أمرنا الله تعالى بالالتزام أمامه بالرباط بالقدس الذي هو نصف الدين لقوله عز وجل جلاله ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" (الروم/21) .، فهو سكن ومودة ورحمة، ولأجل ذلك ينبغي الالتزام بأحكام الشرع وآدابه من بداية الاختيار والخطبة إلى أن يتم الزواج بعيدا عن المنكرات والمخالفات الشرعية، فبمجرد أن يخطب الولد أو تخطب الفتاة حتى يتنفس الوالدان الصعداء، لكننا اليوم لا نريد أن نتكلم عن فضل الزواج وحكمه والترغيب فيه ولكن نريد أن نتكلم عن مشكلة مقلقة وشبح مخيف وظاهرة مأساوية مزعجة إنها مشكلة تأخير الزواج عمدا، وهي ظاهرة تكونت مؤخرا في مجتمعنا.. تأخير الزواج عمدا من أكبر المشكلات التي يواجهها مجتمعنا الحالي جراء ما يترتب عليها من آثار سيئة، فبالأمس القريب كانت الفتاة إذا بلغت الخامسة عشرة تعد قد بلغت سن الزواج، ويتسارع إليها الخطاب، ولو سألنا أمهاتنا ومن في سنهن لوجدنا أن الجيل السابق كان السن المناسب لزواج المرأة هو الخامسة عشرة أو أزيد من ذلك بقليل، بل وربما أقل من ذلك أحيانا، أما اليوم فلا تستغرب أن تسمع أن آباء يؤخرون زواج أبنائهم خاصة البنات منهم متحججين أنهم يستحقون نصيبا أحسن من هذا، فالمتعلمة يناسبها المتعلم، والغني تناسبه الغنية وهكذا دواليك متناسين قول الله عز وجل:"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [النساء:1].تناولت الاتحاد موضوع كثير من الفتيات اللاتي يقبعن خلف جدران منازلهن ولا يستطعن مصارحة آبائهن أو أمهاتهن بالرغبة في الزواج من شخص معين ولتعزيز مفهوم: "اخطب لابنتك"، حاولت الاتحاد إثارة الموضوع، مع إبراز حالات التأخير العمدي للزواج وهل هو تعطيل من قبل الأهل الذين يحاولون تحقيق أحلامهم في أصهرتهم المستقبلية؟. خضت معركة رهيبة مع أهلي وأمي لم تساندني بداية الحديث كانت مع عبلة التي قالت أنها ترفض فكرة الزواج نهائيا وذلك بسبب والدها، حيث تعرفت على شاب فأعجبا ببعضهما واتفقا على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بمستقبلهما، تقدم الشاب لخطبتي تقول عبلة وأحضر أهله، وما إن باشروا في الحديث حتى اشترط والدي منه شراء مسكن خاص لي بقلب العاصمة ويجب أن يكون تمليكا وليس كراء، مع العلم أن الشاب من ولاية أخرى ويبلغ من العمر ثمان وعشرين سنة، فمن أين لشاب في مقتبل العمر أن يشتري منزلا وفي قلب العاصمة خاصة وأننا نعلم مدى التهاب أسعار الكراء وفما بالك بالسكن التمليك؟ ولكن الشاب برهن على صدق نواياه وعمل ليل نهار جاهدا في سبيل تحقيق شرط والدي، وبعد سنة من العناء والعمل الإزدواجي استطاع أن يجمع حق بيت صغير، متكون من غرفة ومطبخ وحمام، وعاد خاطبا.. أبى والدي إلا أن يرى البيت والتأكد ولكنه بعد رؤيته للبيت أتى وأخبرني أنه غير موافق على ذلك البيت لأنه ليس بالمستوى المطلوب، كما أخبر الخاطب أن يبيع المنزل الذي اشتراه وأن يشتري غيره شرط أن يشير هو عليه، أي أن يختار والدي المنزل والشاب يدفع، خضت معركة رهيبة مع أهلي وأمي لم تساندني، ولكن لا حياة لمن تنادي فلوالدي رأس من حجر ولا يغير رأيه مهما كان الثمن، لذلك قررت أن أستمر بعلاقتي مع ذلك الشاب من وراء أهلي إلى أن يفرج الله ضيقتنا، كما أعلمت والدي أنني لا ولن أتزوج غيره وإن حدث وأحضروا لي خطيبا غيره فسأترك المنزل وأتزوجه دون رضاهم، وها أنا ذا أنتظر الفرج خاصة وان الشاب متخلق ومتدين ومن عائلة محترمة وموقفه اتجاهي زاد من تمسكي به". والدي يمنعني من الزواج كي أعيله أما جميلة شابة ثلاثينية فتقول: سبب رفض أهلي لكل الخطاب، وهو أنني أعيل العائلة فبعد تقاعد والدي بت أنا العاملة الوحيدة في البيت وزوجة والدي العامل الأساسي المؤثر على قراراتي والدي، ففي كل مرة يأتي احد لخطبتي أسمعها تقول لوالدي إن تزوجت جميلة فراتبها كله سيذهب لزوجها فبالتالي سيخسرون كثيرا المال الذي أجنيه، لذلك أرى أنني سأوضع قريبا على لائحة العوانس، وهذا أيضا ليس بوجه حق، فلا يجوز لهما عضلي ومنعي من الزواج من أجل أن أصرف عليهم، بل لي حقوق يجب أن تؤدى إلي، وأنا أمانة في أعناقهما. والداي يريدان فتاة ذات جاه ومنصب أما فرحات فيقول أنه كلما فاتح والديه بالزواج يبادرون بالسؤال عن عائلة البن وإذا ما كانت غنية ومن مستوانا خاصة وأن عائلتي ذات منصب وقيمة ووجاهة، ولكنني لا أريد سوى أن أعيش مع فتاة اختارها قلبي وهذا هو حالي فالفتاة التي أريدها والدها يعمل حارسا ليليا بشركة حكومية، ووالدتها عاملة نظافة.. زوجت نفسي بنفسي ضاربة عرض الحائط العادات والتقاليد أما فوزية أربعينية فتقول: تقدم لخطبتي احد زملائي في العمل وقبل أن يدخل بيتنا صارحني أنه طلق مرتين، ولكنني لم أكثرت كونه رجل محافظ ومحترم وهذا كان مكتوب ومقدر له ولا اعتراض على حكمة الله عز وجل، ولكن والدي رفضه لأنه رجل سبق أن تزوج، فبحثت عن السبب فقال لي ربما يكون من عادته الطلاق، أو يكون هذا من عادة أسرته، ولكنه أنه أول رجل يأتي لخطبتي منذ أن كنت في الثلاثين من العمر، ومنذ عشر سنوات لم يخطبني أحد ولا حتى الأرمل أو المطلق أو الشيخ، وبعدما يئست من محاولتي إقناعه، زوجت نفسي بنفسي ضاربة عرض الحائط العادات والتقاليد وبعد فترة عدت لأهل وسعيت لكسب غفرانهم ورضاهم وأقنعتهم بأن الله فضل علي برجل مثله وأنه يحترمني، وبعد مدة لاحظا الطريقة التي يعاملني بها زوجي ومدى حبه لي والسعادة التي أعيشها رفقته، فتقبلا الأمر وعادت المياه إلى مجاريها، وها قد مر على زواجي ست سنوات وأنا جد سعيدة". "عيب أن تقول الفتاة أريد الزواج من فلان" أما أوضح المواطن "عبد الفتاح أنه من العيب أن تقول الفتاة أو الأخت لأهلها أريد الزواج، فنحن عشنا وتربينا على العادات والتقاليد ولن نخرج عنها، مؤكداً على أن زواج ابنته أو شقيقته سيكون بمثل ما تعودوا عليه، بأن يخطبها أهل العريس، أو تجلس إلى أن يكتب الله لها نصيب !. طمعي في الجاه جعلني أدمر حياة أختي أما بشير فيقول: من الأشياء التي ندمت عليها هو رفضي لمن أرادته أختي وإجبارها على الزواج من ابن عمي الغني، وقد عانت معه الأمرين حيث تبين لنا انه معاقر للحمر والقمار، كما كان يجوعها ولا يصرف عليها، وبعد سنين من "الميزيرية" خلعته، وبعدما سمع الشاب الذي أرادته في بادئ الأمر بالخبر عاود المجيء إلى البيت طالبا يدها للزواج، وبعد ظلمي العرم لها، قبلت على الفور، وها هي اليوم تعيش الهناء ولحنان الذين حرمتها منهما بسبب طمعي وجهلي وتعنتي".وختام القول تجنبوا الشروط التعجيزية لمنع زواج ما أو إجبار أبنائكم على الزواج ممن لا يرضونه أو تأخير زواجهم لهدف شخصي لأن الانحراف، و كثرة العنوسة، من الآفات التي عادة ما يكون سببها الرئيسي هم الآباء. {لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر} وإذا أردنا أن نعرف رأي الدين حول تأخير الزواج ما لنا إلا أن نستدل بالآية الشريفة في قصة نبي الله موسى عليه السلام مع نبي الله شعيب حينما: "قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين"، فهذا نبي من أنبياء الله وقد عرض ابنته، بمعنى أن لا ضير ولا عيب من هذا التصرف، فإذا تعطل نصيب الفتاة عرضت للزواج بمن نرضى دينه وخلقه وإذا جاء النصيب من الحرام أن يؤخر الأهل زواج أولادهم ويتركوهم عرضة للفتنة والانحراف وارتكاب الفواحش لقول الرسول صلي الله عليه وسلم قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" كما يحرم على الأب أن يزوج ابنته بغير رضاها سواء أكانت بكرا أم ثيبا، وقد أفتى في ذلك إمام المفتين محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر} فحرام على الرجل أن يزوج بنته بغير إذنها بكرا كانت أم ثيبا. وكذلك بالنسبة للأولاد، فأحيانا الأب يضغط على ابنه ليتزوج من فتاة بعينها، لأننا نعرفها أو لأنها بنت عمه، أو عمته أو خاله أو خالته أو ما أشبه ذلك، وهذا -أيضا- ليس بسائغ ولا ينبغي للأب أن يفعله، وغالبا هذه الزيجات التي بدأت بالإكراه مصيرها إلى الفشل، لأنه لم يتوافر فيه القناعة لدى الطرفين، خاصة في هذا العصر الذي تفتح الناس فيه.