ما يزال واقع التبرع بالأعضاء في الجزائر، يعاني عجزا أمام ما حققته مختلف دول العالم في هذا المجال، فبالرغم من جواز التبرع شرعا، وسماح المشرع الجزائري بعملية التبرع قانونيا، إلى جانب استحداث تقنيات طبية جديدة، تسمح بنقل الأعضاء من الأحياء والجثث على حد سواء، إلا أن ثقافة التبرع بالأعضاء في بلادنا لا تزال تعرف إقبالا محتشما من قبل المواطنين، وحتى استغلال الجثث باعتبارها تقنية جديدة شرع بتطبيقها في الدول الأوروبية لم يعرف النور عندنا، بسبب غياب ثقافة التبرع لدى المواطنين. صيادي.. 90 بالمائة من أعضاء الجثث يمكن استغلالها للقضاء على معاناة المرضى حيث أوضح مصطفى صيادي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة، في اتصال هاتفي ل "السياسي" أمس، أن واقع التبرع بالجزائر لا يزال قائما على الأصول، من خلال تبرع الأم بأعضائها لأولادها أو الأخت لأشقائها، لتبقى عملية التبرع الخارجي محتشمة ولا تكاد تعد على أصابع اليد، مرجعا ذلك إلى غياب ثقافة التبرع بالأعضاء في المجتمع الجزائري، وكذا عدم إيلاء أولوية للملف من قبل وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات بالرغم من وجود تقنيات جديدة تسمح بنقل الأعضاء من الجثث وإمكانية استغلال مابين 80 إلى 90 بالمئة من أعضاء هذه الفئة قصد زرع أعضائها للمرضى ، إلى جانب غياب الحملات التحسيسية التي توعي بضرورة الاقتراب إلى المراكز الاستشفائية والتبرع بالأعضاء المختلفة التي تسمح بإنقاذ المرضى على غرار المصابين بداء القصور الكلوي، داء القلب، وحتى المصابين بداء العمى. تسجيل 3000 حالة إصابة جديدة بالقصور الكلوي سنويا وكشف رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة، أن عدد المصابين بمرض الكلى يتضاعف كل سنة بزيادة قدرها 2000 إلى 3000 حالة سنويا، منوها إلى أن عدد المرضى الذين ينتظرون عملية زرع الكلى بالجزائر يعادل حاليا 15000 مريض، وهو عدد مخيف مرشح للارتفاع في المستقبل. ودعا صيادي، إلى ضرورة استغلال التقنيات الجديدة في عمليات الزرع من خلال استغلال الجثث، قصد الإنقاص من عدد الحالات المرضية التي شبهها بزبائن تنتظر متبرع لمعاودة العيش بصحة جيدة في المستقبل وبالتالي تخفيض نسبة الوفيات من خلال الاستغلال الجيد للجثث، خصوصا وأن إرهاب الطرق يحصد يوميا آلاف الأرواح على المستوى الوطني. ضرورة التكثيف من الجهود للحد من ارتفاع نسبة الوفيات كما أكد ذات المسؤول، أن الجزائر تملك طاقات قليلة في مجال الزرع، بحيث تسجل ما بين 50 إلى 60 عملية زرع سنويا، ودعا الوزارة الوصية إلى ضرورة تكثيف الجهود مع المخابر الخاصة وكذا السلطات المحلية لإيجاد حلول كفيلة لتطوير هذا المجال وكذا الإنقاص من عدد الوفيات، خصوصا في ظل وجود مراسيم قانونية تتيح لوالي الولاية أو نائبه التصرف في أعضاء الجثة في حالة عدم التعرف إلى أحد من أقاربها وبالتالي إمكانية استغلال أعضائها وزرعها للمرضى، بالإضافة إلى رأي الدين الذي يبيح ويجيز عملية التبرع بالأعضاء للأقارب وغير الأقارب، علما أن الجزائر تعد الدولة الأولى التي جاءت برزنامة قابلة للتنفيذ في هذا المجال بالعالم الإسلامي، فرأي الدين في عمليات زرع الأعضاء واضح، فهو يحث على ضرورة الاجتهاد في مسألة زرع الأعضاء، كون أن العملية عبارة عن صدقة جارية، خاصة وأنه سبق وأن صدرت فتاوى دينية أجازت عمليات الزرع من ميت إلى حي. وشدد ذات المسؤول، على ضرورة التسجيل في المستشفيات وجرد كل ما يتعلق بالمواطن من خلال تدوين زمرة دمه، ورقم خلاياه التسلسلي لمعرفة ما إذا كان المتبرع قريب من الناحية البيولوجية للمتبرع له، من خلال دراسة العضو المزروع، وبالتالي ضمان وجود معلومات في حالة حدوث حالات طارئة تمكن الأطباء من الاعتماد عليها في عملية نقل العضو من الجثة إلى المستفيد. الإمام نصر الدين.. التبرع بالأعضاء محبّب في الإسلام من جهته أكد الإمام أ. نصر الدين خالف، وهو إمام خطيب بمسجد عرفات ببن عكنون أمس ل "السياسي"، أن التبرّع بالأعضاء هو عمل مباح أجازه كثير من أهل العلم، فالتبرع بالأعضاء إذا دعت الحاجة إليه، وإذا قرر الأطباء أن لا خطر على صاحبها إذا نُزِعَت منه، وأنها صالحة لمن نزعت من أجله، وينوي المسلم بذلك الإحسان لأخيه، وابتغاء الثواب من الله، مثل التبرع بالكلية مباح، ولكن يحرم في حالة وحيدة وهي نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر. وأضاف ذات المتحدث يقول، أنه لا شك أن التبرع بالأعضاء جائز بل مستحب بشروطه وقيوده، إذا كان التبرع بالمال صدقة بالمال لإنقاذ فقير أو مريض أو بائس من أعظم القربات إلى الله تعالى، فما بالك بمن يتبرع ببعض بدنه، هذا أمر محبب في الإسلام، إن الله يعتبر هذا من ضمن إحياء النفس {مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} (المائدة:32)، فبهذا العمل يساهم الإنسان بالتبرع بالأعضاء في إحياء نفس بشرية، وكل عمل يعنى في هذا الجانب يعتبر من أعظم العبادات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، إغاثة ملهوف، إنقاذ إنسان من آلام يتألم بها، إنجاد حياة الإنسان فعوض الموت يمكن أن يعيش بعد زرع العضو له عدة سنين، وبالتالي هذا من أعظم الأعمال التي يباركها الله تعالى . الإسلام يجيز النقل من ميت إلى حي بشروط وأوضح الإمام نصر الدين، أنه يجوز أيضا نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة وليّ المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له، مثل القَرَنِيَّةِ بعد التَأَكُّد من موت صاحبها، وزرعها في عين إنسان مضطر إليها، وغلب على الظن نجاح عملية زَرْعِهَا، ما لم يمنع أولياء الميت ذلك. بيع الأعضاء، سرقتها أو المتاجرة بها إثم لا يغتفر ويشترط أن لا يتم ذلك ببيع العضو، إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما، فلا يجوز بيع الأعضاء البشرية مطلقاً، لأن الإنسان ليس محلاً للبيع، وذلك من عدة وجوه، هذه الأعضاء ليست ملكاً للإنسان، ولم يؤذَن له في بيعها شرعاً، فمعلوم أن أعضاء الإنسان ليست ملكاً للإنسان، وكذلك ليست ملكاً لورثته حتى يعاوضوا عليها بعد وفاته، كما أن الأعضاء الآدمية مُحتَرَمَة مُكَرَّمَة، والبيع يُنَافِي الاحترام والتكريم، وإن بيع الإنسان لأعضائه فيه امتهان له، وهو الذي قد كرمه الله تعالى ، قال عز وجل {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء: 7 0 ) . كما أنه لو فُتِحَ الباب للناس في هذا المجال، لتسارعوا إلى بيع أعضائهم، غير ناظرين إلى ما قد يعود عليهم من ضررٍ بسبب ذلك، فوجب منع هذا البيع، سداً للذريعة المؤدية إلى الضرر. وقد لجأ البعض إلى بيع أعضائه قصد كسب المال مقابل النفقة على نفسه أو عياله وكونه لجأ إلى ذلك بسبب الفقر، ومعلوم أن الله تعالى خلق الإنسان وكتب له رزقه، قال تعالى: "وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ" (سورة هود: 6). وقال: "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ" (سورة الذاريات: 22، 23). وقال عليه الصلاة والسلام "إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع كلمات: بِرِزْقِه وَأَجَلِه وشَقِيّ أو سعيد..." (رواه البخاري ومسلم ). وفي كثير من البلاد الفقيرة هناك أناس يستغلون فقر الفقراء ويخدعونهم ويشترون هذه الأعضاء بثمن بخس، ليستمتع بها الأغنياء وهناك جماعات تتاجر بهذه الأعضاء، فهذه نوع من التجارة، الفقراء الذين يحتاجون إلى القوت فهؤلاء مضطرون إلى أن يبيعوا أعضاءهم لهؤلاء الموسرين القادرين، فيجب الوقوف ضد هذه الظواهر المشينة. إلى جانب ظاهرة أخرى عمت بها البلوى آلا وهي سرقة الأعضاء البشرية واستعمالها أو المتاجرة بها وحتى تصديرها لدول أخرى كي ينتفع بها. قسنطيني... المشرع الجزائري يُبيح التبرع بشروط من جانبه أكد فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان، في اتصال هاتفي ل "السياسي" أمس، أن القانون درس بعناية قضية التبرع بالأعضاء، وسن المشرع قوانين تنظم عملية التبرع، من خلال السماح بالتبرع بشروط صارمة، تمثلت أساسا في ضرورة الموافقة المسبقة للمعني، أو توكيل عائلته قبل وفاته والباقي يرجع للأطباء قصد التكفل الحسن بعملية نقل الأعضاء من المتبرع إلى المتبرع له. وأمام هذا الواقع المرير، وغياب ثقافة التبرع بالأعضاء البشرية في الجزائر، يبقى المريض مرهونا في مفترق طرق، بين حكم الدين وجواز التبرع بالأعضاء البشرية، ومراسيم القانون التي سنها المشرع المبيحة للعملية، إلى جانب التكنولوجيات الحديثة المستعملة في الطب والتي تكون نسب نجاحها مضمونة، ينتظر من ينظر إليه ويعطيه بصيص أمل ليحيا حياة عادية في المستقبل.