عندما ننصح أحدا بالذهاب إلى الطبيب النفسي، يتبادر على الفور إلى أذهان البعض أن هنالك خلل ما فينا يرتبط بالجنون، فالعديد من المفاهيم الخاطئة بنيت على الخرافات وعدم المعرفة والجهل بطبيعة الأمراض النفسية والعلاج النفسي والتي أدت بالفرد داخل المجتمع أن يعزف عن الذهاب إلى الطبيب أو المعالج النفسي ، فيتدنى وضعه النفسي ويتمكن منه المرض وتصبح حالته مستعصية ، وأول ما يذهب إليه هو المشعوذين والدجالين والذين يدعون القدرة على شفاء الأمراض النفسية ، ويتنقل من مشعوذ إلى آخر بغية أن يساعده في علاج حالته ولكن هيهات ويل له، فلما لا يذهب المريض إلى الطبيب النفسي في البداية ليساعده في السيطرة على المرض ويوفر عليه الكثير من العناء.هذه الأفكار الخاطئة أوجدت الاتجاهات السلبية للمرض النفسي من قبل العائلة في حالة إصابة أحد أفرادها به: فإذا أجرينا مقارنة متعلقة بموقف الأهل في حالة الإصابة بالمرض العضوي والإصابة بمرض نفسي نجد أن الأهل في الحالة الأولى يستدعون الطبيب بشكل فوري، وينفذون تعليماته بدقة، ويعطونه ثقة كبيرة، ويقبلون بتشخيصه، ويكون المرض مناسبة اجتماعية للزيارات، وتسود الأجواء مشاعر التعاطف مع المريض ورغبة في متابعة علاجه حتى الشفاء التام. هل كل زوار العيادات النفسية.. مجانين ! من أهم هذه المفاهيم ارتباط الأمراض النفسية بالجنون، حيث يعتقد الكثير من الناس بأن كل زوار العيادات النفسية هم من المجانين وكذلك الاعتقاد بأن الأدوية النفسية لا فائدة منها وأنها تسبب الجنون، وان هذه الأدوية نوع من المخدرات وان تناولها يؤدي إلى الإدمان، والاعتقاد بأن الأمراض النفسية لا شفاء منها. إن هذه الاعتقادات تؤدي إلى التردد عند زيارة الطبيب النفسي خجلا من ذلك بل ربما الامتناع عن الإقدام عليه رغم الحاجة الشديدة إلى ذلك، ولكن من السهل مراجعة دجال أو مشعوذ ودون تردد. أما في حالة المرض النفسي فنجد الأهل يترددون كثيرا قبل مراجعة الطبيب، ويحاولون التهرب من تنفيذ تعليماته، ويفضلون مراجعة أكثر من طبيب، ويحيطون التشخيص بالتشكيك، ويحملون عدائية غير ظاهرة للمعالج، كما أنهم يحاولون أخفاء أنباء المرض حتى عن المقربين، ومحاولة إنهاء العلاج بأقصى سرعة ممكنة (حتى قبل أوانه)، كما يحملون مشاعر هجومية نحو المريض ويوجهون انتقادات مكثفة إليه. أفكار خاطئة تستفحل المرض وتطيل العلاج وفي هذا الصدد انتقلت يومية الاتحاد لعيادة الدكتور النفسي محمد. م وأستاذ بجامعة الجزائر الذي أكد أن نتائج هذه الأفكار والممارسات يتأخر الناس في مراجعة العيادة النفسية حتى يستفحل المرض وتصبح عملية العلاج أطول. حيث قال "وعلينا أن نتذكر بأن المرض النفسي يتدرج من الاضطراب البسيط الذي يمكن علاجه بالإرشاد النفسي والطمأنة إلى الفصام العقلي شديد الاضطراب الذي يتحكم به دوائيا ، فأمراض القلق والاكتئاب والوساوس والمخاوف والهستيريا واضطرابات النوم واضطرابات الأطفال وغيرها من الأمراض النفسية قابله للشفاء، وان هناك نسبه قليله من الأمراض النفسية التي لا تشفى ولكن يتحكم بها من قبل الأدوية ، ولو نظرنا إلى الأمراض غير النفسية فان الأمر لا يختلف كثيرا فهناك العديد منها يستمر طوال العمر مثل مرض السكري والضغط وأمراض القلب ويحتاج المريض المصاب بها إلى تناول علاجه مدى الحياة". الطبيب النفسي ليس للمجانين فقط ! وبين مؤيد للطب النفسي ومعارض وقفت الاتحاد على تضارب الآراء، حيث التقينا بمنير من الشراقة الذي رحب بضرورة عيادة الطبيب النفسي قائلا : "من يرى أنه يعاني من ضغوط ومشاكل اجتماعيه أو اقتصاديه وغيرها أو يرى أنه يتصرف تصرفات غريبة وغير معتادة وأنه عنيف جدا أو حزين جدا وغيرها من الأمور عليه مراجعة طبيب نفسي والفضفضة عن ما في قلبه ولا يخشى شيئيا، والطبيب النفسي ليس للمجانين فقط بل هو لعلاج النفسيات بأنواعها الحزينة والمكتئبة وغيرها من النفسيات التي تجتاح الإنسان عند الأزمات والمصائب كفانا الله الشر الكثير"وأضافت دعاء من العاصمة أنه أصبح البعض يراجع العيادات النفسية، ولكن بشكل سري تماما، خوفا من أن يظن به جنون، وذلك جراء ما يعانيه من ضغوطات الحياة من مادية واجتماعية من الطبيعي أن تأثر على نفس الإنسان .ومهما بلغ الإنسان من القوه والجلد يبقى ضعيف .واقل مشكله تسبب له اضطراب نفسي يلازمه طول العمر . بوعلام.. "بلادنا غير مؤهلة للطب النفسي" أما بوعلام فيرى أن الطب النفسي في بلادنا هو ما يصيب الإنسان بالجنون، وعلى هذا يقول "حقيقة لا انصح بالطب النفسي لا في الجزائر ولا في أي بلد عربي، حيث أثبت الإحصائيات أن ألمانيا اكبر مصنع ومصدر للعلاج النفسي في العالم وهم الأقل استخداما داخل الأراضي الألمانية مفهوم الطب النفسي لدينا مفهوم خاطئ حيث انه يعتمد على العلاج الكيميائي والذي يغلف مركز المشاعر في المخ فيغيب المشاعر السلبية برهة ثم يقضي على المشاعر الإيجابية ، بينما في العالم المتحضر لا يعتمد الطبيب على العلاج الكيميائي إلا بعد إخضاع المريض لبرنامج علاجي سلوكي نفسي يعتمد على تفكيك المشاكل النفسية من خلال توجيه السلوكيات وهي تقنية موجودة أصلا ضمن تعاليم التشريع الديني ولكن لم نجد بصدق من يعتني بها عند زيارة أي عيادة نفسية وفي غرفة الانتظار. الأفلام والمسلسلات الراعي الرسمي للمفهوم الخاطئ وفي الموضوع سألنا الدكتورة مهني عن العوامل التي ساهمت في ترسيخ المفاهيم الخاطئة في مجتمعنا أكدت أن وسائل الإعلام هي العامل الأكبر والأول تقول الدكتور النفسانية: "لقد تعودنا من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والرواية الجزائرية تقديم صورة مشوهة عن العلاج والمعالج النفسي مما جعل هذه المفاهيم تتغلغل في وجدان الناس ،ومن الصور المشوهة التي قدمت في الأفلام والرواية الجزائرية شخصية الطبيب النفسي فتظهر الطبيب النفسي وكأنه غير مستقر نفسيا .وتضيف "ومنها أيضا طريقة العلاج النفسي وتنفيذها والمثل الواضح على هذا هو العلاج بالاختلاج الكهربائي والذي يصور على انه نوع من العقاب ويعرض بطريقة تثير اشمئزاز المشاهد،فنجد المريض يصرخ ويتألم وكأن الذي يحدث هو تعذيب للمريض وليس علاج له ، وإظهار الممرض النفسي بأنه شخص قاسي عديم الرحمة ، عابس الوجه، عنيفا في حديثه وأسلوبه وتعامله، فتركيز وسائل الإعلام على عرض المرضى النفسيين ذوي الحالات المزمنة وغير القابلة للشفاء وهذه الأمراض تحدث بنسبة قليلة مقارنة بالأمراض النفسية الأخرى والتي تعالج ويشفى منها تماما". على الإعلام تصحيح الخطأ من جهة أخرى أكدت ذات الدكتورة أن الحل الوحيد وللتخلص من موروث سنوات طويلة من المفاهيم والمعتقدات الخاطئة عن الطب النفسي، هو وسائل الأعلام والعاملين في مجال الصحة النفسية ، حيث يجب أن يقوموا بدورهم لتحسين الصورة المشوهة عن الطب النفسي، والمساعدة في توصيل المعلومات الصحيحة عن الأمراض النفسية وطرق العلاج النفسي، ونحن نتوق إلى ذلك اليوم الذي تصبح فيه زيارة العيادة النفسية أمرا عاديا وان نتخلص من الخوف والخجل والوصمة السلبية . الصلاة... علاج نفسي ويشير مشايخ الدين الإسلامي أن هذا العلاج النفسي الحديث يتم من خلال طريقتين:العلاج بالاسترخاء النفسي والعضلي وفيها يتدرب الإنسان على الاسترخاء العضلي والعصبي والنفسي التام تحت إشراف طبيب نفسي وذلك يفيده أكثر.والطريقة الثانية: تقليل انفعال الإنسان للأحداث وذلك في جلسات يتدرب فيها الإنسان على الاسترخاء التام ثم يتعرض لموقف يثير غضبه فيثور، ويأمره الطبيب بنسيانه ويعود للاسترخاء التام.و الصلاة تتيح ممارسة هذين الأسلوبين خمس مرات في اليوم، ففي الصلاة يحدث اقتران حالة الاطمئنان النفسي والاسترخاء بالمواقف المثيرة للغضب والتوتر والانفعال خارج المسجد قبل الصلاة، وبذلك يحدث ارتباط نفسي بينهما فيقل انفعال الإنسان للأحداث التي تعترضه في حياته اليومية وبذلك يستعين الإنسان بالشفاء النفسي في الصلاة على ما يكابده في الحياة اليومية من مشاق.. فذلك قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة).إلى أن العلاج السلوكي من أحدث الطرق في الطب النفسي لعلاج التوتر والانفعال، ويقصد بهذا العلاج تدريب المريض النفسي على الاسترخاء التام في أي موقف يكون فيه، فإذا غضب وكان واقفا يطلب منه الجلوس والاسترخاء والتروي.. ما أشارت إليه السنة النبوية قبل أن يصل العلم الحديث إلى هذا العلاج بقرون عديدة، فقد روي أن أبا ذر (رضي الله عنه) كان يسقي على حوض ماء فورد رجل على الحوض فكسره وكان أبو ذر واقفا فجلس ثم اضطجع فقيل له لماذا فعلت هذا؟ فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب فليضطجع.