الجزائر وتونس تُنسّقان لتأمين الحدود    مخططات مغرضة تستهدف الجزائر    وزير الاتصال ينظم مأدبة افطار لفائدة الأسرة الإعلامية الوطنية    الجزائر تُحضّر لإطلاق الجيل الخامس للنقّال    الجزائر تستنكر صمت مجلس الأمن    الوادي : تشييع جثمان شهيد الواجب الوطني الطيار المقدم نصر بكوش بمقبرة سيدي يوسف    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى أزيد من 49 ألف شهيد و 112 ألف جريح    قوجيل: الجزائر تمضي بثبات نحو استقلالها السياسي والاقتصادي    الخارجية تُصدر بيانًا حول رفض فرنسا تسليم بوشوارب    وزيرة البيئة تؤكد أن الدولة عازمة على تحقيق نقلة نوعية في تسيير قطاع البيئة    الرابطة الأولى: فوز شباب بلوزداد على اتحاد بسكرة (4-2)    المغرب: تحذير من مخاطر الاختراق الصهيوني الذي طال كافة المجالات في المملكة    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    نسبة جاهزية موزعات البريد الآلية بلغت 96 بالمائة عبر الوطن    تشغيل: بن طالب يبرز جهود القطاع في عصرنة المرفق العمومي ضمانا لجودة الخدمات    سويسرا : يوم تضامني مع المعتقلين السياسيين الصحراويين و حملة توقيعات للمطالبة بالإفراج عنهم    السيد سايحي يبرز مجهودات الدولة في توفير الهياكل الصحية عبر مختلف ربوع الوطن    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفية بالإذاعة الوطنية فاطمة ولد خصال    اليوم الدولي للغابات: تنظيم حملات للتشجير والتحسيس حول الحفاظ على الثروة الغابية بغرب الوطن    سعداوي يشدد على ضرورة اتخاذ التدابير الكفيلة لتسيير الفصل الثالث في أحسن الظروف    حوادث المرور بالمناطق الحضرية: وفاة 13 شخصا وإصابة 456 آخرين خلال أسبوع    نحو إدراج التراث الأثري لمدينة تبسة ضمن القائمة الإرشادية للتراث العالمي بالجزائر    وزير الداخلية و الجماعات المحلية و التهيئة العمرانية في زيارة عمل إلى ولاية قسنطينة    حشيشي يؤكد على ضرورة الالتزام بآجال المشروع الجديد لضغط الغاز بغرد النص    وفاة الصحفية السابقة بالإذاعة الوطنية فاطمة ولد خصال    بطولة إفريقيا للمحليين 2025 : المنتخب الوطني يجري ثاني حصة تدريبية له    مونديال 2026: "الخضر" يكثفون تحضيراتهم قبل التوجه إلى فرانسيس تاون    الجمعية الثقافية السينمائية "أضواء" تحيي الذكرى ال63 لعيد النصر    روتايو.. شر بشري وغباء إداري    "بريد الجزائر" يطلق صفحة خاصة بتطبيق "بريدي موب"    لهفة الصائمين تعترض مساعي الحد من تبذير الخبز    في باكستان.. حرصٌ على اللباس المحتشم    ورشة مفتوحة لتغيير وجه المدينة    اختبار صعب ل"الخضر" في طريق التأهل لمونديال 2026    يوسف بلايلي سلاح بيتكوفيتش في مباراة بوتسوانا    جبهة وطنية إعلامية للدفاع عن صورة الجزائر    نجوم في بيت الفن والسمر    المسموح والممنوع في الخدمات الرقمية نحو الخارج    خطوات جديدة لمرافقة وترقية الاستثمار    7 متنافسين على المقعد الرياضي الأكثر نفوذا    الجزائر تدين بشدة الهجوم الإرهابي على موكب الرئيس الصومالي    الخضر يبحثون عن الفوز للاقتراب من المونديال    مهرجان للإنشاد والمديح بسكيكدة    حج 2025 : اجتماع تنسيقي لمتابعة عملية تسيير رحلات الحج    قال إن المنتخب الجزائري يملك توليفة رائعة من اللاعبين.. صهيب ناير سعيد باللعب مع الجزائر    متى يباح الإفطار للصائم    أجمل دعاء يقال في رمضان    الذكرى ال63 لعيد النصر: تنظيم ندوة فكرية حول تجليات عيد النصر في المخيال الأدبي والفني الجزائري    نسيج وجلود: رقم أعمال المجمع العمومي "جيتكس" يرتفع ب15 بالمائة في 2024    فتح 2000 مطعم وطنيا لتقديم وجبات للمحتاجين وعابري السبيل    اتخاذ إجراءات ضد 53 مستورد للمورد    هل حافظت "طيموشة 3" على التألّق نفسه؟    بهجة رحال ونوري الكوفي نجما النوبة    الحويني في ذمة الله    جاهد لسانك بهذا الدعاء في رمضان    هذا موعد أول رحلة حج    12 مطارا و150 رحلة لنقل 41 ألف حاج    الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الظروف الصعبة وفقدان الأقارب يوقع المرضى في شبح الجنون
وجوه البراءة تقع في فخ الإختطاف ومخالب الذئاب البشرية
نشر في السلام اليوم يوم 07 - 01 - 2013

عرفت شوارع العاصمة في الأونة الأخيرة، إنتشارا كبيرا للمرضى المختلين عقليا الذين يتصرفون بطريقة عدوانية تشكل خطرا على المارين، وبالرغم من أن بعضهم مسالمين ولايلحقون الأذى بغيرهم إلا أن المجتمع ينظر إليهم بدونية وإحتقار.
عرفت نسبة المرضى المختلين عقليا إرتفاعا كبيرا في الفترة الأخيرة أمام الإنتشار الملحوظ للمجانين بشوارع العاصمة فبالرغم من أن البعض منهم يتلقون العلاج بالمصحات العقلية إلا أن حالتهم تزداد سوءا بغياب ثقافة التعامل مع تلك الشريحة التي تبقى مهمشة ومعزولة عن الآخرين، وكذا غياب التأهيل الكافي بالمصحات العقلية لذا تفضل بعض الأسر عدم إدخال فلذات أكبادها للمستشفى عند إصابتهم بالمرض النفسي خوفا عليهم من سوء معاملتهم، لكن المريض النفسي يبقى حبيس البيت أو نظرة المجتمع السلبية إتجاهه عند خروجه للشارع، حيث أن مجتمعنا يعتبر أن المرضى النفسيين والمجانين بمرتبة واحدة مما يجعل الكثير منهم يمتنعون عن زيارة الطبيب خوفا من نظرة المحيطين بهم لهم، أو يختارون إخفاء مرضهم عن ذويهم الذين غالبا ما يميزون في معاملة إبنهم المجنون أو العاقل، مما يساعد على تدهور حالتهم النفسية إلى الجنون بالرغم من إمكانية علاجها قبل فوات الأوان، هذا ما دفعنا للتجول عبر شوارع العاصمة، حيث لاحظنا أن أرصفة وشوارع ساحة الشهداء يتواجد بها عدد كبير من المرضى المختلين عقليا والمشردين بالحدائق من الجنس اللطيف أو الخشن على حد سواء، يجلسون على أرض بملابسهم المهترئة والغريب أنهم لا يسلمون من نظرات المارين الجارحة ولا من المضايقات، حيث أن الكثير منهم يتعرضون للسب والشتم بالرغم من أنهم ليسوا في وعيهم، فإن كثيرا من أفراد المجتمع لايراعون وضعهم ولا يجدون ما يسد جوعهم سوى بقايا المواد الغذائية التي يبحثون عنها بصناديق القمامات، وأحيانا يجولون الشوارع وهم ينزعون ملابسهم بالرغم من قسوة البرد.
فكثير منهم كانت ظروفهم الإجتماعية الصعبة أو ما تعرضوا له من صدمات قوية سببا في جنونهم، وهم لا يعلمون أن كثيرا منهم قد تعرضوا لضغوط إجتماعية قوية كانت سببا في تغير رحلة حياتهم إلى الجنون، فقد علمنا من أبناء حي بلكور، أن أحد أصدقائهم كان يمتلك قدرا كبيرا من الأخلاق إلا أن دخوله إلى السجن ظلما من دون إرتكابه للجريمة كان سببا في فقدانه لعقله خاصة بعد وفاة والدته.
الانهيار العصبي دافع أكيد للجنون
ولا تختلف وضعية الكثير من المجانين الذين تعرضوا لضغوط إجتماعية عن الآخرين، حيث علمنا من أحد الأزواج أن الإنهيار العصبي الذي تعرضت له زوجته بعد وفاة إبنتها كان سببا في جنونها ومكوثها بالمصحة العقلية.
المجنون حبيس نظرة المجتمع السلبية
كما تجولنا بأحد الأحياء المتواجدة بالقبة، بعد ملاحظتنا لعدد لايستهان به من المجانين الذين يتصرفون بطرق غريبة، حيث توجهنا إلى منزل عائلة أحد المجانين لنتعرف على أسباب إصابته بالمرض العقلي، حيث أكدت لنا والدته أن إبنها كان بكامل عقله قبل ترحيله من البلد الأوروبي الذي هاجر إليه، كما أضافت أن الصدمة التي لحقت به كانت قوية عليه فكانت سببا في إصابته بإنهيار عصبي وصل به للجنون، وعن كيفية تعاملها مع إبنها بالبيت فتقول أنها قامت بإدخاله للعديد من المصحات العقلية إلا أنه لم يتلق رعاية جيدة من قبل العاملين، كما أني لاحظت أن حالته قد زادت سوءا خاصة أن أغلب المتواجدين من المرضى كانوا يعانون بفعل قسوة العاملين عليهم. مما جعلني أخرجه من جحيم المصحة، وعن تعامله معهم فتقول فإنه لا يلحق الأذى بالمحيطين به بل أن جنونه مبني على تصرفاته الغريبة فقط.
في حين علمنا من أبناء حي العافية، عن المجنون الذي يدعى “قاصة” والذين تفاجؤوا لإصابته بالجنون بشكل مفاجئ بعدما كان من بين أصدقائهم المفضلين، حيث كشف لنا أصدقاؤه أن خطيبته التي تخلت عنه بعد علاقة حب دامت لسنوات وإرتباطها بأخر كان سببا في جنونه. أحد أصحاب المطاعم رفض تقديم وجبة مجانا لأحد المجانين وقد إنهال عليه بالضرب، ليطرده بالقوة بالرغم من أنه لم يلحق به الأذى. فبالرغم من أن بعض المجانين المتواجدين بالشوارع لا يلحقون الأذى بغيرهم إلا أنهم لا يسلمون من التصرفات التي تبدر من المارين إتجاههم، والتي لاحظنا أنها تثير غضب الكثير منهم ففي حي بلكور، تفاجأنا أن بعض الشباب يلتفون حول أحد المجانين كما يطلقون عليه ألقاب غير لائقة ولا يتركونه سالما بل يتعمدون جرح مشاعره ويسخرون منه بهدف إضفاء جو من الضحك، لكن ما إستغربنا له أنه يمتلك ثقافة تفوق الأشخاص العاديين بعدما علمنا أنه يجيد أربع لغات، وقد كان وقت سابق أحد الأساتذة إلا أن موت زوجته كان سببا في جنونه.
أكثر المجانين في الجزائر من النساء
في حين لاحظنا أن معظم المجانين المتواجدين بالشوارع هم من بنات حواء اللواتي كانت ظروفهن الصعبة والصدمات القوية التي وقعت على رأوسهن سببا في جنونهن، هذا ما دفعنا لزيارة بيت الحاجة “فاطمة” لنرصد معاناتها في تربية ثلاثة أطفال مختلين عقليا، فقد أكدت خلال حديثها أن الأقدار قد شاءت أن ترزق بثلاثة بنات مصابات بإختلال عقلي إلا أنها لم تقبل التخلي عنهن بالمصحة العقلية، لكن ما زاد من معاناتها أن خروج إبنتها للشارع كان سببا في تعرضها للإعتداء الجنسي، كما أضافت أن المارين إستغلوا جنونها لإشباع رغباتهم الجنسية ولم يرحموا وضعها بل وقعت بمصيدة تلك الذئاب البشرية التي لا ترحم من بالشارع سواء عاقل أو مجنون.
جهل الأسر يدفع بالمرضى للجنون في أوكار المشعوذين
لا زالت الكثير من العائلات ترجع الأعراض والإضطرابات النفسية إلى المس والسحر أو دخول الجن إلى جسد المريض، بفعل جهلهم بخطورة المرض أو صعوبة تشخيص بعض الأطباء غير المختصين لطبيعة مرض أقاربهم النفسي، فيكون خيارهم الوحيد هو التمسك بالمعتقدات والطرق البدائية التي يستعملها المشعوذون الذين يدعون أنهم يملكون قدرات في علاج الأمراض النفسية المستعصية بحيل وطرق مبنية على الخداع، حيث علمنا أن عددا كبيرا من الأسر يفضلون أوكار المشعوذين على العيادات النفسية خوفا من نظرة المجتمع التي تبقى تطارد أقاربهم مدى الحياة، وهم لا يعلمون أن المكان الذي يقصدونه يشكل خطرا على المرضى، كما يساعد في تفاقم مشكلتهم ليصبح حلها مستعصيا ومستحيلا، حيث كان الجنون والمبس الشيطاني متلازمين ولازال يسيطر على كافة فئات المجتمع، حيث لازال البعض لا يوجه أي إهتمام للطب النفسي بالرغم من التطور الذي عرفه حيث ينظر إليه البعض على أن المرض النفسي غير معروفة أسبابه، وأن كثيرا من الأمور الخرافية تتدخل بأسبابه لهذا زاد إهتمام العامة بالدجالين، فمن ضمن القصص الواقعية ما حدثتنا عنه “مليكة” التي وقعت بدوامة الدجالين بعدما إقتنعت بكلام جارتها التي أكدت على أن أحد المشعوذين قادر على حل عقدة إبنتها النفسية، لكنها تفاجأت أن الدجال يقوم بضرب إبنتها بقوة وكان مبرره أن الجن قد مسها مما جعلها تصاب بالجنون، وقد زادت حالتها سوءا وحسب قولها فإنه زرع فوبيا الخوف لديهاجعلها تضطر لإدخالها لمصحة عقلية.
سبب معاناة المرضى النفسيون
إن شريحة كبيرة من المجتمع على إختلاف مستوياتهم الثقافية والإجتماعية لازالت تحمل نظرة خاطئة إتجاه المريض النفسي، تتباين بين الدونية وتحمل قدرا كبيرا من الإزدراء والإحتقار، وبالتالي فإن المرضى النفسيين ينالهم قدر كبير من قلة الإهتمام والتجاهل من قبل المحيطين بهم، وكأن المريض هو من جلب المرض لنفسه حيث تعتبر إعاقة المرض النفسي أشد وأمر من الإعاقة الجسدية بفعل فقدان المريض النفسي لأدنى حقوقه، حيث يرجع المختصون بعلم النفس أن سبب تلك النظرة هو تعميم أحد صور المرض النفسي كالفصام مثلا على جميع الأمراض النفسية، حيث نرى أن مريض الفصام العقلي وهو يتكلم أو يضحك مع نفسه مهملا لمظهره الخارجي، مما يجعل تلك الصورة المزرية ترسخ بعقول المحيطين به فيغيرون معاملتهم لهم ويرفضون الإتصال بهم مما يجعلهم يعيشون حياة ملؤها المعاناة والعزلة عن العالم الخارجي، كما أن الدخول إلى المصحات العقلية للمريض النفسي يزيد من حالته سوءا خاصة أن العاملين بها لايتبعون الطريقة المثلى للتعامل مع تلك الشريحة التي يكفي إسكاتها بجرعات الدواء أو إستعمال القسوة والعنف معها بعد تعرضها للإنهيار العصبي، فهناك شريحة كبيرة من المرضى النفسيين تكون المصحات العقلية أو معاملة المحيطين بهم سببا في جنونهم.
ولسوء حظهم فإن نظرة المجتمع الجارحة تظل تطاردهم برفقة أسرهم في حالة خروج المريض من المصحة العقلية أو معالجته فإن أصابع الإستهزاء تظل توجه إليه من قبل المحيطين به، فتلك الصورة الخاطئة تقدح بأذهان كثير من الناس الذين لا يملكون أدنى رحمة إتجاه هؤلاء المرضى الذين لاحول ولا قوة لهم كما لا شك فيه أن الإعلام المرئي وما يشاهده المتلقون بالقنوات سواء بالأفلام له دور كبير في زرع الخوف بين أفراد المجتمع من المجانين وترسيخ صورة سيئة عنهم، فبالرغم من أن الطب النفسي من أهم فروع الطب رغم إختلاف وسائل التشخيص والعلاج وما صاحبها من إعتقادات إجتماعية متباينة وما واكبهامن ظهور نظريات وفرضيات تفسر الإضطرابات النفسية والعصبية التي يعاني منها المريض، إلا أن الكثير من الأطباء يرفضون التخصص به كونه لا يلقى إهتماما كبيرا مما جعل العاملين بالمصحات العقلية غير مؤهلين للتكفل بالمرضى على أكمل وجه، فمع أن الأمراض النفسية الأخرى كالإكتئاب والقلق إضافة للإرهاب الإجتماعي نسبة وجودها تفوق بأضعاف مرض الفصام، إلا أن المصابين بها يرفضون الإعتراف بما لديهم من معاناة كما يفضلون الإمتناع عن زيارة الطبيب لمجرد خوفهم من نظرة المجتمع القاتلة أو حتى تسميتهم بالمجانين من قبل المحيطين بهم، وما يزيد من معاناة البعض هو تخلي أقرب الناس إليهم بمحنتهم أو إهمالهم لهم مما جعل الكثير منهم يعيشون بوحدة قاتلة وعزلة عن عالمهم الخارجي بين أربعة جدران، أو وهم مشردين بالشوارع في المقابل فإن الإضطرابات النفسية إرتبطت على مر العصور بنظرة جائرة من المجتمع سواء العادي والبسيط منهم أو المتحضر، كما كان جهل العائلات لخطورة أمراضهم النفسية سببا في جنونهم.
غياب ثقافة التعامل مع المريض النفسي
إن النظرة السلبية للمرضى النفسيين مازالت موجودة عند بعض أفراد المجتمع، حيث يتخوف العديد من أفراد المجتمع من المرضى النفسيين وينظرون إليهم على أنهم خطر وسلوكهم يتسم بالعدوانية، فيما ينظر البعض من الأسر إلى مريضها النفسي على أنه عالة عليها وتسعى إلى طرده أو حجزه ومنعه من الاندماج في المجتمع، وتطالعنا الصحف بالعديد من الممارسات السلبية تجاه المريض النفسي فأسرة تحتجز ابنتها المصابة باضطراب عقلي في سطح المنزل، وأخرى تطرد ابنها المريض نفسياً خوفاً من تشويه سمعة العائلة، وثالثة تضعه في أحد الشوارع وتتصل بالأمن ليحتجزوه وفئة كبيرة من الأسر تهمل علاجه ولا تهتم بنصائح الأطباء، ولا تتقيد بمواعيد الدواء والمراجعة وتنظر للعلاج على أنه التنويم في المستشفى فقط أو حجزه على حد تعبير بعض الأسر، والعديد من الممارسات الخاطئة التي تساهم في تردي صحة المريض وانتكاسة حالته بما يعرضه لزيادة حدة المرض، وبالتالي التشرد وصعوبة العلاج.
المرض النفسي يتحول لجنون بفعل إهمال العلاج
تحدث المختصون بالصحة النفسية والاجتماعية، وهم يشيرون الى نتائج آخر دراسة محلية قام بها وشارك فيها أطباء نفسيون بهدف معرفة اتجاهات المجتمع نحو الأمراض النفسية، وأسباب الإحجام عن البحث في العلاج النفسي عند الحاجة إليه، ومن ثم التخطيط لحملات توعية بماهية الأمراض النفسية وأسبابها وطرق علاجها حتى يتم التغلب على بعض المعتقدات الخاطئة التي ترسخت في أذهانهم وأصبحت جزءا من الثقافة المجتمعية.
حيث استخدمت استمارة “استطلاع رأي” كأداة للدراسة. وشملت عينة الدراسة الفئات العمرية الواقعة بين 20-55 سنة، كانت نسبة الإناث المشاركات اكبر من نسبة الذكور(65.3%)، وكانت نسبة المشاركين من التعليم الجامعي 60.4% وما فوق الجامعي 7. 32.%، مما يوضح أن غالبية المستجيين كانوا من المتعلمين والذين لديهم خلفية جيدة عن الموضوع.
كما أرجع معظم الاطباء في الدراسة أسباب كثيرة للإصابة بالجنون حيث أن نسبة (52.5%) تعود لعدم توجه المريض النفسي لطلب العلاج حين إحساسه بالأعراض، إلى النظرة السلبية التي ينظر بها المجتمع إلى المريض النفسي، ورأى (31.7%) منهم أن السبب عدم اقتناع المريض وأسرته بالطب النفسي، وأشار (15.8%) أن السبب قد يرجع إلى لجوء كثير من أفراد المجتمع إلى الشيوخ وذلك لاعتقادهم أن المرض النفسي مس شيطاني، وهذا يؤدى إلى التأخر في طلب العلاج النفسي، وانتكاس الحالة. وعن نظرة المجتمع إلى المريض النفسي، يرى (57.4 %) أنه خطر على المجتمع ويجب الحجر عليه، بينما يرى (34.7 %) أنه مريض كغيره ولكن يحتاج إلى فترة طويلة من العلاج. في حين كشف الباحثون في علم النفس، أن هناك مؤشرا ايجابيا حول إمكانية شفاء المريض النفسي من المرض بعد إخضاعه للعلاج، فقد ظهر من الدراسة أن (64.4 %) من المشاركين متفائلين بعودة المريض لممارسة حياته الأسرية والعملية بالتدريج وبدور الأسرة في الإشراف على تناول الأدوية بانتظام مخافة أن يصاب بانتكاسة لحالته. كما ارجعوا أغلب مفردات عينة الدراسة (65.3%) سبب الأمراض النفسية الى الاستعداد الوراثي والعوامل البيئية وضغوط الحياة، (1.0%) أشاروا الى أهمية العوامل الوراثية فقط في بعض الأمراض النفسية مثل الفصام.
وعن أسباب صعوبة تشخيص الأمراض النفسية، أشار (56.4 %) الى انعدام وعي المجتمع بالأمراض النفسية وإرجاعها إلى المس والعين، في حين ارجع نسبة 24.6% من الأسباب إلى كون المريض النفسي قد لا يعترف بحاجته إلى العلاج ويجب أن يكون الأهل واعين بدرجة كبيرة حتى يتم البحث عن العلاج النفسي وعدم إرجاعه إلى ضغوط نفسية في العمل أو الآسرة أو العصبية أو غيرها. ويرى ما نسبته 18.8% أن الأمراض النفسية معقدة بشكل قد يجعل من الصعب للعامة التعرف عليها. وهناك إجماع على تردد الأسرة في اللجوء إلى المساعدة الطبية والنفسية عند معاناة احد أفرادها من مرض نفسي، فأرجع (47.5%) من المشاركين الأسباب الى عدم وجود أطباء نفسيين متخصصين بالعدد الكافي، و(31.7 %) إلى عدم وجود مستشفيات نفسية مناسبة في حالة حاجة المريض إلى التنويم، و(20.8%) الى عدم وجود عيادات نفسية كافية.
كما كان هناك إجماع على عزوف المريض النفسي عن استكمال العلاج، وعزا (45.5 %) السبب إلى طول مدة العلاج النفسي ومايعاني المريض واسرته من ارهاق وتعب في متابعة العلاج، وارجعت نسبة 43,6 % السبب لكثرة استخدام الأدوية النفسية المهدئة والمنومة والاعراض الجانبية مما أدى إلى خوف المرضى من الإدمان، وترسخت في أذهان الناس صورة الطبيب النفسي مرتبطة بالأدوية النفسية والعلاجات الطويلة وعدم استجابة المريض للعلاج أو شفائه بشكل كامل، أما نسبة 10.9% فأرجعت عدم استكمال العلاج إلى ارتفاع أسعار الأدوية النفسية وعدم توفرها وصعوبة الحصول عليها.
التردد في الاعتراف بالمرض
وهناك جانب آخر على درجة كبيرة من الأهمية وهو تردد بعض الأسر في الاعتراف بالمرض النفسي، ويرى المختصون في الدراسة أن 73.3 بالمئة بسبب الخوف من معرفة المحيطين بهذا المرض والخجل والشعور بالعار، وهذا يؤكد أن الوصمة الاجتماعية المحيطة بالمرض النفسي قد تؤدى في معظم الأوقات إلى تردد الأسرة في الاعتراف بوجود مريض لديهم، ويرى ما نسبته 19.8 % الادعاء بأن هناك وعكة صحية طارئة أو ظروف بيئية صعبة في المنزل أو العمل بدلا من الاعتراف بالمرض النفسي، ويخشى (6.9 %) من المشاركين من تنويم المريض في مستشفى الأمراض النفسية حتى لا يعرف المحيطون بظروف مرضه.
كما أضاف الباحثون أن هناك من الآسر من تتخلى عن مسؤولياتها تجاه المرضى بعد خروجهم من المصحات النفسية، وأيد ذلك (56.4%) من المشاركين في الدراسة، مرجعين الامر الى ضعف الروابط الأسرية، وعزا (26.7%) منهم السبب إلي الخوف من المريض وإمكانية إلحاق الأذى بنفسه وبالآخرين، أما (16.8 %) فأرجعوه إلى عدم إمكانية توفير الجو المناسب والآمن للمريض بعد خروجه. في حين أن قبول المريض في أسرته بعد خروجه من المصحة جزء هام في العلاج النفسي لإحساس المريض بتقبل أسرته له وإحاطته بالعطف والحنان.
وعن أسباب نظرة المجتمع السلبية للعلاج النفسي الطبي، يرى (49.5%) أن السبب يعود الى أن الأمراض النفسية التي تحيطها الكثير من الخرافات والتي لا أصل لها من الصحة، الأمر الذي يستدعي نشر الوعي الصحي بالأمراض النفسية بشكل مكثف، ويرى (30.7%) أن السبب هو عدم إمكانية شفاء المريض النفسي بشكل كامل، ويضيف الى ذلك عدم الثقة بالأطباء النفسيين (19.8%). هذا وقد طالب حوالي 60.4 % من المشاركين بدور بارز لوسائل الإعلام المختلفة بنشر الوعي بين أفراد المجتمع لتفادي ضعف الوعي المجتمعي بالمرض النفسي الحاصل حاليا، وذلك بعمل برامج إعلامية مستمرة وجذابة لتعريف المجتمع بهذه الأمراض، إدخال برامج دراسية عن الأمراض النفسية في المدارس لتوعية الطلاب والطالبات، عمل أسبوع صحي نفسي يتم فيه تكثيف البرامج الثقافية والتوعية الصحية بالامراض النفسية. كما طالب أخرون بأهمية الاحتفاظ بسرية المعلومات وان تكون غاية في السرية بسبب خوف المريض من الوصمة المجتمعية للأمراض النفسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.