يتميز شهر رمضان عن بقية شهور السنة،فأجواءه المتميزة و عاداته و تقاليده المختلفة التي حافظت و ما زالت تحافظ عليها العائلات الجزائرية على غرار الأمة الإسلامية التي تطبع هذا الشهر الفضيل،ففيه يجتمع كل أفراد العائلة حول المائدة الرمضانية سواء في وقت الفطور أو السحور،حيث يؤجل معظم العاملين و العاملات منهم داخل الوطن و خارجه عطلتهم السنوية إلى شهر رمضان،في وقت نجد البعض منهم يقضون يومياته الرمضانية بعيدا عن أهاليهم و بيوتهم بحثا عن لقمة العيش.و لأن سبل استرزاق الحلال صعبة و مختلفة،فمنهم من كانت قبلته المؤسسات الخاصة و هناك من اتخذ حياته رحلة بحث عن لقمة العيش بعيدا عن أهله،متنقلا بين المدن في الشوارع و الأسواق لضمان مصاريف يغطي بها حاجياته،فيحظى القليل منهم بالعطلة السنوية و يحرم الكثير منها،خاصة في المناسبات العائلية و الدينية،فتزامنا و الشهر الكريم صادفت يومية "الإتحاد" الكثير ممن فرضت ظروف عملهم الصوم بعيدا عن كنف العائلة و محرومون من الاستمتاع بالأطباق التقليدية و العصرية للمائدة الرمضانية العائلية و من السهرات الليلية مع الأهل و الأقارب التي تضفي جوا مميزا لليالي شهر الرحمة والعمل و العبادة،و نقلت عينات حية من واقعنا المعاش. وجبة الفطور حاضرة و نكهة العائلة غائبة "يكثر خير المؤمنين إفطرونا كل يوم أو فالوقت مي تبقى النكهة تع رمضان بين العايلة وحدها..الحمد الله كاين الناس اللي إعاونونا سيرتو في هذا رمضان..شهر رمضان مليح بين العايلة منحسولوش مليح كي نكونو بعاد على الدار.."،يوميات رمضانية يعيشها "محمد" و "علي" و "نور الدين" و غيرهم الذين تتراوح أعمارهم في الثلاثينيات ففيهم المتزوج و الأعزب،قطعوا رحلة طويلة بحثا عن الرزق الحلال،محطات انطلاقهم كانت مختلفة من مناطق شرق و غرب الوطن و نهاية رحلتهم كانت واحدة في ولاية بومرداس و العاصمة كونها الأكثر أماكن حظوظا في الجزائر لإيجاد مناصب العمل،أين جمعتهم ورشات بناء و لمعرفة كيفية قضاء يومياتهم الرمضانية صرحوا ليومية "الإتحاد" أنهم يتقاسمون وجبات فطورهم التي يتحصلون عليها من طرف سكان المنطقة أو كما أو كما علق أحدهم"ناس الخير مازال كاينين"،الذين لم يبخلوا عليهم منذ بداية الشهر الفضيل بخيراتهم،فيحضرون لهم ما لذ و طاب من الطعام في موعد يضربونه كل يوم و بدون تأخر قبل موعد آذان المغرب بدقائق،و في هذا الصدد يقول "علي" أن أطباق شوربة المرمز و المثوم و الزيتون و غيرها من الأطعمة الشهية التي تعدها الجزائريات و يتسابق سكان الحي على إحضارها قبل موعد الإفطار،و لأن كل منطقة من أرجاء الوطن عاداتها و تقاليدها يعلق "محمد" قائلا:"حنا في قسنطينة نديرو لحريرة في رمضان منحبش تع المرمز،مي اللي يحب لقمة الحلال هذي هي لازم يتعب،إسوفري..أو يتقبل كل شيء..". ..و في وجبة السحور حرج أما عن وجبة السحور فيجدون فيها صعوبة لافتقادهم لثلاجة تحفظ لهم الطعام من الفساد و التسمم،يقول "نور الدين":"السحور شوية واعر ناكلو حاجة حفيفة برك..أوكاين وين منسحروش نسهروا بزاف أو ماكاش لينوض فينا.."، رميات رمضانية يعيشها هؤلاء العمال يجتمعون حول مائدة صنعها ناس الخير و المحسنين في غابت فيها نكهة أجواء العائلة التي تطبع هذا الشهر الفضيل. ديار الرحمة..قبلتهم عند آذان المغرب يقضون يومياتهم الرمضانية بعيدا عن أهلهم و أبنائهم،في سبيل الحصول على مصاريف لتغطية حاجياتهم المعيشية،و لأن العمل عبادة نجد الكثير يعملون بجد و اجتهاد و صائمين غير مكترثين بالحرارة المرتفعة و لا ساعات اليوم الطويلة،و من بين هؤلاء "رمضان" و "عبد الكافي"من المدية اللذان التحقا بعملها بعيدا عن بيوتهم،فيعملون طول النهار لإعالة أبنائهم خاصة و نحن مقبلون على مناسبتين "العيد" و "الدخول المدرسي"،أين تزيد حاجيات الأبناء و تتفاقم مصاريفهم،و قبل ساعات قليلة من آذان المغرب تكون وجهتهما نحو الديار الرحمة ببئر خادم،لينعموا بوجبة إفطار يملئون بها بطونهم بعد 16 ساعة من الامتناع عن الأكل و الشرب،و يقول "عبد الكافي" أن ديار الرحمة رفعت عنهم المشقة و سهلت لهم التأقلم و ظروف رمضان بعيدا عن بيوتهم. و لإفطار الصائم أجر عظيم يجيب إمام سائل عن أجر إفطار الصائم في شهر رمضان؟،"نعم .. لك مثل أجر الصائم الذي أفطر من طعامك، مهما كان قليلاً، دون أن ينقص من أجر الصائم شيئاً ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا "( صحيح)،وهناك خطأ شائع بين بعض الناس، وهو أن بعضهم يظن أن الصائم إذا أفطر عند أحد الناس، فإن ثواب الصيام ينتقل من الصائم إلى صاحب الطعام .. وهذا خطأ.. فقد بين رسول الله أن ثواب الصائم لا ينقص، بقوله : " غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا"،و من بركة تفطير الصائم الملائكة تصلي عليك وجبريل يصافحك !،فقد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من فطر صائما في شهر رمضان من كسب حلال صلت عليه الملائكة ليالي رمضان كلها، وصافحه جبريل ليلة القدر، ومن صافحه جبريل عليه السلام يرق قلبه وتكثر دموعه" ،والجزاء بالمثل وأعظم وعن أبي سعيد الخدري أنه قال : أيما مؤمن سقى مؤمنا شربة على ظمأ، سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم. و أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة ... "(صحيح). ولا ريب أن تفطير الصائمين من خصال الخير ،لما يترتب عليه من المصالح العظيمة ، وعلى رأسها : زيادة التآلف والحب بين المسلمين . .."ولو بشق تمرة " ففي حديث سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء "، قالوا: يا رسول الله ، ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً، على مذاق لبن، أو تمرة، أو شربة ماء، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها، حتى يدخل الجنة" ،و عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها، ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها، ثم قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة) رواه البخاري ومسلم. تفطير الصائم من أخلاق أهل الجود وقدوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة"(صحيح)،وقد عدد ابن رجب فوائد جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان وذكر منها شرف الزمان، ومضاعفة أجر العمل فيه،و إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما أن من جهز غازيًا فقد غزا ،و سئل أحد السلف : لم شرع الصيام ؟ قال : ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع،فهنيئاً لأناس أودع الله في قلوبهم حب الخير، فوجدوا سعادة قلوبهم وراحة أفئدتهم عندما يحرصون على تفطير الصائمين، وتفقدهم في البيوت وفي الشوارع وفي وسائل المواصلات والطرق.