هل وصلت العلاقات التركية – الأوروبية إلى نقطة اللاعودة؟ فقد ظل التعاون بينهما قائماً على محاولات أنقرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وسواء كانت الفكرة عملية أو وهماً فقد بنى عليها الطرفان منظوراً من العلاقات بحيث اعتمدت دول الاتحاد الأوروبي على أنقرة لمواجهة تدفق اللاجئين من منطقة الشرق الأوسط المضطربة إلى أراضيها.إلا أن المواجهة الكلامية بين تركياوهولندا والتي تضمنت اتهامات للحكومة هناك بالنازية والمسؤولية عن مذابح المسلمين في البوسنة يعلم مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين تركيا – الدولة المسلمة والقارة العجوز، فلم يحدث أن أدار كل طرف ظهره للطرف الآخر وقام بإعادة مسار العلاقات بينهما. وأسهمت الحملات الانتخابية والصعود لليمين الشعبوي في أوروبا بتغذية الحرب الكلامية وكذا الاستفتاء الذي يأمل الرئيس رجب طيب أردوغان بتمريره وتوسيع صلاحياته الدستورية بحيث يكون له دور في تعيين الحكومات واختيار القضاة وإدارة شؤون الحرب والسلم في البلاد.وحتى لو وافق الشعب التركي على الاستفتاء المزمع تنظيمه الشهر المقبل فالعلاقة ستظل متوترة مع الجوار الأوروبي. ونقلت صحيفة «كريستيان ساينس مونتيور» عن رفائيل بوسنوغ، الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين قوله «السؤال الأكبر سيتركز حول القواعد الجديدة للتعاون». ومن هنا فمناخ الشك بين الطرفين يعتبر عقبة أمام أي تحسن في العلاقات.ويتهم المسؤولون الأتراك الاتحاد الأوروبي بخرق الاتفاق من أجل وقف تدفق المهاجرين من سوريا ومناطق أخرى باتجاه القارة الأوروبية. فلم يف بوعد السماح للأتراك بدخول أوروبا بدون تأشيرات. وعليه فالأزمة الحالية والتي تعتبر الأكثر خطورة في مسار متقلب من علاقات تعاون وشك بين الطرفين وإن اندلعت حول منع دول اوروبية مثل هولنداوألمانيا والدنمارك الأتراك عقد تجمعات لدعم الاستفتاء إلا أنها تعبر عن تحولات في السياسة التركية في اتجاه الشرق، خاصة روسيا. وفي الوقت الذي بررت فيه هولنداوألمانيا منع الوزراء الأتراك والمهاجرين من عقد تجمعات لدعم الاستفتاء على خلفية أمنية، لم تخف الصحافة من عداوتها لأردوغان الذي يوصف بالديكتاتور والشمولي. فقد نشرت صحيفة «بيليك» السويسرية عنواناً باللغة التركية دعت فيه الناخب التركي في سوريا للتصويت ب «لا ضد ديكتاتورية أردوغان».ويرى جنكيز أكتار، الباحث في العلاقات التركية – الأوروبية بمركز السياسات في جامعة سبنتشي «هذا أمر جديد وهو أبعد من الحرب الكلامية». وقال إن تركيا «تبنت الأسلوب الغربي منذ 200 عام ولكنها بدأت في السنوات القليلة الماضية تبتعد عن الغرب وهذه هي الموجة الرئيسية»، و «تبتعد عن أوروبا بكل الطرق والقيم والمعايير والمبادئ وكل شيء» و «تركيا اليوم تعود للشرق الأوسط وتمر بمرحلة أسلمة». وقال إن محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي «ملف مغلق» وبناء عليه فالتعاون الاقتصادي ونقل الخبرات ستتلاشى مع مرور الوقت. ويرى أكتار «بالنسبة لتركيا فستكون عملية خاسرة بالتأكيد وستعاني البلاد منها». وبعيداً عن تحذيرات الخبير فقد اقترح الأتراك أن أوروبا هي الخاسرة. وحسب نعمان قورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي «لا أحد يستفيد من العنصرية والفاشية وهي مؤشرات دمار عظيم لأوروبا.» خطاب شعبوي ولعل الخطاب الشعبوي الذي يستخدمه أردوغان يلعب دورًا في إقناع قاعدته الشعبية مثلما يستفيد اليمين الشعبوي الأوروبي من انتقادات أردوغان اللاذعة وحسب مارك بيرني، المبعوث الأوروبي السابق لتركيا «إنهم يحاولون استغلال خطاب أردوغان لخدمة أغراضهم والقول: حذرناكم وقلنا دائماً إن تركيا لا علاقة لها بأوروبا». بالنسبة لغيرت ويلدرز الذي ترك الحزب الليبرالي عام 2006 لتشكيل حزبه «الحرية» احتجاجًا على المحادثات حول انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي فهذه «جائزة كبرى».وتعتقد صحيفة «كريستيان مونيتور» أن الخلافات الأوروبية – الأوروبية تظل مصدرًا مؤثرًا على العلاقة مع تركيا، فهولندا منعت المسؤولين الأتراك من دخول أراضيها فيما لجأت ألمانيا للسلطات الفدرالية كي تمنعهم وطلبت الدنمارك منهم تأجيل الزيارة وسمحت فرنسا لتجمع عقد يوم الأحد. كما أن تردد دول الاتحاد الأوروبي في تحمل مسؤوليتها واستقبال حصص من المهاجرين بشكل دفع ألمانيا للبحث عن مساعدة أنقرة لوقف تدفق المهاجرين.ويعلق فابريزو تاسيناري، رئيس السياسات الخارجية بالمعهد الدنماركي للدراسات الدولية في كوبنهاغن والأستاذ الزائر في جامعة همبولدت في برلين أن الصفقة التي وقعتها ألمانيا مع تركيا عام 2015 كشفت عن قارة لا تلتزم بمثلها «ففي مسائل المصداقية والسمعة فأوروبا ستخسر أكثر من تركيا» متحدثاً أن الأوروبيين تجاوزوا وعن قصد الكثير من القضايا حتى يوقعوا الاتفاق. أما الأتراك الذين يتهمون أوروبا بعدم الالتزام بشروط الصفقة فيرون أن لا حاجة تدفعهم لوقف المهاجرين. وكتب يحيى بستان، المعلق المؤيد لحزب العدالة والتنمية الحاكم في صحيفة «صباح» «منذ عام 2013 كانت المصالح التركية على تضاد مع المصالح الغربية». وأكد أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي غضت الطرف عن المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز (يوليو) 2016 وتركت حليفًا في الناتو وحيداً في دوامة سوريا. ويظل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول من ناحية التصدير والاستيراد. وتعتبر تركيا الدولة السابعة من ناحية الاستيراد على قائمة الاتحاد الأوروبي والخامسة من ناحية التصدير. إلا ان المواجهة الكلامية مع أوروبا تضعف ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ومعه تخسر التأثير. وتخشى أوروبا أو على الأقل المعلقون ان تمرير الاستفتاء يعني حكم الرجل الواحد بدون ضوابط. مناخ الخوف وترسم الصحافة الغربية صورة قاتمة عن الوضع في تركيا، وخصصت صحيفة «فايننشال تايمز» محوراً طويلاً قالت فيه لورا بيتل إن الضغط السياسي يدفع الأتراك للإخبار عن بعضهم البعض ولأسباب عدة. وقالت إن الكثيرين يقومون بإخبار الأمن عن قضايا متعددة وعادة ما يكون المخبر، أباً أو زوجاً أو زوجة. وتشير لقصة الطبيب بيلغين شيفتشي الذي شارك مجموعته الخاصة على الفيسبوك برسوم تسخر من أردوغان وتصوره كشخصية من شخصيات «ملك الخواتم» ليخسر عمله في المستشفى العام ويواجه دعوى قضائية ضده مستمرة منذ 18 شهراً.والمثير في الأمر أن من اخبر عنه كان قريباً من أقاربه. ويصف الطبيب الوضع قائلاً «أصبح بعض الناس ملكيين أكثر من الملك وتحولوا إلى مخبرين مواطنين». وتقول الصحيفة إن كل الأجهزة الأمنية والشرطة تستخدم وبشكل روتيني العملاء والمخبرين في جهودها لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب إلا أن تركيا، البلد الذي عانى العام الماضي من 267 عملية إرهابية ومحاولة انقلابية عنيفة، يواجه الكثير من التهديدات الخطيرة والعميقة. وهناك قصص كثيرة عن تطوع ناس عاديين لا يتلقون أجراً وتحولوا إلى جيش من المخبرين. وتشير الكاتبة هنا إلى سوابق تاريخية عندما قام نجوم هوليوود بالإخبار عن بعضهم البعض في أثناء الفترة المكارثية وشبكة المخبرين في فترة ستاسي بجمهورية ألمانيا الديمقراطية بل وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني انتشر العملاء في كل مكان. وفي تقرير للقنصل الأمريكي بتركيا في اثناء الحرب العالمية الثانية أشار فيه إلى أن الأتراك الذين كانوا ينتقدون الحكومة اكتشفوا أن الشرطة كانت تعرف عن كلامهم من عملاء «ينتشرون في مناطقهم». وفي تركيا اليوم التي لم تعد فيها المعارضة فاعلة وتمت السيطرة على الوسائل الإعلامية فإن الحاجة للمخبرين المواطنين نابعة من المناطق التي لا يمكن للدولة السيطرة عليها مثل المقاهي وقاعات المحاضرات ووسائل التواصل الاجتماعي. فقد حثت الحكومة السلطات المحلية على مراقبة النشاطات التي تراها مضرة وامتد هذا للسكان. والدافع هو محاربة الإرهاب ففي خطاب له في كانون الأول (ديسمبر) 2016 حث الرئيس المواطنين على الإبلاغ عن الإرهابيين اينما كانوا. وقال «هذه ليست مهمة مؤسساتنا الأمنية». وتشير الصحيفة إلى أن الكثير من الموالين للحكومة يقومون الآن بحراسة الفضاءين العام والخاص. تغيرت النظرة وكتبت النائبة في المعارضة ميلدا أونور معلقة على سائق تاكسي أخبر الأمن عن راكب انتقد الحكومة. وقالت إن المخبر كان ينظر إليه نظرة احتقار في الماضي «فالمخبر لو تم كشفه لم يكن لينجو في مجتمعنا» و «قد كسرت هذه الحكومة الفكرة». وتكشف قصص من يقومون بالإخبار ومن يستهدفون عن بلد يلفه الخوف وعدم التسامح. ومنها قصة علي دينتش، سائق الشاحنة من إزمير الذي كان يعود إلى بيته متعبا ليجد زوجته تشتم الرئيس وتهاجمه. ولم يرض علي البالغ من العمر 40 عاماً الشتيمة للرئيس ولا عن سلوك زوجته. وعندما لم يحتمل هددها بتسجيل تطاولاتها على الرئيس. وتحدته أن يفعل فسجل21 ثانية من الشتائم واخذها إلى المدعي العام المحلي. وفتحت قضية جنائية ضدها وبناء عليه طلبت الطلاق.