بين الخوف من العنوسة.. الطمع.. والظروف القاهرة تزايدت ظاهرة زواج القاصرات بشكل ملفت، وأصبحت تمثّل خطرا على المجتمع لما لها من أثر سلبي، حيث تم تسجيل العديد من حالات زواج لفتيات لا يتعدى سنهن 16 سنة، فهذه الظاهرة التي كانت معروفة خلال عهدة الاستعمار عادت بقوة لتبسط خطرها على العائلات التي بات همها الوحيد هو كيفية التخلص من إرث الأنوثة عبر البحث عن عرسان لهن وهن في عمر الزهور، ففي عصر العولمة والتكنولوجيا الحديثة أصبحنا نرى حالات تحبس الأنفاس، فبدافع الخوف من الوقوع في فخ العنوسة أو العوز تستسلم العائلات لسوق الزواج من خلال عرض بناتهن اللواتي لا يملكن المعارضة لأنهن لا يرين من هذا العالم الجديد إلا الزهور والألوان الوردية لحلم سعيد سيتحول إلى كابوس مخيف بأول خطوة عند باب القفص.. حسيبة موزاوي عادات متوارثة، صفقات مشبوهة، متاجرة بالبشر، البحث عن من يدفع دولارات أكثر، كل هذا يدفع الأسر المتخلفة فكريا بالزج ببناتها إلى الزواج في سن صغيرة لا تتجاوز التسع سنوات، ويتسترون على أفعالهم بعباءة الشرع والدين. وآخر المطاف في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، تموت بعض الفتيات نتيجة القهر، أما من تصمد وترضى بالأمر الواقع تعيش في كابوس قهري قتل طفولتها وبراءتها وجعلها طفلة تربي أطفالا.. "القاصر".. صفقة مغرية للذئاب البشرية هذه الظاهرة تعرف تفاقما سنويا، إذ تم تسجيل أكثر من 400 حالة زواج من هذا النوع لفتيات قصّر يتراوح سنهنّ بين 15 إلى 17 سنة، تزوّجن سواء بعلم من أوليائهن أو دون ذلك، وفي أغلب الأحيان يكون هذا الزواج نوعا من زواج المتعة، حيث لا تستمر العلاقة الزوجية أكثر من أشهر فقط، وغالبا ما ينتشر زواج القصّر في المناطق الداخلية جهلا منهم بالضرر الذي يسببه مثل هذا الزواج على الفتاة التي تنساق في أغلب الأحيان وراء المغريات المادية والدافع وراء زواج القاصرات تكون أغلب حالات هذا الزواج بطريقة غير قانونية، وبشكل عرفي، حيث يستغل أغلب أصحاب المال حاجة وفقر بعض العائلات للزواج من بناتهن دون أن يبلغن السن القانونية لذلك، الأمر الذي أصبح جد متداول خلال الفترة الأخيرة، وغالبا ما ينعكس سلبا على حياة الفتاة والمجتمع بأكمله، كما أنه هناك بعض الفتيات القصر يوافقن بمحض إرادتهن فضولا منهن لمعرفة ما هو الزواج، لكن ذلك غالبا ما ينتهي بالفشل والطلاق حيث تكون الضحية هنا هي القاصر التي تجد نفسها مطلقة في عز طفولتها كحالة الطفلة (ك م) التي وافقت على الزواج من رجل تقدم لخطبتها فوافق الأهل عليه طمعا منهم لأنه صاحب أملاك، لكن بعد الزواج تبين أنه متزوج وأب لأطفال، الشيء الذي أفقد الفتاة صوابها حيث طلب أهلها من زوجها تطليقها فوافق هذا الأخير دون أي تردد، وهكذا وجدت الفتاة القاصر نفسها مطلقة و(حامل) في شهرها الثاني وأصيبت بانهيار عصبي أصابها بالشلل وماتت بعد عدة أيام من ذلك تاركة أهلها وأقاربها في حالة من الندم والحسرة على ما أصابها. قصص من الواقع تروى بدموع أمهات عقول مسلوبة تتسم بقصر النظر لا تأخذ الأمور بجدية ولا تحمل العقل فوق طاقته، هذه حقيقة يحكيها الزمن بكل جرأة وعيون شريرة بما يفعله بفتيات بعمر الزهور، دفعت بهن أمهاتهن إلى مزهريات تفتقد للماء الذي هو أساس الحياة والاستمرار، من هنا بدأت (تميمة) تحكي ما حصل معها:(لدي أربع بنات وثلاثة ذكور ومن لديها البنات مثلما يقال (همّها إلى الممات)، بناتي ماكثات بالبيت لم يكملن تعليمهن الثانوي وكنت أنا السبب المباشر في ذلك، فكلما تتزوج بنت من بنات الجيران يزيد انفعالي وخوفي من أن تعنس بناتي الأربع أصغرهن هي الأكثر جمالا وتبلغ من العمر 16 ربيعا، تقدم لخطبتها عدة شبان وأغلبهم من الأثرياء، وبالفعل أصبحت وراء ابنتي كظلها أقنعها بفكرة الزواج وضرورة فتح بيت، كانت في كل مرة ترد قائلة إنها لا تريد الزواج في هذه السن، وأنها تريد أن تكمل تعليمها وأن تعيش شبابها ثم تتزوج لكن مع إصراري عليها وإلحاحي الشديد تقبلت المسكينة الفكرة، وبالفعل زوجتها رجلا يبلغ من العمر أربعين سنة، حيث كان فارق السن واضحا جدا بينهما إلا أنني لم أعط ذلك اهتماما بالغا، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن لم يستمر زواج ابنتي سوى ثلاثة أشهر والسبب في ذلك أنها لم تستطع تحمل مسؤولية الزواج، كما أن تفكيرها لم يتوافق وتفكير زوجها، فهي لازالت صغيرة وتحب اللعب والمزاح والضحك، مفعمة بالحياة والحيوية والنشاط، بينما هو العكس تماما ما جعله يعتبر تصرفاتها طيشا وعدم مسؤولية، ففي كل مرة كانت تزورني فيها تنزل منها وديان من الدموع أسفا على شبابها الذي افتقدته، مما أثر فيا وكوني أما شعرت بما تعانيه فلذة كبدي). عقول مسلوبة وقلوب مضطهدة وفي نفس السياق تحدثت الدكتورة أمينة بلفارس عن الآثار النفسية للزوجة القاصر، فتوضح أن تلك الفتاة التي لم تتجاوز سن الرشد لا تستطيع أن تفهم الواجبات والمتطلبات الزوجية نفسيا وعاطفيا، فتتحول الممارسة عند بعضهن إلى تعذيب جسدي يفوق التحمل، مما يؤدي إلى عدم الوصول إلى الإشباع الفطري لديها، فتتأثر الذات لديها، ويؤدي ذلك إلى فقدان الإحساس بالأنا، وتبقى تبحث بشكل مستمر عن طرق للتخلص مما هي فيه من عذاب نفسي شديد بالهروب أحيانا، أو ربما يصل الأمر لدى البعض إلى التفكير في الانتحار وإنهاء حياتها التي فقدت المعنى الكبير لها حسب عقلها وتفكيرها، وما تعيشه من وضع يفوق تكوينها النفسي الذي مازال في طور النمو، ولم يصل بها بعد إلى الجاهزية النفسية والعقلية التي تسمح لها بتداول أمور العاطفة والجنس بالشكل الذي يتناسب مع التطور في شخصيتها حينما تبلغ السن الذي يبدأ فيه الجسد والعقل والنفس بطلب التفعيل لهذه الجوانب في العمر الصحيح، مشيرة إلى أن بعضهن يذهبن إلى الانطوائية والتقوقع أو الدخول في حالات اكتئاب مزمن، جراء تحمل مسؤوليات الحمل والولادة في سن مازالت فيه لم تخرج من مرحلة الطفولة لتواجه مسؤوليات تفوق خبراتها في التعامل مع أمور وواجبات ومسؤوليات كبيرة، منها: روح مولود هي المسؤولة بشكل مباشر عن التعامل معه بما يبقيه حيا، مؤكدة أنه بسبب تحمل تلك المسؤوليات تفقد تلك الصغيرة الإحساس بالأمان وتتردد في اتخاذ ما يناسب من قرارات حيال تلك المسؤوليات، لعدم وجود الثقة اللازمة للتعامل مع هكذا مسؤوليات، مما يؤدي أحيانا إلى حصول أخطاء تتسبب في فقدانها لحياة طفلها على سبيل المثال، أو التسبب في حصول عاهة له بسبب عدم الدراية أو الإهمال غير المقصود، وبالتالي تعلق تلك الحادثة في عقلها الصغير مما يجعلها تعيش عذابا مستمرا من تأنيب للضمير وإسقاط المسؤولية على نفسها. ومن جهته حذر(ن. جلول) إمام بحي موحوس برج الكيفان الآباء وأولياء الأمور من تزويج بناتهم الصغار لأزواج كبار في السن يصل الفارق بينهما ما بين خمسين إلى ستين عاما من أجل المال، مشيرا إلى أن هذه الأفعال دليل على فساد ضمير هؤلاء الآباء وقلة حيائهم، وقال معقبا إن الزواج حق للفتاة وليس لوليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الأيم حتى تستأمر)، قالوا: وما إذن البكر؟ قال (صماتها)، مطالبا ولي الفتاة بعدم الانخداع بالأموال فيزج بوليته مع زوج قد لا يحصنها، وقد يفتح عليها آفاقا سيئة وشرورا عظيمة ما يعلم بها الآباء ولا الزوج. زواج القاصرات لا يجوز إلا بترخيص من القاضي الزواج من القصّر يُعد تحايلا على القواعد القانونية التي تتضمنها المادة 11/2 من قانون الأسرة الجزائري، إذ أنه ممنوع إلا بترخيص من قاضي مختص في الأحوال الشخصية، حيث يملك هذا الأخير السلطة التقديرية لتزويج الفتاة القاصر، وذلك بعد التأكد من رضاها والتأكد من قدرتها على الزواج الجسدية والعقلية هذا ما أكدته المحامية مشكور خليدة. وأضافت أن الأصل في الزواج هو أن تبلغ الفتاة السن القانوني للزواج المحدد ب19 سنة، إلا أن القانون استثنى ذلك شريطة الحيازة على ترخيص من القاضي، وذلك للتمكن من تثبيت الزواج مدنيا،أما فيما يخص الزواج العرفي، فهو يُعد تحايلا على القانون والمجتمع، ولا يجوز في أي حال من الأحوال، ويخلق مشاكل في الأسرة والمجتمع. كما أشارت المتحدثة إلى أن العديد ممن يتطرقون إلى مثل هذا الزواج الذي يتم عن طريق الفاتحة حتى تبلغ الفتاة القاصر سن الرشد ليتم تثبيت الزواج عن طريق حكم بالمحكمة، مرجعة أسباب إنتشار هذا الزواج إلى غياب الرقابة، مضيفة أنه رغم التعليمات التي قدمت من الجهات الوصية للأئمة بعدم عقد الفاتحة بدون عقد رسمي إلا أن هذه التعليمة بقيت مرسوما لم ينفذ. فالزواج مؤسسة مبنية على الصراحة والتراضي بين الطرفين لتكوين الأسرة، التي تعد نواة المجتمع، وذلك بعيداً عمَّا يمكن أن يطلق عليه باسم -صفقة تجارية- بين أهل الفتاة القاصر وشيخ، بحيث تحرم هذه الأخيرة من حقها، لتجبر بعدها على البقاء مع رجل كبير في السن دون رضاها، إضافة إلى أن القاصر التي دون سن الثامنة عشر عاماً لا تدرك مسؤوليات وتبعات الزواج، وبالتالي تجهل واجباتها تجاه الزوج، وتصبح الفتاة القاصر في وضع حرج غاية في الصعوبة لعدم توافر الكفاءة، وللحصول على الكفاءة يشترط توفر نفس السن أو التقارب، بالإضافة إلى الآثار النفسية السيئة التي تصيب الفتاة، والتي قد يحكم عليها عدم الاستقرار في زواجها.