانية فكانت إيجاد محسنين لتمويل هذه العملية. ويؤكد من جهته محمد بدة وهو شاب آخر من شلغوم العيد يعد جزءا من النواة الأولى لهذا الفريق أن جميع المحسنين الذين طلبوا مساعدتهم (لبوا الدعوة وهكذا أمكن للمغامرة أن تبدأ). وفي السهرة يحضر فريق المتطوعين ما سيقدمونه في يوم الغد وساعات قليلة قبل الإفطار يجتمع نبيل، محمد ورفاقهما في مطعم وضع تحت تصرفهم ويحضرون (عدة الإفطار) لمستعملي الطريق السيار. ويقول محمد مبتهجا (في البداية قلت في قرارة نفسي بأننا سنجد صعوبة في العثور على محسنين لتمويل هذا العمل الخيري ولكن دهشتي كانت كبيرة لما صار العدد يتزايد يوما عن يوم). وعلى الطريق السيار ودقائق قليلة قبل الإفطار توقف عمر بعداش لتحية فريق المتطوعين ويقول (لقد تعودنا الآن على وجود هؤلاء الشباب على هذا الشطر من الطريق ولكن أيضا بمدخل مدينة العلمة وسطيف وبرج بوعريريج) وفي هذه الأثناء يسمع صدى آذان المغرب القادم من منطقة وادي العثمانية المجاورة. وبعد تناول حبة تمر يعترف السيد عمر بعداش أن مجرد رؤية ما يقوم به هؤلاء الشباب الذين يضحون بوجبة الإفطار في الوسط العائلي طوال شهر رمضان يعد أمرا (يثلج الصدر بحق). ويعترف مهدي من جهته وهو طالب في العلوم السياسية وعضو في هذا الفريق المتطوع بأن فترة قيلولته في السنوات السابقة كانت تمتد إلى غاية غروب الشمس أو عندما تكاد تغرب. ويضيف ذات الشاب (أما اليوم فأنا فخور جدا وسعيد أيضا للمشاركة في هذا العمل الخيري الذي يمكن المارين عبر هذا الشطر من الطريق السيار من الإفطار وشرب القليل من الماء المنعش ولكن يمكنهم أيضا إيجاد القليل من المواساة والإنسانية). وعندما يحمر الأفق وينهي عمر وعديد سائقي المركبات صلاة المغرب ويصل أعوان الدرك يصبح بإمكان نبيل ومحمد ومهدي وأمين وأصدقاؤهم أخذ قسط من الراحة. فقد حان الوقت ليتناولوا هم أيضا فطورهم لأن الساعة تجاوزت الثامنة وثلاثين دقيقة.