يجب على المفكر في أوقات الأزمة أن يأخذ موقفا واضحا لتبسيط الأمور هذا هو الدرس الذي استخلصه رشيد حمودي من العمل الذي خصصه لمشوار طاهر جاووت (1953-1993) و ألف منه كتابا هو معروض حاليا في المكتبات. و يعد كتاب الطاهر جاووت الموهبة الموقفة (اوديسي) كرونولوجيا للمراحل الرئيسية من مشوار جاووت كشاعر و كاتب و صحفي و الذي لم يتردد عن اتخاذ موقف في الوقت الذي كان فيه الوطن يمر بعد أكتوبر 1988 بأوقات كانت الاحلك منذ الاستقلال، و كتب حمودي أن الكاتب كان رجل مبدأ و كان يدافع ببسالة عن أفكاره.و كان يعتبر أن الرهان كان يفوق المواقف السياسية لفئة أو فئة أخرى لان مستقبل البلاد كان يواجه إيديولوجية استبدادية كاتمة للحريات فعلى المفكر اتخاذ موقف و اختيار عبارات النقاش، و نشر جاووت أشعاره الأولى في الصحافة و هو لا يزال في ثانوية عقبة بباب الوادي (العاصمة) ثم بدا في سبتمبر 1975 مشوارا طويلا في الصحافة الثقافية بيوميتي المجاهد و "الجزائر أحداث" قبل ان يقتحم عالم الصحافة السياسية انطلاقا من 1989، و في بداية مشواره كان طاهر الكاتب يختبا وراء طاهر الصحفي، "و كان يرى نفسه على أنه روائيا أكثر منه صحفيا لأنه كان منجذبا بمغامرة التأليف أكثر منه بمتابعة الأحداث اليومية ، و كانت الصحافة بالنسبة له وسيلة لإقامة علاقات و البقاء دوما في عالم التأليف الرائع.و بعد أكتوبر 1988 شهدت بلدنا انفتاحا سياسيا و إعلاميا كرسه دستور فيفري 1989 قبل الوقوع في أزمة هي الآن تمس عدة دول من المغرب و المشرق العربيين تعرف باسم "الربيع العربي" تميزت باعتلاء الأحزاب الإسلاموية سدة الحكم و لكن بصفة تثير الجدل أكثر فأكثر، و أشار الكاتب الذي يعد صحفيا أيضا إلى ان "جاووت لا طالما كان بعيدا عن المقال السياسي حيث كان التعبير مقيدا و لكنه كان يبدو أمام الرهانات على انه يكتشف من جديد و بدهشة متعة حرية التعبير، و أضاف قائلا و مع تكريس حرية التعبير تدريجيا كان جاووت يعبر صراحة عن أفكاره داعيا إلى إعادة ترسيخ العقل و التسامح و المنطق من جديد في مجتمع منهار، والأزمة بالنسبة له ثقافية أكثر منها سياسية، و حملت العديد من المقالات التي نشرت طوال سنة 1989 هذه الملاحظة ما بين السطور. و بدأ مؤلف "الحراس" الكتابة عن الأحداث السياسية بالأسبوعية العمومية "الجزائر أحداث" التي أسست في 24 نوفمبر1965 و التي أصبحت عنوانا مرجعيا في فترة الثمانينات قبل أن تختفي تماما في فيفري 1996، لكن التزامه كان أقوى ضمن أسبوعية "القطيعة" التي أطلقت في 13 جانفي 1993 و التي كان مدير تحريرها حيث كان يدين بوضوح الإسلام السياسي و مظاهره الايديولودية في وسائل الإعلام و المدرسة منتقدا دون هوادة عمل الحكومة.و أشار حمودي الذي كان يعمل أيضا بأسبوعية "القطيعة" أن "جاووت أصبح رغما عنه رمزا في سياق تسوده القطبية لم يعد حينها الصحفي الشغوف بتقديم أعمال أدبية فحسب و الذي ينحصر في الحدود الضيقة للأحداث الثقافية بل كانت له مواقف واضحة، و لخص أخر عنوان نشره في أخبار السياسة بأسبوعية "القطيعة" (20-25 ماي 1993) "عائلة تتقدم و عائلة تتأخر" جوهر تحليله الذي يضع الإسلاميين الحاملين لمشروع من العصور الوسطى في كفة و أولئك الذين يدعون إلى جزائر جمهورية حديثة في كفة أخرى، و أوضح حمودي أن منتقديه كانوا يعيبون عليه في هذه الرؤية الاحتقارية الواضحة إلى درجة لا تتحمل معاني كثيرة. و فارق طاهر جاووت الحياة متأثرا بجروحه بعد مضي أسبوع على تعرضه لاعتداء إرهابي في 26 ماي 1993. و دفن بالقرية مسقط رأسه بأزفون بولاية تيزي وزو، و لم تتحمل أسبوعية "القطيعة" التي كانت تضم صحفيين موهوبين أمثال سعيد مقبال و عبد القادر جمعي و معاشو بليدي و نجيب اسطنبولي و خديجة زغلول و جمال مكناشي و ندير سبع و عيسى خلادي و عبد الكريم جعاد و أرزقي آيت العربي و جوهر موساوي و مالك بليل و أرزقي مترف مواصلة المشوار بعد رحيله.