قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات :" من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"، بقول أفضل الأنام تفتتح يومية الاتحاد موضوعا في غاية الأهمية، تتوقف عليه حياة آلاف البشر ألا وهو التبرع بالعضو البشري الذي هو معنى للخول و العطاء و التضحية بشيء نملكه أو نسأل عنه لشخص أخر يحتاجه ويحرص عليه أشد الحرص، فان كانت حاجته هذه ضرورية لحياته فنحن نحقق قول الله تعالى :"من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".فان كان المحتاج من الأقارب فهي من صلة الأرحام أيضا.ولا يشعر بحاجة المرضى إلا من ابتلاه الله بالمرض، ولا يقدر نعمة البذل والعطاء إلا من وهبه الله نعمة القناعة بما قسم الله والإيمان العميق بأن التضحية من أجل الآخرين من أرقى المتقربات إلى الله، وأن "من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".إن التبرع بالأعضاء أو بالدم من أعظم ما يمكن أن يتقرب به العبد إلى الله، وفائدته لا تعود على المتبرع له وحسب، ولكنها في حالة التبرع بالدم مثلا تعود على المتبرع نفسه بفوائد جمة، حيث تتجدد خلايا دمه، ويتأكد من خلو جسمه من الأمراض، ويشارك في إنقاذ حياة بإذن الله، ولكن للأسف الشديد نعاني في مجتمعنا من ضعف ثقافة التبرع بالأعضاء على وجه التحديد، وبدرجة أقل بعض الشيء بالنسبة للتبرع بالدم. التبرع موضوع لم يستوعب بعد.. وعندما يصل الشخص إلى القناعة الكاملة بالتبرع ويوقع المستندات التي يقر فيها تنازلها عن أعضائه بعد مماته، تصطدم المستشفيات برفض أهل المتوفي أن يتم التبرع بأي من أعضائه، وهذا ناجم عن ضعف ثقافة التبرع بالأعضاء في مجتمعنا، ما يؤكد الحاجة الماسة لتطوير آلية التثقيف والتحفيز لإقناع المجتمع بكافة فئاته بأهمية التبرع بالأعضاء، ولا بد من تكاتف الجهود، بدءا بالمدرسة سواء بتضمين المناهج لمواد أساسية توضح أهمية وفضل التبرع، أو من خلال الأنشطة اللامنهجية، ولا بد على وسائل الإعلام أن تقوم بدورها الوطني والإنساني والأخلاقي بتبني حملات منظمة للتوعية بأهمية التبرع بالأعضاء وبالدم، كما على المسجد أن يقوم بدوره أيضا، وعلى أئمة وخطباء المساجد أن يضطلعوا بدورهم في توعية الناس بأهمية وفضل التبرع وإيضاح الأجر العظيم الذي يناله، حتى تترسخ هذه الثقافة بين أفراد المجتمع. عضو واحد يؤمن حياة جديدة والتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية هو تلك العمليات التي تسمح بنقل عضو من أعضاء الجسم التي تساعد الإنسان على ممارسة حياته بشكل عادي، وهي تتم إما من إنسان حي إلى آخر حي، وهنا لا يمكن الاستفادة من جميع أعضاء الجسم الحي باستثناء الكلية أو نقل الدم أو النخاع العظمي، أو من إنسان ميت إلى آخر حي، ويمكن أن تشمل جميع أعضاء جسم الإنسان الميت الذي قد يكون تبرع بها سابقا قبل وفاته أو وفق الضرورة الطبية التي تقتضي الاستفادة من أعضائه لإنقاذ حياة نفس بشرية أخرى.وفي هذا الصدد يقول محمد أورمضان طبيب جراح تخصص أعصاب أن التبرع بالأعضاء وزراعتها للمرضى المعانين من فشل في أحد الأعضاء واقع فرضه التقدم الطبي الحديث. وبعد سلسلة العمليات الناجحة، يجدر الحديث عن ثقافة التبرع بالأعضاء وعن مدى وعي وإلمام أفراد مجتمعنا بها، إذ إن قلة من الناس تفكر في التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، فالغالبية العظمى منا لا يحبون التفكير في مصائر أجسامهم بعد الممات. "وعلى سبيل المثال"، يضيف الدكتور "معدل حالات الوفاة الدماغية في الجزائر، ويمكن لها أن تؤمن احتياجات المرضى الآخرين من الأعضاء إذا جرت الموافقة على التبرع بالأعضاء من جميع أسر المتوفين". ومن أعضائي حياة.. وحسب سبر بعض آراء أفراد مجتمعنا بين مؤيد ومعارض ولو بالفكرة حتى، تقول السيدة الجيدة.م من سيدي عيش ولاية بجاية " الحمد لله الذي جعل للإنسان عقلا يفكر فيه، ليصل الطب لهذا المستوى من العبقرية، حيث أنني وقبل أن أكتشف أنه أصبح من الممكن أن أنقذ حياة فلذة كبدي الذي عانى لسنوات من قصر في الكلى، الذي جعله يقضي شبابه طريح الفراش، إلى أن أتى دكتور من العاصمة وأكد لنا أنه من الممكن أن يشفى ولدي إيدير البالغ من العمر أربعين عاما، في حالة ما إذا جدنا متبرع لأحد كليتيه، وبالفعل أجرى إخوته ووالده كل التحاليل اللازمة، ولكنها كانت سلبية، فرشحت نفسي وكانت الفرحة عارمة إذ أن التوافق كان بنسبة 90 بالمائة، وها هو الآن قد شفي تماما وتزوج وصار أبا لتوأمين وصحته جد ممتازة والحمد لله" وتسترسل ذات السيدة كلامها قائلة "نعم أنا مؤيدة للتبرع بالأعضاء وقد أوصيت أولادي وزوجي في حالة ما أصابني مكروه أو دنى أجلي أرديهم أن يتبرعوا بكل أعضائي، لنني أعرف معنى أن يعيش مريض بين الحياة والموت في انتظار زراعة عضو، ويسبقهم الأجل قبل الحصول على فرصة البقاء". التوعية مطلوبة... وكانت أكثر المطالبات بزيادة التوعية من خلال حملات مستمرة بأهمية التبرع بالأعضاء، وكيفية التوصل إلى تحقيق هذا الهدف للراغبين، من قبل محامين، صحفيين،طلاب، أطباء ومواطنين، جميعهم أكدوا للاتحاد مساندتهم لعملية التبرع بالأعضاء سواء كان ذلك أثناء الحياة أو بعد الوفاة لأنه عمل نبيل عظيم، وكل واحد منهم أكد رغبته الجامحة في نيل هذا الأجر خصوصا بعد الوفاة، لكن المشكلة تكمن كما ذكروا، في قلة الشفافية، وقلة الوعي، والفتاوى المتضاربة في هذا الشأن، وحتى أن البعض طالب بضرورة اعتماد مناسبات تركز على التبرع بالأعضاء أسوة مناسبات التبرع بالدم أو مناسبة مرض السكري، أو حتى الأسابيع المرورية أو الخاصة بالدفاع المدني، إلى درجة أن عددا من الطلاب انتقدوا عدم اهتمام الجهة المعنية بعقد محاضرات أو ندوات في مدارسهم أو إدراج هذا الموضوع الذي رأوه مهما في مناهجهم. لن أدفن قلبي في التراب إن كان مصدر حياة شخص آخر ويرى عبد الباقي معلم ثانوي أن التبرع بالأعضاء يحتاج لقرار قوي من إنسان لديه القناعة التامة والإلمام بالأبعاد الإنسانية لهذا العمل النبيل، فلو تقمص كل منا دور أب أو أم لابن يعتصر ألما عندما ينظرون لابنهم وهو يكابد الموت كل يوم ألف مرة لأنه في طابور الانتظار للتبرع بعضو يعيده إلى قائمة الأحياء ويكتب له ميلادا جديدا بإذن الله،" ولو سيطر هذا الإحساس" يضيف عبد الباقي " فإنني على ثقة بأن النظرة ستتغير، كما أن هناك صورة أخرى، إذ لو تأمل العاقل ببعد عاطفي عندما يذهب بابنه مثلا إلى المقبرة ليواريه الثرى، وأن هذا القلب الذي سيدفن في التراب سيستمر بعد ساعات في النبض في صدر شخص آخر ويضخ الدم في جسد كان على وشك الموت، عندها يمكن أن يتخيل أي عمل عظيم قام به في سبيل مرضاة الله". مافيا سرقة الأعضاء البشرية تعددت سيناريوهات الهلع التي تتردد في الجزائر مؤخرا حول الأطفال الذين تم اغتيالهم لأسباب مجهولة ومن أمثلتها إبراهيم، سفيان، شيماء، وياسر الذي لا يزال مفقودا لحد الساعة، وقد أرجع العديد من المواطنين أن سبب اختطافهم وقتلهم كان من أجل سرقة أعضاءهم وهو الأمر الذي نفته السلطات الجزائرية. حيث أوضحت الدكتور، مهني فضيلة جراحة قلب أن الفقر سبب رئيسي ليبيع الفرد كليته والتي تعد من أكثر الأعضاء البشرية بيعاً ويتم توزيعها بين البائع والجراح وعدد من الوسطاء، والحمد لله تضيف الدكتورة أنه لحد الآن لم نسمع عن فيما مضى سوى على حالة أو حالتين تقدم بها أحد تدور حول سرقة أعضاء بشرية،على عكس ما يحدث في البلدان الشقيقة. الإسلام حببه، ولكنه يبقى اختياريا وفي تقريب هذا المفهوم فان علاقة الإنسان تنتهي مع هذه الدنيا بعد الوفاة إلا من ثلاث: "ولد صالح يدعو له.. علم ينتفع به .. صدقة جارية" أو كما قال –صلى الله عليه وسلم-، فما بالك حين تكون هذه الصدقة أعضاء من جسد متوفى يهب به حياة للآخرين، إن أعضاء متوفى دماغيا واحد تساعد - بإذن الله- في إنقاذ حياة 6 إلى 8 أشخاص يرقدون على فراش الموت لا أمل لهم بالحياة بعد الله سوى هذه الأعضاء، وهذا ما أكده الإمام زين الدين من مسجد فارس بالعاصمة، أن التبرع بالأعضاء محبب في الإسلام و مباح أجازه كثير من أهل العلم، فالتبرع بالأعضاء إذا دعت الحاجة إليه، وإذا قرر الأطباء أن لا خطر على صاحبها إذا نزعت منه، وأنها صالحة لمن نزعت من أجله، وينوي المسلم بذلك الإحسان لأخيه، وابتغاء الثواب من الله، ولكنه جائز بشروط وقيود، إذا كان التبرع بالمال صدقة بالمال لإنقاذ فقير أو مريض أو بائس من أعظم القربات إلى الله تعالى، فما بالك بمن يتبرع ببعض بدنه، هذا أمر محبب في الإسلام، إن الله يعتبر هذا من ضمن إحياء النفس {من قتل نفْساً بغيْر نفْسٍ أوْ فسادٍ في الأرْض فكأنما قتل الناس جميعاً ومنْ أحْياها فكأنما أحْيا الناس جميعاً} المائدة:32 . والله أعلم على حد قول الإمام