نديم قطيش الجديد الفعلي في القمة العربية بدورتها ال28 في المملكة الأردنية الهاشمية، كان في عودة الحرارة إلى السؤال الفلسطيني، الذي احتل البند التفصيلي والعملي الوحيد والأول في «إعلان عمان» والمتعلق بملف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لم يحصل ذلك بمعزل عن الحماس الأميركي لسياسة شرق أوسطية يكون مدخلها بصمة تاريخية في مسار السلام العربي الإسرائيلي. وهو ما ترجمه الحضور المباشر للبيت الأبيض بشخص كبير مستشاري دونالد ترمب، جيسون غرينبالت، الذي عين حديثاً مبعوثاً خاصاً للمفاوضات الدولية. واكب غرينبالت الأعمال التحضيرية للقمة العربية وعقد لقاءات مهمة على هامش أعمالها. عمل غرينبالت كمحامٍ لصيق بترمب أكثر من تسع عشرة سنة، وهو من كتب خطاب المرشح ترمب أمام منظمة إيباك، وأدار ويدير علاقات ترمب اليهودية. وفي خطوة تعكس جدية إدارة ترمب، أبعد الرئيس الأميركي صهره جاريد كوشنر عن ملف عملية السلام لصالح غرينبالت بعد كثير من التصريحات قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها، حول أن كوشنر سيلعب دوراً مركزياً فيه. سبق قمة عمان لقاءات مفصلية بين ترمب والملك عبد الله الثاني الذي يتهيأ لزيارة ثانية خلال أسابيع، وآخر بينه وبين ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فيما تتحضر واشنطن لاستقبال كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد اتصال بين الأخير وترمب. وتخلل القمة لقاء تنسيقي رباعي بين الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية والأمين العام للجامعة العربية لوضع تصور مشترك للمباحثات الثنائية التي يتحضر لها كل طرف مع الأميركيين، وهو ملمح غاب لفترة طويلة عن العمل العربي المشترك. كل ذلك يعكس جدية «الحماس» الأميركي لعملية سلام ناجحة ولافتتاح عصر جديد في الشرق الأوسط من بوابة الإجابة عن السؤال الفلسطيني. لكن الحماس ليس رؤية، وهذا ما صارح به غرينبالت من التقاهم من القادة العرب، في عمان. يقول مسؤول عربي تحدثت إليه إن «غرينبالت أوضح لنا أن الإدارة الأميركية لا تزال في مرحلة الاستماع ولم نصل إلى بلورة رؤية واضحة. هناك إرث كبير لمن سبقنا إلى هذا الملف وهناك نجاحات وإخفاقات كثيرة، وقرار ترمب أن يتقدم بثبات لكن بحذر أيضاً». ما سيحمله غرينبالت معه إلى واشنطن هو ما سمعه ترمب من قيادة دولة عربية ومسلمة كبيرة من أن لا مشكل بين معظم الدول الإسلامية (لاحظوا ليس العربية فقط) وبين إسرائيل، إن صدقت إسرائيل في القبول بحل عادل وعملي للقضية الفلسطينية، وهو منطوق المبادرة العربية للسلام الصادرة في بيروت عام 2002. هل من شريك إسرائيلي؟ هذا هو السؤال الأبرز اليوم والذي تحاول إسرائيل التحايل عليه بانتزاع تنازلات شكلية من العرب من دون ضمانات في مضمون السلام. فخلال لقائه الأخير بالرئيس ترمب في فبراير (شباط) الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: «أعتقد أن الفرصة العظيمة للسلام تأتي من خلال مقاربة تشرك شركاءنا العرب الجدد»! والحقيقة أن اللوبي الإسرائيلي نجح في إقناع ترمب أن مشهدية عربية، خليجية إسرائيلية واسعة تعطي فرصة للسلام، في حين أن الموقف العربي لا يزال يصر على أن صورة مماثلة ينبغي أن تكون تتويجاً لمسار السلام وليس منطلقاً لعملية سياسية غير مضمونة. كما أن إدارة ترمب تدفع باتجاه تشكيل حلف ناتو عربي، يتعاون أمنياً مع إسرائيل، وهو ما لن يحدث قبل خطوات حاسمة وأكيدة نحو سلام عادل للفلسطينيين. الحقيقة أن لا شريك إسرائيلياً الآن. لا شريك في الفكرة العميقة لعملية السلام التي يتفق على أهميتها العرب والأميركيون، وعلى تأثيراتها التاريخية في واقع المنطقة، وفي تسهيل الحلول في ملفات أخرى أكان محاربة الإرهاب أو لجم الدور الإيراني، الذي يمسك شماعة فلسطين لتنفيذ سياسات توسعية خطيرة على أمن الجميع بما فيها إسرائيل! لا شريك إسرائيلياً منذ اغتيال إسحق رابين عام 1995 على يد المتطرف اليهودي يغال أمير. المفارقة أن رابين قتل، وهو يلقي خطاباً داعماً للسلام في ميدان «ملوك إسرائيل»، الذي صار ميدان رابين لاحقاً في مدينة تل أبيب. قتله يهودي متطرف بحضور ممثلين عن الأردن، ومصر والمغرب، كشركاء في السلام الذي كان يدافع عنه الرجل قبل أن ترديه رصاصات مواطنه. في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 افتتح رابين خطابه الأخير بشكر «كل من أتى إلى هنا اليوم ليعلن وقوفه إلى جانب السلام وضد العنف». وأضاف: «هناك أعداء للسلام يحاولون أذيتنا بغية نسف عملية السلام». ثم ختم: «هذه التظاهرة تبعث برسالة إلى شعب إسرائيل، والشعب اليهودي حول العالم ولشعوب الدول العربية، وللعالم أجمع، أن الإسرائيليين يريدون السلام ويدعمون السلام». ما قاله رابين عام 1995 بحضور شركاء عرب، يقوله اليوم عرب أكثر لكن في غياب شريك إسرائيلي، حتى الآن. يرفضون العنف. يدركون مخاطره على أسس الاستقرار في المنطقة. ويريدون السلام. هل نعثر على شريك إسرائيلي؟